صنع اللاعب والمدرب السابق للمنتخب الجزائري لكرة القدم، رابح ماجر، الحدث عندما حضر لمشاهدة مباراة منتخب بلاده ونظيره الإثيوبي، التي جرت مساء أول أمس الثلاثاء، بملعب "نيلسون مانديلا"، ببلدة براقي بالجزائر العاصمة، لحاسب بطولة إفريقيا للاعبين المحليين "شان 2023".
وبينما كان ماجر يتابع اللقاء الكروي بكل راحة واطمئنان فوجئ بصفارات الاستهجان تنهال عليه من طرف مجموعة كبيرة من الجماهير، عندما ظهرت صورته في الشاشة العملاقة للملعب في الدقيقة الـ81 من المباراة، في موقف مؤسف، استهجنه كثير من الرياضيين الجزائريين والعالميين، فلماذا حدث هذا التصرف الغريب لصاحب "الكعب الذهبي" في وطنه، ومن طرف أبناء جلدته؟
تكوَّن في نصر حسين داي وانضم للمنتخب الأول سنة 1978
رابح ماجر، الذي وُلد يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 1958، بالجزائر العاصمة، بدأ ممارسة رياضة كرة القدم في الشوارع والساحات العامة، حيث كان ينشط في منصب حارس مرمى، في حين كان شقيقه الأكبر محمد، مهاجماً بارعاً، ولكن الحظ لم يحالف هذا الأخير في الانضمام لأحد الأندية، واختار بالمقابل الطفل رابح المُلقب لدى عائلته وأصدقائه المقربين باسم "مصطفى"، ويتم تدليعه باسم " تيطافو".
انضم الطفل رابح (مصطفى) ماجر لنادي ديوان الحليب لحسين داي سنة 1971، أي عندما بلغ من العمر 12 عاماً، فكان يلعب في مركز ظهير أيسر، قبل أن يخطفه، سنة 1973، نادي نصر حسين داي، الذي كان مدرسة حقيقية في تكوين اللاعبين بالجزائر.
وفي نصر حسين داي، تم تحويل ماجر للعب في خط الهجوم، وبالضبط في مركز جناح أيمن، وسرعان ما برز كأحد المواهب الكروية الجزائرية الواعدة، فتم تصعيده إلى الفريق الأول، عام 1976، وهو لا يزال في فئة الشباب، فساهم في نيل النادي كأس الجزائر لكرة القدم في موسم 1978/ 1979، وفي بلوغه نهائي مسابقة كأس إفريقيا للأندية الحائزة على الكؤوس لسنة 1978، الذي خسره أمام فريق هوريا كوناكري الغيني.
وبالموازاة مع تألقه رفقة نصر حسين داي، تدرج رابح ماجر ضمن مختلف المنتخبات الوطنية الجزائرية للفئات العمرية، إلى أن انضم للمنتخب الأول، في صيف 1978، في عهد المدرب رشيد مخلوفي، فنال لقبه الأول مع "الخضر"، المتمثل في الميدالية الذهبية للألعاب الإفريقية التي احتضنتها الجزائر، بعد الفوز في المباراة النهائية على منتخب نيجيريا (1-0)، ثم خسر، أمام المنتخب ذاته ( 0-3) في نهائي كأس أمم إفريقيا لسنة 1980.
صاحب أول هدف للجزائر في تاريخ نهائيات كأس العالم
وفي العام 1980، أيضاً، ساهم ماجر في تأهل منتخب الجزائر، بقيادة المدرب خالف محيي الدين، إلى الدور ربع النهائي لأولمبياد موسكو، ثم حقق في العام الموالي (1981) تأهلاً تاريخياً للجزائر إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم، التي جرت بإسبانيا في صيف 1982.
وقد شاءت الصدف أن يكون التأهل بعد فوز المنتخب الجزائري في الدور التصفوي الأخير، على غريمه التقليدي في ذلك الوقت، المنتخب النيجيري، بالفوز عليه ذهاباً (2-0) وإياباً (2-1)، حيث سجل ماجر الهدف الثاني للقاء العودة بملعب قسنطينة بطريقة رائعة.
وبعدما كان ماجر هو مُسجل آخر هدف للجزائر في تصفيات مونديال إسبانيا 1982، فقد كان هو نفسه صاحب أول هدف في تاريخ مشاركة الجزائر في نهائيات كأس العالم، بحيث افتتح باب التسجيل في المباراة التي فاز بها "محاربو الصحراء" على منتخب ألمانيا الغربية (2-1) بمدينة خيخون الإسبانية يوم 16 يونيو/حزيران 1982.
وعقب الأداء المميز الذي ظهر به المنتخب الجزائري في تلك البطولة العالمية، تهافتت الأندية الأوروبية المحترفة على ماجر وزملائه للحصول على خدماتهم، لكن قانون الرياضة بالجزائر لم يكن يسمح للاعبين بالاحتراف خارج البلاد قبل بلوغ سن الـ28، فانتظر رابح صيف 1983 ليحصل على رخصة استثنائية للتعاقد مع نادي راسينغ باريس الفرنسي، حيث كان، حينها، يبلغ من العمر 24 عاماً.
وقاد ماجر راسينغ باريس للصعود إلى دوري الدرجة الأولى الفرنسي، في موسمه الأول كلاعب محترف (1983- 1984)، بعدما سجل 20 هدفاً في 27 مباراة، ثم انتقل للعب لنادي تور الفرنسي، قبل أن يتعاقد مع نادي بورتو البرتغالي في صيف 1985
وعاد ماجر ليُسهم في تأهل المنتخب الجزائري إلى الدورة النهائية لمونديال المكسيك 1986، ولكنه تعرّض لإصابة قوية في المباراة الأولى أمام منتخب أيرلندا الشمالية (1-1)، أثرت فيما بعد على أدائه في المسابقة التي غادرها "الخضر" من الدور الأول.
قاد بورتو البرتغالي لنيل اللقب الأوروبي في 1987
وفي العام الموالي، دخل ماجر تاريخ الكرة الأوروبية، عندما قاد فريق بورتو للتتويج بلقب بطولة أوروبا للأندية البطلة (التسمية السابقة لدوري أبطال أوروبا) بتسجيله لهدف وتقديمه تمريرة حاسمة لزميله البرازيلي جواري في الفوز المحقق أمام نادي بايرن ميونيخ الألماني (2-1) في نهائي البطولة الذي احتضنته العاصمة النمساوية، فيينا، يوم 27 مايو/أيار 1987.
وقد سجل النجم الجزائري هدفه في مرمى العملاق البافاري بالعقب، فباتت تلك الطريقة في توقيع الأهداف بمثابة "علامة مُسجلة" باسم رابح ماجر.
واستمر ماجر في اللعب مع بورتو، إلى 1991، حيث سجل 73 هدفاً في 147 مباراة رسمية، مع فترة إعارة قصيرة لمدة 6 أشهر لنادي فالنسيا الإسباني في موسم 1987-1988، فتُوّج مع النادي البرتغالي، إضافة للقب الأوروبي، بلقب كأس ما بين القارات في سنة 1987، وثلاثة ألقاب للدوري البرتغالي، ولقبين لكأس البرتغال، ولقبين آخرين للسوبر البرتغالي، ما يجعل منه أحد كبار أساطير النادي.
وأنهى رابح ماجر مشواره مع الأندية ضمن فريق قطر القطري في موسم 1991- 1992، في حين اعتزل اللعب دولياً بعد المشاركة الكارثية لمنتخب الجزائر في نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم بالسنغال 1992، أي بعد سنتين فقط من قيادته منتخب بلاده للتتويج بلقبه الإفريقي الأول في ربيع 1990.
كرة ذهبية إفريقية وألقاب فردية بالجملة
أما عن الألقاب الفردية التي نالها رابح ماجر في مشواره الرياضي، فهي عديدة، وأبرزها "الكرة الذهبية" لأفضل لاعب في إفريقيا لسنة 1987، وأحسن رياضي جزائري لعام 1982، وأفضل هداف لبطولة أوروبا للأندية البطلة لسنة 1988، وأحسن لاعب للدورة النهائية لكأس أمم إفريقيا 1990، وجائزة "غولدن فوت" لأساطير الكرة العالمية عام 2011.
ويظهر جلياً، من خلال كل هذه الألقاب الفردية والجماعية، أنّ رابح ماجر يعتبر أحد أساطير الكرة الجزائرية والإفريقية والعالمية، ولا ينكر ذلك إلّا الجاحدون.. ولكن هل سار في مشواره كمدرب على نفس الدرب المليء بالإنجازات الذي سلكه كلاعب؟
3 مهمات فاشلة كمدرب لمنتخب الجزائر .. وتمزيق للعقد على المباشر
لم يبقَ رابح ماجر مدة طويلة بعيداً عن ميادين كرة القدم، بعد اعتزاله اللعب، إذ تم تعيينه مدرباً للمنتخب الجزائري في شهر ديسمبر/كانون الأول 1993، خلفاً للثنائي مزيان إيغيل وعبد الرحمان مهداوي، مع تكليفه بمهمة واحدة تتمثل في تأهيل المنتخب إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا 1996.
كانت تبدو هذه المهمة سهلة، وكان أمام ماجر 7 أشهر كاملة للتحضير لبداية التصفيات في سبتمبر/أيلول 1994، ولكن، وبعد 8 مباريات في المجموعة التصفوية الرابعة، اكتفى منتخب الجزائر بفوزين اثنين و4 تعادلات وهزيمتين، فتمت إقالته سنة 1995 من طرف اتحاد الكرة الجزائري بسبب "ضعف النتائج"، وخلفه الثنائي علي فرقاني ومراد عبد الوهاب اللذين نجحا في تأهيل الفريق رسمياً الى "كان جنوب إفريقيا 1996" بعد احتلاله المركز الثاني وراء المنتخب المصري، وأمام منتخبات أوغندا وتنزانيا والسودان وإثيوبيا.
وبعد فشل تجربته الأولى على رأس الجهاز الفني للمنتخب الجزائري، أشرف ماجر على تدريب فرق الشباب لنادي بورتو، ثم نادي الوكرة القطري، الذي تُوّج معه بلقب الدوري المحلي لموسم (1998- 1999)، ما أهله للعودة لتدريب منتخب بلاده للمرة الثانية، في صيف 1999، ولكنه بقي 3 أشهر بدون أن يبدأ عمله لرفض وزير الشباب والرياضة، عزيز درواز، المصادقة على بنود العقد الممتد لثلاث سنوات، وانتهت القبضة الحديدية بين الرجلين، بتمزيق ماجر لعقده على المباشر في حصة "ملاعب العالم" التي كانت تُبث على التلفزيون الجزائري.
وأُتيحت لماجر فرصة ثالثة لتدريب المنتخب الجزائري، وكان ذلك في صيف 2001، في عهد رئيس اتحاد الكرة، عمر كزال، وكانت مهمته الأولى هي المشاركة في نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم في مطلع سنة 2002 بدولة مالي، وهي المشاركة التي كانت كارثية، إذ أُقصي "الخضر" في الدور الأول من المسابقة، بعد انهزامين اثنين، أمام كل من نيجيريا (0-1) ومالي (0-2) وتعادل واحد مع ليبيريا (2-2).
وتسببت تلك المشاركة السيئة في تفكير الرئيس الجديد للاتحاد الجزائري لكرة القدم، محمد روراوة، في إبعاد ماجر من الادارة الفنية للمنتخب، فانتظره في المنعرج وأقاله في شهر مايو /أيار 2002، بعد اللقاء الودي مع بلجيكا (0-0) ببروكسل، بحجة "عدم احترام واجب التحفظ" عندما أدلى النجم السابق لنادي بورتو بتصريحات لصحيفة بلجيكية انتقد فيها مسؤولي الكرة في بلاده.
وقد نفى ماجر أن يكون قد تفوّه بتلك التصريحات، وظل يؤكد، فيما بعد، وفي كل مناسبة أنه تعرَّض للظلم، وأنّ مسؤولي الكرة الجزائرية منعوه من إكمال مشروعه في تطوير المنتخب الوطني، كما ظل يتغنى بالتعادل السلبي في لقاء ودي مع المنتخب البلجيكي، وذلك إلى أن منح فرصة رابعة للإشراف على منتخب الجزائر، في أكتوبر/تشرين الأول2017.
وعلى غرار تجاربه الثلاثة السابقة، فإنّ المرور الرابع لرابح ماجر على رأس منتخب الجزائر، لم يكن ناجحاً هو أيضاً، بحيث تعرّض رياض محرز وزملاؤه لـ4 هزائم متتالية في مباريات ودية أمام كلٍّ من إيران (1-2) و السعودية (0-2) وجزر الرأس الأخضر (2-3) و البرتغال (0-3)، فتلقى المدرب انتقادات لاذعة من الاختصاصيين والمحللين الرياضيين، ثم انتهى به الأمر بالإقالة من منصبه في يونيو/حزيران 2018.
وعلى الرغم من أنّ بلماضي هو من قاد منتخب الجزائر للتأهل إلى الدورة النهائية لكأس أمم إفريقيا لكرة القدم لـ2019 بمصر، ونجاحه في نيل لقب البطولة للمرة الثانية في تاريخ الجزائر، إلّا أنّ ماجر اعتبر في بعض تصريحاته أنّ الفضل يرجع له هو في تكوين ذلك المنتخب المُتوّج بالكأس الإفريقية، وأنّ من أقالوه قد حرموه من نيل ذلك اللقب.
وقد اعتبرت تلك التصريحات بمثابة استفزاز لشريحة كبيرة من الجماهير الرياضية الجزائرية، كما تعرّضت لتهكم النقاد، بحكم أنّ الكثير من اللاعبين الذين تألقوا ونالوا كأس أمم إفريقيا بمصر، لم يكونوا موجودين في فريق ماجر، كالحارس مبولحي ووسطي الميدان قديورة وبن ناصر والمهاجم بلايلي.
المُهم، ومَهما كانت نسبة فشل رابح ماجر في تدريب المنتخب الجزائري، فإنه يبقى جديراً بالاحترام من طرف الجماهير، بالنظر لما قدّمه للكرة الجزائرية كلاعب، ولم يكن يستحق تلك "الإهانة" التي تعرّض لها يوم الثلاثاء الماضي من طرف أبناء بلده، وعلى أرض وطنه، وأمام أعين الملايين من المشاهدين في العالم عبر شاشات التلفزيون.
فرابح ماجر كان حاضراً بملعب "نيلسون مانديلا" ببراقي بالجزائر العاصمة بصفته لاعباً سابقاً، وليس كمدرب سابق، مثله في ذلك مثل باقي أساطير الكرة الجزائرية والإفريقية التي لبَّت دعوة اللجنة المشرفة على تنظيم بطولة إفريقيا للاعبين المحليين، التي انطلقت بالجزائر يوم 13 يناير/كانون الثاني، والمتواصلة إلى 4 فبراير/شباط القادم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.