كل المؤشرات كانت تتوقع تولي النجم زين الدين زيدان مهمة الإشراف على المنتخب الفرنسي بعد مونديال قطر، لكن استجابة رئيس الاتحاد الفرنسي نويل لوغريث لرغبة المدرب ديدي ديشان في تمديد عقده لأربع سنوات أخرى، حطمت أحلام زيزو في تولي العارضة الفنية للديكة، أو بالأحرى أجلت الأمر لسنوات أخرى، بل جعلته مستحيلاً في وجود رئيس الاتحاد الفرنسي الذي صدم الوسط الكروي الفرنسي بتصريحات عنصرية حاقدة على قناة "آر إم إس" الإذاعية، أشعلت وسائط التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الفرنسية، وحركت مشاعر الساسة والمثقفين والرياضيين، على غرار كيليان إمبابي وفرانك ريبيري وإدارة الريال ووزيرة الشباب والرياضة الفرنسية الذي أمر لوغريث بتقديم اعتذاراته العلنية لزيزو، ففعل في اليوم الموالي، لكن التداعيات ستكون كبيرة على رئيس الاتحاد الذي ينتظر أن يقدم استقالته، ويرحل معه المدرب ديديي ديشان!
في سؤال حول تجديد عقد ديشان، وبالتالي تأجيل حلم زيزو في الإشراف على المنتخب الفرنسي، أدلى نويل لوغريث بتصريحات مستفزة، قال فيها: "إن أمر زيدان لا يهمه، وإنه لا يعتقد بأنه سيشرف على المنتخب البرازيلي، ولو اتصل به هاتفياً لن يرد عليه"، علماً أن زيزو لم يدلِ بأي تصريحات منذ مدة، ولم يعلق على كلام رئيس الاتحاد الذي تجاوز حدود اللباقة والاحترام تجاه أحد أساطير الكرة الفرنسية والعالمية، الذي كان مرشحاً لخلافة ديشان من طرف الفنيين والمتتبعين للشأن الكروي الفرنسي الذين يجمعون على أن زيزو هو أفضل خليفة لديشان على رأس الديكة، وهو الذي رفض كل العروض التي وصلته من المان يونايتد واليوفي والصين والولايات المتحدة، وبعد كأس العالم تلقى عروضاً أخرى لتدريب منتخبي البرتغال والبرازيل.
ردود الفعل الأولية حول تصريحات لوغريث لم تتأخر؛ حيث عبر كيليان إمبابي عن غضبه على صفحته في تويتر قائلاً: "زيدان هو فرنسا، لا يجب أن نقلل من شأنه"، ودعا فرانك ريبيري رئيس الاتحاد لزيارة طبيب نفسي، بينما عبر نادي ريال مدريد في بيان له عن أسفه الكبير لتصريحات لوغريث التي "تسيء إلى أحد أكثر الشخصيات التي تحظى بإعجاب وتقدير مشجعي كرة القدم عبر العالم؛ نظراً لما قدمه للمنتخب الفرنسي والنوادي التي لعب لها، وما أظهره من خصال حميدة طيلة مشواره الاحترافي".
الفنانون والمثقفون والساسة، بما في ذلك من اليمين المتطرف استفزتهم تصريحات لوغريث، فعبروا عن رفضهم لها وتنديدهم بما جاء في كلامه الذي حرك مشاعر الفرنسيين بكل أطيافهم؛ لأن الأمر يتعلق بشخصية رياضية مرموقة تلقى إجماعاً في الأوساط الفرنسية رغم أصوله الجزائرية.
وزيرة الشباب والرياضة الفرنسية سارت في نفس سياق ردود الفعل المنددة، وطالبت نويل لوغريث بتقديم اعتذاراته الشخصية والعلنية لزيزو قصد تهدئة النفوس، وهو الأمر الذي حدث سريعاً عندما اعترف بإدلاء تصريحات غير لائقة، وقال عبر برقية لوكالة الأنباء الفرنسية الرسمية: "أقدم اعتذاري الشخصي على التصريحات التي لا تعكس إطلاقا أفكاري ولا تقديري للاعب والمدرب زيدان"، ما يؤكد أن لوغريث لم يكن في وعيه عندما أدلى بتصريحاته المهينة لزيدان، والتي تأتي في نفس سياق كلامه عن بنزيمة الذي تنكر له سابقاً، ولما قدمه للمنتخب الفرنسي بقوله: "إن رحيله عن منتخب فرنسا في قطر خدم المنتخب الفرنسي"، وهو الذي تواطأ مع ديشان لإبعاده طيلة خمس سنوات بحجج واهية قبل إعادة استدعائه بمناسبة يورو 2020 تحت ضغط إعلامي وجماهيري كبير.
يبدو أن تداعيات تصريحات لوغريث ستكون كبيرة على الرئيس والمدرب ديشان الذي يعتبر أحد المقربين منه، حيث يتوقع الكثير من المتتبعين استقالته من منصبه ومن ثم رحيل المدرب تضامناَ معه ، مما يفسح المجال أمام زيدان ليخرج منتصراً من معركة فرضت عليه، ويحقق حلمه بتدريب المنتخب الفرنسي، بكل ما يحمله الأمر من تداعيات على التركيبة التي يطغى عليها أصلاً تواجد لاعبين من أصول إفريقية مثيرة للجدل كل مرة في الأوساط السياسية والإعلامية، لكنها مفيدة ومؤثرة على نتائج المنتخبات الفرنسية في السنوات الأخيرة، هذه المرة بجيل متميز جديد يقوده تشواميني، كامافينغا، إمبابي، دمبلي كولو مواني، ماركوس تورام، كوناتي وأسماء أخرى قادمة من مدرسة كروية كبيرة، لخلافة كانتي، بوغبا وبنزيمة.
إذا لم يحدث ذلك في أقرب وقت لإطفاء نار الفتنة التي أشعلها لوغريث، وكان وقودها ديشان، سيصعب على إمبابي وزملائه التعامل معهما مستقبلاً، وينعكس ذلك سلباً على مردود اللاعبين الدوليين الذين لا يروق لهم المساس بأحد رموز الكرة الفرنسية، وعندها سيكون من الصعب على زيدان البقاء بعيداً عن الملاعب وغرف الملابس وكرسي الاحتياط لأربع سنوات أخرى وهو في سن الخمسين، والصمود أمام كل العروض التي تصله من أندية ومنتخبات، وفي نفس الوقت سيكون من الصعب عليه الاختيار بين الأندية والمنتخبات، لأن في رصيده تجربة واحدة مع فريق واحد يعرفه جيداً هو الريال، يمكنه تكرارها مع فريقه السابق اليوفي، لكن يصعب خوضها مع البرتغال أو البرازيل؛ لأن الإشراف على المنتخبات يقتضي خصوصيات لا تتوفر لدى زيدان حالياً، حسب تقديرات بعض المحللين.
الأكيد أن زيدان لن يدرب فرنسا في وجود لوغريث رئيساً، وديشان سيجد نفسه في موقف صعب مع لاعبيه، مثل موقف لوغريث مع كل الوسط الإعلامي والجماهيري، ما يسهل على السلطات الفرنسية التضحية به في أقرب وقت لتجنب تداعيات أخرى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.