حتى أحزاب اليمين المتطرف دافعت عنه.. كيف بات زيدان أيقونة حقيقية في فرنسا؟

عدد القراءات
642
عربي بوست
تم النشر: 2023/01/10 الساعة 12:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/10 الساعة 12:13 بتوقيت غرينتش

لم تذهب بعد رائحة شجرة عيد الميلاد الصنوبرية، ولم تفتح جميع هدايا بابا نويل الموزعة بين الفرنسيين، حتى يخرج عليهم لوغريت نويل رئيس الاتحادية الفرنسية لكرة القدم، مساء الأحد، على إذاعة مونت كارلو RMC العريقة، ليس لأداء صلاة قدّاس منتصف الليل، بل ليتهجّم على الأسطورة الكروية العالمية زين الدين زيدان بابا الكرة المستديرة في أرض العلمانية، حيث أدلى رئيس الاتحادية الفرنسية لكرة القدم بتصريحات مهينة يكاد المستمع يتساءل: لماذا كل هذا الحقد؟ وهل ينفع الاعتذار بعد هذه التصريحات؟  

 الإعجاب والإنجاز 

حيث صرّح نويل لوغريت بشكل تافه أن احتمال إشراف المدرب زين الدين زيدان على تدريب المنتخب البرازيلي شأن لا يعنيه (آخر همه)، وأنه ما كان ليرد على زين الدين زيدان لو اتصل به هاتفياً من أجل تدريب المنتخب الفرنسي بعد مونديال قطر. ثم تداول تقارير إخبارية حول إمكانية تواصل إطارات عالية بالاتحادية البرازيلية لكرة القدم مع الأسطورة زين الدين زيدان، بعد فشل المنتخب البرازيلي في نسخة قطر 2022. 

زين الدين زيدان صاحب الكرة الذهبية، و11 لقب كمدرب لفريق ريال مدريد، منها 3 كؤوس أوروبا للأبطال، وصانع ملحمة Stade de France في مونديال فرنسا 1998، والمتوج مع المنتخب الفرنسي بأول لقب عالمي ضد منتخب البرازيل، مسجلاً هدفين تاريخيين. 

زيدان المنتخب الفرنسي
نويل لوغريت

لم تمر ثوانٍ على تصريحات نويل لوغريت ضد ابن الجمهورية الفرنسية البار، الهادئ، المهذب والخجول الذي لا تسمعه أبداً يثرثر، وإذا تحدث سمع، وإذا ثار نطح، وإذا سجّل أبرع، وإذا راوغ أبهر. حتى وقت كتابة هذه السطور لا زيدان ولا آل زيدان تحدثوا بعد، بل ترك زين الدين زيدان روليته Roulettes وإنجازاته على المستطيل الأخضر، وسلوك الرجل خارج الملاعب يتحدث عنه، كانت موجة سخط وانتقادات لاذعة في فرنسا وخارجها؛ دون أن يتلفظ زين الدين زيدان بكلمة واحدة، العالم كله قام بمساندته، ما أدى إلى صدور اعتذار من رئيس الاتحادية الفرنسية لكرة القدم صباح الإثنين، ثم تلا هذا الاعتذار ندوة صحفية لوزيرة الرياضة الفرنسية بعد الظهر، موبخة مباشرة رئيس الاتحادية نويل لوغريت لتصرفه، واصفة تصريحات المسؤول الأول للكرة في فرنسا بأنها تصريحات خارج السياق مرة أخرى، مع إضافة تضمنت عدم الاحترام المخزي الذي يسيء إلينا جميعاً، ولأسطورة كرة القدم والرياضة، وتابعت: "لا ينبغي لرئيس اتحاد رياضي في فرنسا أن يقول ذلك. الاعتذار عن هذه الكلمات الكبيرة تجاه زيدان من فضلك". 

ما السبب الذي جعل نويل لوغريت يخرج ما في جعبته تجاه لاعب سابق ومدرب حالي لم يطلب شيئاً؟ بالتأكيد هناك أسباب ذاتية قد تكون خفية تضرب في عمق المجتمع الفرنسي المنقسم والحائر أمام الأزمة الاقتصادية التي تهز البلاد منذ شهور.

ها هو الرئيس ماكرون بصدد تمرير مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد في جوّ سياسي يسوده الاحتقان والخوف من موجة احتجاجات عنيفة على غرار السترات الصفراء في عامي 2018-2019، كما يعرف أيضاً الناخب الفرنسي وخاصة المصنف بالفرنسي الأصلي/الأبيض منذ ثلاث عقود خطاباً سياسياً ضد العرب والأفارقة السود والمسلمين، هذا ما نسمعه من قادة أحزاب اليمين واليمين المتطرف. 

حيث أصبح هذا الخطاب أمراً عادياً في الإعلام وعند الساسة، بل حتى في الأوساط الرياضية وفي مدرجات الملاعب؛ هناك نقطة لفتت انتباهي صباح الإثنين وأنا أستمع لإذاعة مونت كارلو RMC؛ رئيس حزب التجمع الوطني RN (حزب آل لوبان) جوردان بارديلا يدين بشدّة تصريحات نويل لوغريت، قلت: لا، بابا نويل فعلاً موجود، وهو في إذاعة مونت كارلو!  

رئيس حزب التجمع الوطني هو الآخر يدين تصريحات نويل لوغريت، طبعاً ضد زيدان. لأنها لو كانت ضد كريم بنزيمة، لما احتشدت جيوش أحزاب اليمين واليمين المتطرف أمام بيانات التلفزيون والراديو ودافعت عن نويل لوغريت. إذاً ما هو سر زين الدين زيدان؟ هذا الكروي الساحر الذي حيّر العالم وكسب حتى قلوب أعداء أبناء جلدته.

 أتذكر خلال الحملة الانتخابية الرئاسية في فرنسا ربيع 2022؛ لما ذهب آل زيدان وطردوا مرّشح حزب استرداد الصحفي المثير للجدل آريك زيمور رئيس الحزب اليميني المتطرف المعادي للعرب والمسلمين بمدينة Aix-en-Provence، القريبة من مدينة مارسيليا، مسقط رأس الأسطورة زين الدين زيدان. حيث ذهب أخو زيدان ومعه جماعة من المسيرين لملعب Zidane Five Club وطردوا إريك زيمور من المكان، مبررين سلوكهم، بعدم استعمال اسم زيدان لأغراض حزبية ضيقة وعنصرية، زيدان أكبر من ذلك.  

 زيدان أيقونة 

لهذا، بالفعل زين الدين زيدان أكبر بكثير من السياسة ونفاق أصحابها، وهو الذي "نصَّبه" الفرنسيون لبضعة ساعات رئيساً عليهم يوم 12 يوليو/تموز 1998، وفي عام 2006 عند "نطحة برلين" في نهائي مونديال ألمانيا أمام المنتخب الإيطالي وُصف زين الدين زيدان بالجزائري "المتهور"، هذا هو طبع صاحب الأرض في تعامله مع ابن من خدم هذه الأرض وجعلها خصبة.

 خرج لفرنسا ريمون كوبا، وميشال بلاتيني، وزين الدين زيدان، واليوم كيليان مبابي، كلهم ليسوا من أبناء أصحاب الأرض، مبابي الذي فاجأ فرنسا بمواجهته الشجاعة ضد تصريحات نويل لوغريت مغرّداً: "زيدان هو فرنسا"، ولا يجب التقليل من الأسطورة بهذه الطريقة.

زيدان المنتخب الفرنسي
زين الدين زيدان

من خلال تصريح نجم الديوك الساطع، وتابعته كل تلك التصريحات المناهضة لغطرسة واستعلاء رئيس الاتحادية الفرنسية نويل لوغريت، سواء من إنجيل الكرة الفرنسية صحيفة L'Équipe، التى عنونت في عددها ليوم الإثنين: غير مسموح ! وسارع عشرات البرلمانيين والسياسيين من أحزاب اليسار وإعلاميين ولاعبين دوليين سابقين كجبريل سيسي ويوري جوركييف ومدربي كلوران بلان وبرونو جينزيو، كلهم وجهوا انتقادات واضحة دفاعاً عن الأسطورة زين الدين، الذي تعتبره ملايين الأطفال في العالم قدوة لهم وأيقونة للكرة المستديرة. 

كون الأيقونة زين الدين زيدان أصبح معلماً من معالم فرنسا التقليدية مثل: الكروسون Croissant والباغيت Baguette، فهناك أيضاً زيدان الذي بفضل سلوكه الراقي وحسن تربيته دخل قلوب الفرنسيين الذين كانوا يقولون له: لست مثلهم. كم كان يتألم حينما يسمع هذا الضمير: "هم".

 إذا كان زين الدين زيدان كسب الضمائر ولم يفهم ماذا حدث للضمير الذي كان يقلقه؟ "هم". "هم" أنت يا زين الدين، صحيح خرج عشرات من المنددين ضد تصريحات عجوز في الثمانييات من عمره يتطاول على فرنسي ابن مهاجر من الجزائر قدّم النفس والنفيس لعائلته، وأصبح زين الدين زيدان اليوم زيزو، هذا الاسم الكروي الذي منحه إياه مدربه الأول بفريق بوردو، رولاند كوربيس، عندما لم يتكمن من لفظ كامل اسم الأسطورة، ناداه بزيزو، عندها بات زيزو راسخاً في ذاكرة الفرنسيين، وبالتالي لا يسمح بالمساس بهذا الاسم، أو الانتقاص من شأنه.

فيمَ كان رئيس الاتحادية الفرنسية لكرة القدم نويل لوغريت يفكّر؟  

أي حتى مونديال أمريكا الشمالية: كندا، والمكسيك 2026، ما مصير علاقة نويل لوغريت مع الناخب الفرنسي خصوصاً، والمنتخب الفرنسي عموماً بعد هذه التصريحات؟ علماً أن ولاية نويل لوغريت ستكون حتى 2024. وعلاقته مع إمبابي، هل ستزداد توتراً؟ كما سبق لمبابي أن عاب على رئيس الاتحادية لكرة القدم بعدم الوقوف إلى جانبه ومساندته عندما تعرض إلى إساءات عنصرية عقب هزيمة منتخب فرنسا أمام نظيره السويسري في نهائيات أمم أوروبا 2021، حيث أضاع مبابي ركلة ترجيح. 

إن انعكاسات تصريحات نويل لوغريت تجاه زين الدين زيدان سوف تفتح فصلاً جديداً في ملف مسلسل أزمة مزدوجي الجنسية بالالتحاق بالمنتخب الفرنسي، أو التريث والالتحاق مباشرة بمنتخبات أصولهم. كما سوف تفتح ملف كيف تعامل الناخب الفرنسي في مونديال قطر مع كريم بنزيمة؟ وبالتالي التصريحات الأخيرة لرئيس الاتحادية الفرنسية لكرة القدم تجعل كثيراً من اللاعبين الصاعدين من أصول جزائرية ومغربية وتونسية يفكرون بجدية في خياراتهم. 

 تصريحات نويل لوغريت ضد زين الدين زيدان ليست زوبعة في فنجان، بل تكسر الفنجان، وعلى نويل لوغريت أن يأخذ مسؤوليته وهو المتهم في قضايا أخلاقية ضحاياها موظفات بالاتحادية، إضافة إلى تهم بسوء التسيير. 

يظل اعتراف نويل لوغريت بأن تصريحاته الأخيرة بشأن زين الدين زيدان خلقت سوء تفاهم، وأوضح: "لم يكن ينبغي أن أجري ذلك الحوار… زين الدين زيدان هو معلم لكرة القدم الفرنسية. أعترف أنني قدمت بعض الملاحظات المحرجة التي أدت إلى سوء فهم"، وختم: "زيدان يعرف حجم التقدير الكبير الذي أكنه له، مثل كل الفرنسيين".

لكن ما نسيه نويل لوغريت، أن بابا نويل حينما يسقط من شجرة عيد الميلاد الصنوبرية لا ينسى أحذية منتظريه؛ نويل لوريت سقط في فخ خطاب عنصري سيطر على ضمائر ملايين الفرنسيين منذ عقود، وعُمِّم في الأوساط الإعلامية، وأصبح سلعة انتخابية رابحة في يد أحزاب اليمين واليمين المتطرف، فلعل سقطة نويل لوغريت تعيد لفرنسا التنوير وحقوق الإنسان، والحرية والمساواة والأخوة، تلك المبادئ التي جعلت زيزو يصبح فرنسا، ولا يجب التقليل من شأنه.  

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالنور تومي
كاتب وباحث جزائري
صحفي متخصص في شؤون دراسات شمال إفريقيا في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام). حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة تولوز في فرنسا. له مقالات تنشر في صحيفة ديلي صباح اليومية التي تصدر باللغة الإنجليزية في تركيا. عمل محاضراً في قسم دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في كلية بورتلاند كوميونيتي. وفي الوقت نفسه كان عضواً في مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة ولاية بورتلاند.
تحميل المزيد