لم تكن رؤية تشافي مدرباً لفريق برشلونة مجرد أحلام يحلم بها بنفسه، بل جماهير النادي، وكل من ينتمي إلى هذا الكيان، من ثناء مدربيه عليه، إلى توقعات كبار اللعبة بأن اللاعب الأسطوري يمتلك نظرة عبقرية لإدارة فريق طامح.
لكن تشافي نفسه لم يكن متسرعاً في هذا القرار، فقرر أن يخرج إلى السد القطري ويكتسب خبرة كبيرة، قبل أن يتولى زمام مهمة صعبة في نظره، وهو ما حدث فعلاً.
في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2021، وبعد إقالة رونالد كومان من تدريب الفريق، كانت مهمة تشافي قد بدأت بالفعل، وأصبح برشلونة مُطالباً بأن يعبر الوضع القاسي الذي وجد نفسه فيه، بعد رحيل ميسي.
في صراع المركز الثاني أمام بنفيكا، ودّع برشلونة دوري أبطال أوروبا من دور المجموعات في نفس السنة، وكانت حادثة لا يُستطاب ذكرها، لم يجد برشلونة حيلة للعبور، بعدما استنفد ميسي كل الحيل الممكنة في الماضي.
ولإنقاذ الموقف، فيما تبقى في منافسات الليغا، بعد الخروج من كأس الملك على يد أتلتيك بلباو، حاولت الإدارة أن تبحث عن طريقة لدعم الفريق رغم تأزم الوضع الاقتصادي للنادي.
فيران توريس من مانشستر سيتي، أداما تراوري من ولفر هامبتون، داني ألفيس كقائد ولاعب للفريق، بيير باتريك أوباميانج من أرسنال، كانت هذه هي أبرز تدعيمات الفريق في الميركاتو الشتوي.
لكن، ورغم تحسن النتائج في الفترة من فبراير/شباط وحتى بداية أبريل/نيسان، وبعد تقديم الفريق مستويات رائعة أعاد بها للأذهان سيمفونيات برشلونة الخالدة، حدث ما حدث في الكامب نو، تحديداً أمام فرانفكورت الألماني.
برشلونة يُودع الدوري الأوروبي من ربع نهائي المسابقة، وبطريقة يخجل منها كل مشجع وداعم للفريق، ولم يُفلح الفريق طوال الموسم سوى في اقتناص المركز الثاني خلف ريال مدريد بطل الليغا.
لم تيأس الإدارة من تشافي، ورأت أن من الأفضل أن يمنحوه فرصة إضافية بتدعيمات قوية وأفكار جديدة، وتمثلت الأفكار والتدعيمات في واحد من أقوى أسواق الانتقالات في تاريخ النادي: روبرت ليفاندوفسكي من بايرن ميونيخ، فرانك كيسيي من ميلان، جويل كوندي من إشبيلية، رافينها من ليدز يونايتد، أندرياس كريستنسن من تشيلسي الإنجليزي.
كانت التوقعات ضخمة، والآمال حد السماء، لا يوقفها سقف، خاصة مع تحسن مستوى الفريق بشكل واضح من بداية الموسم الحالي حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني، إنها الليلة التي جعلت برشلونة مُهدداً للمرة الثانية توالياً بأن يودع دوري أبطال أوروبا من دور المجموعات.
الليلة التي سجل فيها إنترميلان ثلاثية كاملة، كانت كفيلة بوضع برشلونة على قمة الجبل وحركة واحدة تعني هلاكه، وهو ما حدث في المباراة الأخيرة في المجموعات، برشلونة يخسر من جديد أمام بايرن ميونيخ بثلاثية على ملعب الكامب نو، والتهديدات تتحول إلى جريمة كاملة، وللمرة الثانية توالياً.
لم تشفع كل هذه الانتقالات لتشافي أن يصل بالفريق إلى مرحلة يمكن التفاوض عندها، يمكن أن تكون نقلة نوعية للنادي وللفريق، بل وعلى عكس المتوقع، خيّب الآمال، وأثبت أنه ما زال يختار الأشياء التي قد تمنحه نتائج سلبية وسيئة.
على عكس المتوقع، اكتشف برشلونة أنه بحاجة إلى ميسي، وأن مرحلة خروجه من الفريق كانت صدمة ما زال يعيش على آثارها، على مدار تاريخه كان برشلونة عبارة عن نادٍ يحاول بشتى الطرق إدراج أشياء خارجية لكرة القدم.
بالتبعية، تحول الفريق إلى عناصر يتم الدفاع عنها مهما فعلت، وعناصر يتم التفريط فيها بسهولة، وكان هناك ميسي، الرجل الذي لا هو إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
لأنه كان أكبر من صحافة ومديري النادي، ولأنه وضع اسم برشلونة على الخريطة الأوروبية وأوهم جمهوره بأن أبسط الأشياء عادية.
الرجل الذي لم يهتم إطلاقاً بمن يلعب بجواره في برشلونة، لقد كان تشافي وإنييستا لبرشلونة حتى بعد رحيلهما، وكان الرجل الذي يعالج سوء كل صفقة فاشلة تأتي للفريق، وهو نفسه من كان يحسم مباريات عادية، كان يظن الناس أنها عادية.
وليس لأنه ميسي بالتحديد، بل لأن برشلونة لم يستطع أبداً أن يستغل وجوده بأفضل صورة ممكنة، وقرار رحيله كان من الضروري أن تكون له ضريبة، والضريبة ستكون باهظة، وسيعرف الناس فيما بعد أي رجل كان هذا الرجل.
ربما لم يتوقع تشافي أن المهمة بهذه الصعوبة، كما يقولون "الواقف على البر لا يعرف كيف هو الغرق!" وهذه المقولة تنطبق بالتحديد على تشافي، لاعب عظيم برؤية عظيمة، لكن من الواضح أنه ما زال يتعلم من على الخط، ما زال يجد أن هناك بعض الأساليب التي تحتاج إلى التطور والتحسن.
ومشكلة برشلونة، برشلونة بالتحديد، أن جماهيره تعيش على أحلام ضخمة قد لا تُلامس واقعها، وترى أشياء لا تنطبق إطلاقاً على الفريق، ربما كان السوق الصيفي لبرشلونة رائعاً، لكنه في المقابل ليس السوق الذي سيجعله بطلاً لدوري أبطال أوروبا والليغا وكأس الملك معاً، لقد منحهم هذا السوق فرصة للمداورة، وإيجاد عناصر تُسعف الفريق في اللحظات الحرجة في الموسم، أو على الأقل في التنافس في إطار الليغا بشكل أفضل من كل السنوات السابقة، التي خسر فيها الليغا بمشاكل فنية واضحة في بعضها.
وكان إنتر سيتي، الفريق الذي يقبع في الدرجة الثالثة الإسبانية، والذي يُصارع الهبوط للرابعة، هو القشة التي قسمت ظهر تشافي وجهازه الفني، في منافسات كأس الملك، يكتشف برشلونة أن الصغير يُسجل في مرماه ثلاثية كاملة، ولاعب برشلونة السابق، والذي لم يكن يعرفه أحد يُسجل هاتريك، وتذهب المباراة للأشواط الإضافية، وينتصر برشلونة بصعوبة بالغة، بعد أيام من خسارته الصدارة المنفردة لصالح ريال مدريد بعد تعادله في الديربي أمام إسبانيول.
مباريات الكأس عادةً ما تحدث فيها مثل هذه الأمور، وقد يصل الأمر إلى الإقصاء بالفعل، لكن هذا الأمر قد يكون مقبولاً في أماكن أخرى، مع فرق تسير بشكل منتظم طوال الموسم، ثم يحدث لها ذلك، يمكن عندها تقبل الأمر، لكن من المستحيل تقبله لفريق ودع دوري الأبطال من دور المجموعات.
كل هذه المؤشرات تؤكد أن تشافي ليس هو المدرب الذي يحقق طموحات جماهير النادي، ربما حتى هذه اللحظة، وربما لأنه تشافي، قد حصل على مساحة للغفران لم تُمنح لأي مدرب سابق للفريق، لو حدث له ما حدث مع تشافي لتمت إقالته، وكان حالياً يقف تحت لواء فريق آخر في مدينة أخرى.
وهذه هي المعضلة الحقيقية، تشافي هو المعادلة والنتيجة في آن واحد، المعادلة التي يحلم بها النادي منذ زمن، اللاعب العبقري الذي لطالما كان فارقاً في مهام صعبة، وقدم نفسه كمدرب في أرض الملعب، يُوجه زملاءه ويعرف كيف تسير المباراة وكيف يمكن تنظيم الفريق.
والنتيجة، لأن كل ما رآه الناس لا يحدث حينما تُصبح واقفاً على الخط، لا لشيء أكثر من أنك تحكم بعقلك لا بقدمك، ولأن تشافي نفسه يبدو في كثير من الأحيان متوتراً، ولا يعرف كيف يمكنه أن يتصرف في بعض المواقف.
وهو ما يُثبت أنه ما زال يتعلم، أي أن البوادر التي يُقدمها على فترات متباعدة تؤكد أن هناك إمكانية لرؤية برشلونة التي يحلم بها الناس، لكن ليس الآن، بعد تجارب كثيرة، وبعد مراحل سيكون من الصعب خلالها قبول أن يخرج الفريق بمواسم صفرية، خاصة أن الفشل طال المنافسات المحلية والقارية.
وأصبح تشافي في منطقة حرجة، يُنظر إليه فيها على أنه أحد المتهمين فيما آلت إليه الأمور، خاصة أنه لم يعد هناك ميسي، لن تكون هناك تلك التجليات القادرة على سحب الفريق في مباراة حاسمة إلى دور إقصائي أفضل، وحينها يحدث ما يحدث، ولم يعد برشلونة لديه اللاعب الذي يمكنه أن يتصرف بالصناعة والتسجيل معاً لإنقاذ الموسم بلقب الليغا، ميزة امتلاك ميسي قد تلاشت وانتهت للأبد من برشلونة، سواء كان ميسي نفسه مرتاحاً لانتهاء تلك الحقبة، أو لأن برشلونة كان مضطراً كما قيل للجوء إليها.
وعلى هذا النحو، على إدارة برشلونة أن تُقرر، ما إذا كان تشافي هيرنانديز، اللاعب الأسطوري والقائد التاريخي للفريق، هو مجرد تجربة لا بد من أن تؤتي ثمارها عاجلاً أم آجلاً؟ أم أن لديه مساحة من الغفران يمكنها أن تسمح له بارتكاب الأخطاء والتعلم منها، حتى يحصل على النتيجة التي يرجوها هو نفسه حتى قبل جماهير الفريق؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.