أكدت نهائيات كأس العالم لكرة القدم، التي جرت مؤخراً بدولة قطر، أنها لم تكن مجرد منافسة رياضية من أجل التتويج بجائزة شرفية ورمزية، بل تظاهرة اقتصادية بأتم معنى الكلمة، استفاد منها البلد المنظم والمنتخبات الوطنية المشاركة والاتحاد الدولي للعبة "فيفا"، مثلما استفادت منها أيضاً مختلف الأندية التي حضر لاعبوها خلال ذلك الحدث العالمي الكبير.
لن أتحدث عن الأرباح التي حققتها قطر من خلال احتضانها لنهائيات مونديال 2022، ولا عن المداخيل التي كسبها الاتحاد الدولي لكرة القدم، ولا عن الجوائز المالية الممنوحة لكل المنتخبات المشاركة، بل سأكتفي فقط بالتطرق لما سيستفيد منه نادي أنجيه الفرنسي الصغير الذي فُتحت له مغارة علي بابا بفضل تألق منتخب المغرب في البطولة العالمية.
فمن المؤكد أنّ نادي أنجيه لم يكن يحلم، قبل بداية نهائيات مونديال قطر، بأكثر من قيمة منحة "فيفا" نظير مشاركة لاعبيه الدوليين المغربيين عز الدين أوناحي وسفيان بوفال، في منافسة كأس العالم 2022، لكن، وبعد التألق اللافت لمنتخب "أسود الأطلس" في البطولة، فإنّ مسؤولي النادي الفرنسي، أخرجوا الآلة الحاسبة لمعرفة المبلغ الكبير، حتى لا نقول الضخم، الذي سيدخل إلى خزينة الفريق في القريب العاجل.
منحة من "فيفا" بقيمة 680 ألف دولار
بداية، دعني، عزيزي القارئ، أوضح لك أنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم قد خصص مبلغ 209 ملايين دولار منحة للأندية التي تملك لاعبين مشاركين في نهائيات كأس العالم، بمعدل 10 آلاف دولار عن كل يوم للاعب الواحد.
وبحكم أنّ اللاعبين المغربيين، أوناحي وبوفال، قد بلغا، رفقة منتخب بلدهما، الدور نصف النهائي للبطولة وخاضا معه المباراة الترتيبية من أجل المركز الثالث، فإنّ عدد الأيام التي قضاها في قطر بلغ 34 يوماً، بما فيها الأيام التحضيرية التي سبقت الانطلاق الرسمي للمونديال.
ولذلك سيحصل نادي أنجيه من "فيفا" على مبلغ 680 ألف دولار، أي حوالي 640 ألف يورو.
لا تتسرع أخي القارئ، فهذه القيمة المالية، ورغم أنها مُعتبرة، فإنها ليست المبلغ الضخم الذي أردت الإشارة إليه، والذي قد يستفيد منه نادي أنجيه قريباً، بفضل تألق لاعبيه أوناحي وبوفال في مونديال قطر.
فقبل بداية نهائيات مونديال قطر، في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لم تكن الجماهير الرياضية العالمية، باستثناء القلة القليلة منها، تسمع باسمي بوفال وأوناحي الناشطين ضمن فريق يُصارع في ذيل ترتيب الدوري الفرنسي لكرة القدم، وذلك على الرغم من أن سفيان بوفال سبق له اللعب خلال مشواره الاحترافي في الدوري الإنجليزي الممتاز و"الليغا" الإسبانية.
مدرب منتخب إسبانيا رفع من أسهم المغربي أوناحي
ولكن اللاعبين الاثنين كانا من أبرز العناصر المتألقة ضمن المنتخب المغربي خلال مسابقة كأس العالم الأخيرة، لدرجة أنّ مدرب منتخب إسبانيا، لويس أنريكيه، أبدى إعجابه بعز الدين أوناحي، بتصريح تلقائي، يحمل الكثير من المعاني والتفسيرات: "فوجئت باللاعب رقم 8 للمنتخب المغربي، يا إلهي من أين أتى هذا الرجل؟ لقد كان يلعب بطريقة مدهشة، لم يتوقف عن الركض، ويبدو أنه منهك الآن، تحدثت عنه مع الطاقم الفني، فقد فاجأني بمستواه الرائع".
وقد أدلى أنريكيه بهذا التصريح، في مستهل المؤتمر الصحفي الذي عقده، مباشرة بعد إقصاء منتخب إسبانيا على يد نظيره المغربي، في الدور ثمن النهائي للمونديال.
ومن دون شك، فإنّ هذه الشهادة من مدير فني كبير مثل لويس أنريكيه، حول المستوى المميز لأوناحي، قد زادت من اهتمام النقاد والمحليين الرياضيين باللاعب المغربي الشاب، البالغ من العمر 22 عاماً، مثلما دفعت الأندية الأوروبية الكبيرة لتصويب أنظارها بشكلٍ أفضل نحو متوسط ميدان نادي أنجيه.
وبالفعل، فإنّ آخر الأخبار تشير إلى أنّ عز الدين أوناحي، موجود ضمن أجندة عدة أندية أوروبية كبيرة على غرار ليستر سيتي الإنجليزي ونابولي الإيطالي ومارسيليا الفرنسي.
النجمان المغربيان لن يُسرّحا بأقل من 25 مليون يورو
وقد أكد رئيس نادي أنجيه، سعيد شعبان، في تصريحات صحفية، تلقيه عروضاً من أندية كبيرة بشأن أوناحي، لكن دون ذكر أسمائها، مُبدياً استعداده للتفاوض بشأن بيع عقد النجم المغربي الواعد، خلال فترة الانتقالات الشتوية، في يناير/كانون الثاني القادم، مع اشتراط بقائه مع فريقه الفرنسي، على سبيل الإعارة، إلى نهاية الموسم الجاري، في يونيو/حزيران 2023.
ومن جهته، فإنّ المهاجم سفيان بوفال، ذا الـ29 سنة، قام في الفترة الأخيرة بإزالة اسم نادي أنجيه من بياناته الشخصية لمختلف حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، في إشارة منه لقرب رحيله عن الفريق الفرنسي، وذلك في ظل تداول أخبار عن وجود عروض مغرية من أندية بالخليج العربي.
وفي حال تأكد مغادرة اللاعبين المغربيين الاثنين عن نادي أنجيه، فإنّ هذا الأخير سيستفيد من قيمة مالية كبيرة، بحيث تبلغ القيمة السوقية لأوناحي، بحسب آخر تحديث لموقع "تراسفر ماركت" المتخصص، بمبلغ 15 مليون يورو، وقيمة بوفال 10 ملايين، وقد يتم بيعهما بأكثر من هذا المبلغ.
والمفارقة أنّ بوفال انضم لنادي أنجيه في أكتوبر/تشرين الأول 2020، في صفقة مجانية، وأوناحي التحق بالفريق الفرنسي ذاته، في يوليو/تموز 2021، مقابل مبلغ 750 ألف يورو فقط، ما يعني أنهما قد شكلا استثماراً ناجحاً بالنسبة للنادي ولرئيسه، سعيد شعبان، المعروف بفرنسا بحسن تسييره الرياضي، بحيث نال جائزة أفضل مسير في دوري الدرجة الأولى الفرنسي لسنة 2019.
من هو رئيس نادي أنجيه الفرنسي؟
وُلد سعيد شعبان ونشأ وتلقى تعليمه بالجزائر، حيث تخرج في معهد التقنيات المتعددة بالحراش بالجزائر العاصمة، في نهاية سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، ثم هاجر إلى فرنسا لمواصلة دراسته الجامعية بمدرسة المناجم بـ"فونتان بلو" بباريس.
وقد وصف شعبان، في أحد تصريحاته السابقة، فترة وجوده بالعاصمة الفرنسية بـ"الامتحان"، حيث كان يدرس دون منحة أو دعم مالي، ما جعله يشتغل بمطعم للوجبات السريعة بشارع الشانزليزيه الراقي حتى يتمكن من تسديد مصاريف العيش والدراسة.
وواصل سعيد دراسته بعد ذلك بمدرسة إدارة الأعمال بمدينة أنجيه، حين فضل الاستقرار، وبدأ العمل مستشاراً ثم موظفاً بشركة لبيع النقانق التي، كما قال هو "كانت تبحث عن شخص يُجيد التحدث باللغة العربية".
وبعد اكتسابه التجربة في تلك الشركة وتعرفه عن قرب على مجال تجارة اللحوم، تحول سعيد شعبان للعمل الحر عام 1997، حيث اشترى أول مصنع للأطعمة، قبل أن يصبح مع مرور الوقت مسؤولاً عن "إمبراطورية صغيرة" متخصصة في اللحوم المجمّدة واللحوم المعالجة من خلال شركته الخاصة "كويسنيل" التي تشغل 800 عامل، ويبلغ حجم أعمالها 100 مليون يورو.
واقتحم سعيد شعبان المجال الرياضي بتمويل نادي لومان، ثم شراء أسهم في نادي أنجيه عام 2011، سمحت له برئاسة النادي، قبل أن يتحول مع مرور السنوات إلى المساهم الرئيسي بنسبة 93% من مجموع الأسهم.
وقد نجح الجزائري شعبان، البالغ من العمر 57 عاماً، في إعادة نادي أنجيه إلى دوري الدرجة الأولى الفرنسي لكرة القدم عام 2015، بعد 21 سنة من سقوطه إلى الدرجة الثانية ثم الثالثة، كما قاد الفريق لخوض نهائي كأس فرنسا لكرة القدم لعام 2017، حيث انهزم أمام العملاق باريس سان جيرمان بهدف يتيم.
وتمكن شعبان من اقتحام الهيئات الكروية العليا بفرنسا بفوزه عام 2014 بعضوية مجلس إدارة الرابطة الفرنسية المحترفة لكرة القدم، كما تم اختياره كأفضل مسير في دوري الدرجة الأولى الفرنسي لكرة القدم لعام 2019، من طرف مجلة "فرانس فوتبول" الشهيرة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.