عندما يخطو ليونيل ميسي إلى ملعب لوسيل لمواجهة فرنسا في نهائي كأس العالم في اليوم القطري الوطني، 18 ديسمبر/كانون الأول، سيحمل معه آمال الملايين من المشجعين حول العالم.
لكن في بقعة من المشجعين المخلصين المتفانين بشكل استثنائي على بُعد أميال في بنغلاديش، سيطر "الهوس بميسي" على دولة بأكلمها، ما شكّل جيشاً من "المشجعين الكبار" يسير خلف اللاعب الأرجنتيني وفريقه الدولي.
إذن لماذا بلد آسيوي معروف بالكريكيت، ويقع بين ساموا وجيبوتي في ذيل التصنيف العالمي لـ"فيفا"، شغوف بكرة القدم الأرجنتينية إلى هذا الحد؟
ما سرّ محبة بنغلاديش للمنتخب الأرجنتيني؟
يبلغ حب بنغلاديش لفريق كرة القدم الأرجنتيني ما لا يقل عن 4 عقود، ولكن هذا العام، جذب انتباه العالم كما لم يحدث من قبل، بداية من تغريدة الفيفا التي نشرت مقطعاً للآلاف من البنغاليين الذين كانوا يحتفلون بهدف الأرجنتين ضد المكسيك، وصولاً إلى احتفاء نجم كرة القدم العالمي غاري لينيكر وتعبيره عن دهشته أمام صور الشوارع الأرجنتينية العامرة بالآلاف من المشجعين على مدى أيام قبل موعد المباراة النهائية أمام فرنسا.
في لفتة أخرى مفاجئة، غرّد سانتياغو كافييرو، وزير خارجية الأرجنتين، على تويتر بأن بلاده ستضغط من أجل إعادة فتح سفارتها في بنغلاديش، التي تم إغلاقها منذ عام 1978، على خلفية زخم التشجيع والاحتفاء.
ونظراً لأن الأرجنتينيين استحوذوا على شغف بنغلاديش، فقد قرروا الرد بالمثل من خلال دعم بنغلاديش في لعبة الكريكيت، وهي رياضة يعشقها هذا البلد الواقع في جنوب آسيا.
صحيح أن تصنيف "فيفا" في بنغلاديش منخفض – حيث يحتل المرتبة الـ192 من 211 دولة – ومع ذلك يظل المشجعون مهووسين بكرة القدم، بينما تعتبر لعبة الكريكيت رياضة وطنية رسمية.
صفحة رسمية تم تأسيسها عبر موقع فيسبوك، وتم إنشاؤها في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول، وتحمل عنوان "المعجبون الأرجنتينيون لفريق الكريكيت في بنغلاديش" حصدت حتى الآن ما يقرب من 200.000 عضو. وهو الاحتفاء الذي يعتبره الأرجنتينيون رداً للجميل المتمثل في التشجيع المخلص من البنغلاديشيين خلال كأس العالم في قطر لمنتخبهم الوطني.
تأثير مارادونا وميسي على حب الكرة في بنغلاديش
لطالما كانت أسماء أساطير كرة القدم مثل دييغو مارادونا من الأرجنتين وبيليه من البرازيل في دول جنوب آسيا مثل بنغلاديش. حيث احتشد الوافدون من المنطقة، الذين يشكلون شريحة كبيرة من سكان قطر اليوم، خلف بلدان أمريكا اللاتينية، ولا سيما البرازيل والأرجنتين، في نهائيات كأس العالم 2022 الحالي.
يعود تاريخ كرة القدم في المنطقة الناطقة باللغة البنغالية في شبه القارة الهندية إلى أواخر القرن التاسع عشر، عندما عرّف الاستعماريون البريطانيون هذه الرياضة في كلكتا، التي كانت آنذاك عاصمة الهند البريطانية، والآن كولكاتا، المدينة الرئيسية في ولاية البنغال.
توضح Aljazeera أنه فيما بعد، أصبح الجزء الشرقي من البنغال جزءاً من باكستان عام 1947 عندما حصلت شبه القارة الهندية على استقلالها عن بريطانيا. ولكن بعد ما يقرب من 3 عقود، انفصلت شرق باكستان، كما كانت تُعرف آنذاك، لتصبح بنغلاديش. لكنها لم تتخلَّ عن محبتها لكرة القدم.
تاريخ طويل من التشجيع المخلص للمنتخب الأرجنتيني
بحلول منتصف الثمانينيات، بلغت شعبية كرة القدم درجة جديدة في بنغلاديش بعد أن أصبحت أجهزة التلفزيون متاحة، وكانت كأس العالم الأولى التي يشاهدها معظم البنغاليين في عام 1986.
آنذاك، قاد منتخب الأرجنتين الانتصار على فرقة قوية مثل إنجلترا. وبالتالي كان أسطورة الكرة مارادونا الأرجنتيني رمزاً لتحرر الدول الجديدة، بحسب موقع BBC البريطاني.
فنبع حب بنغلاديش للأرجنتين، على الرغم من أن المنتخب لم يفز بكأس العالم منذ ذلك الحين. واليوم، يُعد ميسي هو الأسطورة الجديدة التي تستحق التشجيع للفريق الضارب في تاريخ دول شرق آسيا.
وعند زيارة بنغلاديش اليوم، يمكن رؤية وجه ليونيل ميسي مرسوماً بالجداريات في شوارع العاصمة والمدن الأخرى، وقميصه يُباع في السوق الشعبية. كما تظهر شهرته الواسعة في البلد الآسيوي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بين جيل جديد من المعجبين البنغلاديشيين.
كانت حمى كأس العالم للأرجنتين وتشجيعها في رحلتها بكأس العالم 2022 المقام في قطر، واضحة للغاية لدرجة أنها لفتت انتباه الحساب الرسمي لمنتخب الأرجنتين لكرة القدم على تويتر، الذي غرد مؤخراً شاكراً مشجعي بنغلاديش: "شكراً لكم على دعم فريقنا! إنكم مجانين مثلنا!"، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.
بدوره، أشاد ليونيل سكالوني، مدرب الأرجنتين، بالدعم الذي قدمه مشجعو المنتخب الوطني لفريقه طوال كأس العالم في قطر. وأعرب عن امتنانه للجماهير البنغلاديشية لوقوفها وراء فريقه أثناء حديثه في مؤتمر صحفي قبل المباراة بين الأرجنتين في دور الـ16 ضد أستراليا. واختتم قائلاً: "نحن ممتنون إلى الأبد".