في أول تتويج لمنتخب فرنسا بأول لقبٍ له في منافسة بكُرة القدم، كان في صفوف الديكة الفرنسية لاعبٌ واحدٌ من ذوي البشرة السمراء، وهو اللاعب جان أمادو تيغانا، أمّا حالياً فصار عدد اللاعبين من ذوي البشرة السمراء والأصول الإفريقية يتجاوز 17 لاعباً، وذلك بعد أن ساعد هؤلاء اللاعبون منتخب فرنسا في كتابة سيرة من المجد الكروي، بدأ بجيل زين الدين زيدان في مونديال 1998، واستمرّ مع الجيل الحالي الذي فاز بكأس العالم 2018.
من لاعبٍ واحدٍ إلى أكثر من نصف اللاعبين.. رحلة اللاعبين السُّمر في الفريق الفرنسي
في ثلاثينيات القرن الماضي، كان المنتخب الفرنسي المشارك بأول نسخة من كأس العالم، مجموعة من اللاعبين البيض، رغم أن فرنسا كانت تستعمر أكثر من ثلثي القارة الإفريقية، ومناطق أخرى يستوطن بها أصحاب البشرة السمراء.
لكن فرنسا أدركت سريعاً حاجتها إلى لاعبين أقوياء وأصحاب بنية، وبدأت في التفكير بالاستعانة باللاعبين الأفارقة والعرب للمشاركة في المحافل الدولية، وكانت البداية حين لعب السنغالي راؤول دياجني في صفوف "الديوك" بمونديال 1938.
كما حاول الديكة الاستفادة من خدمات الرباعي الجزائري رشيد مخلوفي، ومصطفى زيتوني، وعبد العزيز بن تيفوز ومحمد معوش في مونديال 1958، لكن الرباعي اختار الهرب إلى الجزائر والمشاركة في الثورة الجزائرية.
ولعلّ أبرز الأسماء التي لعبت مع فرنسا من أصول إفريقية، المهاجم الشهير جوست فونتين، صاحب الرقم القياسي في عدد الأهداف المسجَّلة في نسخة واحدة لنهائيات البطولة برصيد 13 هدفاً في نسخة 1958، وهو من أصول مغربية، إضافةً إلى اللاعب زين الدين زيدان ذي الأصول الجزائرية، اللاعب الأشهر في تاريخ منتخب فرنسا، حيث قاد فرنسا للتتويج بكأس العالم 1998؛ وكيليان مبابي ذي الأصول الكاميرونية والجزائرية الذي قاد فرنسا للتتويج بكأس العالم 2018، والتأهل إلى نهائي 2022.
وطيلة فترة الثمانينيات اشتهرت فرنسا فقط بالمدافع تريزور وجون تيغانا، ثم توسعت نسبياً في التسعينيات بوجود دوسايي وفييرا وكارامبو وماكليلي قبل أن تتفشى الظاهرة انطلاقاً من الألفية الجديدة بالموازاة مع زيادة عدد المهاجرين في كل مرة.
اللاعبون السمر جلبوا كأس العالم لفرنسا لأوّل مرّة
في العام 1998، احتضنت فرنسا بطولة كأس العالم؛ على أمل التتويج باللقب العالمي لأوّل مرة في تاريخها، فرغم تعاقب الأجيال والأساطير الفرنسية في كرة القدم، لم تحقق كرة القدم الفرنسية سوى لقبٍ واحد قبل ذلك العام، وكان ذلك على الأراضي الفرنسية بقيادة ميشيل بلاتيني، ولم يكن في التشكيلة التي خاضت البطولة من اللاعبين ذوي البشرة السمراء سوى جان أمادو تيغانا ذي الأصول المالية، كما سبق ذكره.
في ذلك المونديال (1998)، دخلت الديوك الفرنسية بتشكيلة مغايرة، فقد تضاعف اللاعبون من ذوي البشرة السمراء في التشكيلة الفرنسية حتى صار حينها يلقّب بـ"منتخب إفريقيا".
كان أغلب نجوم المنتخب الفرنسي حينها من البشرة السمراء أو الأصول الإفريقية مثل كلود ماكيليلي ذي الأصل الكونغولي، ومارسيل دوسايي ذي الأصول الغانية، وباتريك فييرا ذي الأصول السنغالية، وزين الدين زيدان ذي الأصول الجزائرية، وليليان تورام الذي تنحدر أصوله من جزيرة غوادلوب، وتيري هنري، وكريستوف جيروم دوغاري، وكريستيان كاريمبو، وبرنار ديوميد وبرنارد لاما.
ولم تكن فرنسا تمتلك من لاعبي منتخبها الوطني خلال تلك النسخة من المونديال سوى الحارس فابيان بارتيز ولوبوف وبيتي وغيفارش.
العنصرية الفرنسية تنقلب على إنجاز اللاعبين ذوي البشرة السمراء
نجح المنتخب الفرنسي في التتويج بكأس العالم سنة 1998، بفضل لاعبيه ذوي البشرة السمراء، ليبلغ مجد اللاعبين السمر عنانه في المنتخب الفرنسي، ورغم ذلك لم يسلم أبطال العالم مع المنتخب الفرنسي من عنصرية الفرنسيين بعدها رغم تتويجهم بكأس أوروبا للأمم سنة 2001، وكأس القارات في السنة نفسها.
ففي مونديال كوريا الجنوبية واليابان سنة 2002، تضاعف عدد اللاعبين ذوي البشرة السمراء والأصول الإفريقية في تشكيلة الديوك، وصب الفرنسيون جام غضبهم على الخروج من الدور الأوّل على زيدان وإصابته.
استمر الحضور الكبير للاعبين السمر في المنتخب الفرنسي، ونجح زيدان وزملاؤه ذوو الأصول الإفريقية والبشرة السمراء في قيادة فرنسا إلى نهائي مونديال ألمانيا 2006 للمرة الثانية في تاريخ الديكة.
ورغم ذلك لم يشفع الإنجاز لزيدان، الذي خرج مطروداً في النهائي أمام إيطاليا، ولم يسلم من انتقاد الفرنسيين، ومنذ ذلك الوقت بدأ التفكير جدياً في تقليص عدد اللاعبين من أصحاب البشرة السمراء والأصول العربية والإفريقية.
نظام الحصص.. حين أرادت فرنسا تقليص لاعبيها السمر إلى أقل من الثلث
وقبل مونديال جنوب إفريقيا 2010، غرقت فرنسا في أزمة عرقية جديدة بعد تداول أخبارٍ بأن مسؤولي كرة القدم الفرنسية حاولوا تقييد اللاعبين السود والعرب في خطط تدريب الشباب لجعل المنتخب الفرنسي أكثر بياضاً، عرفت الأزمة باسم نظام المحاصصة في المنتخب الفرنسي.
حينها نشر موقع Mediapart الفرنسي أن الإدارة العليا الفرنسية وافقت على نظام الحصص؛ للحد من اللاعبين الشباب من السود ومن أصول شمال إفريقية المرشحين للانضمام إلى المنتخب الفرنسي، بحسب ما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.
تضمنت الخطة الفرنسية الحد من الشباب غير البيض الذين تقل أعمارهم عن 12 أو 13 عاماً، ومنع دخولهم في عملية الاختيار من خلال مراكز التدريب والأكاديميات.
أراد الاتحاد الفرنسي حينها وضع حد أقصى بنسبة 30% للاعبين من أصول إفريقية وعربية في المنتخب.
أعرب العديد من لاعبي كرة القدم الفرنسيين البارزين، ومن ضمنهم ليليان تورام وباتريك فييرا، عن اشمئزازهم من فضيحة الحصص.
أدخلت تلك الفضيحة الكرة الفرنسية في أزمة، فبعد خسارة نهائي كأس العالم 2006، تبعها خروج مذلٌّ للديكة في يورو 2008 ثمّ تأهل صعب لكأس العالم 2010، كما عصفت بالفريق الفرنسي فضيحة جديدة في مشاركته بمونديال 2010، بسبب فضيحة قاصر ادعت أنها تعاملت مع عدة لاعبين فرنسيين، وهو ما تسبب في خروجه من الدور الأوّل.
رغم ذلك، ألقى بعض الفرنسيين باللوم بشكل خاص على لاعبين سود أو مسلمين، في التسبب بالإقصاء والتمرد داخل المنتخب.
كأس العالم 2018.. السمر يهدون فرنسا كأس العالم لثاني مرّة
وبعد 20 سنة، من إنجاز "منتخب إفريقيا"، ومساهمته في تتويج فرنسا بكأس العالم لأوّل مرة في تاريخها، عاد سمر فرنسا لتكرار الإنجاز والفوز بكأس العالم للمرة الثانية في تاريخ فرنسا.
تتويج الديوك الفرنسية بكأس العالم روسيا 2018، عاد فيه الفضل بنسبة كبيرة إلى اللاعبين ذوي الأصول الإفريقية، الذين شكّلوا قرابة ثلثي الفريق، حيث بلغ عددهم 13 لاعباً.
وهم: بول بوجبا، وكيليان مبابي، وصامويل أومتيتي، ونبيل فقير، وعثمان ديمبيلي، ونجولو كونتي، وعادل رامي، وكورنتان توليسو، وكيمبيبي، وستيف مانداندا، وستيفن نزونزي، وبنجامين ميندي، وبلايز ماتويدي
وخلال تلك الدورة برز اللاعب كيليان مبابي الذي ينحدر والده من الكاميرون ووالدته من الجزائر، بشكل لافت في تلك النسخة من كأس العالم، وفاز بجائزة أحسن لاعب صاعد في البطولة بعد أن سجّل خمسة أهداف.
السمر يقودون حلم فرنسا بالتتويج بكأس العالم للمرة الثالثة في مونديال قطر
دخلت فرنسا كأس العالم قطر 2022، بتشكيلة قوية مكونة من أفضل اللاعبين في فرنسا، وكالعادة لم يغب اللاعبون ذوو الأصول الإفريقية والبشرة السوداء عن قائمة الديوك، خلال النسخة الـ22 لكأس العالم بقطر، ارتفع عدد اللاعبين ذوي البشرة السمراء في منتخب فرنسا إلى 16 لاعباً، غالبيتهم ولدوا في فرنسا باستثناء حارس المرمى ستيف مانداندا والمدافع كامافينغا اللذين هاجرا إلى فرنسا مع عائلتيهما وهما في سن الثانية، إضافة إلى تورام الذي ولد في إيطاليا حين كان والده يلعب في بارما، في حين تقلّص عدد اللاعبين من أصحاب البشرة البيضاء إلى 9 فقط.
كما أنّ كل هؤلاء اللاعبين السمر الذين يمثلون فرنسا في مونديال قطر 2022، تلقوا تكوينهم الكروي بمدارس فرنسية.
وهؤلاء اللاعبون هم:
▪️ستيف مانداندا، ولد في كينشاسا وأصله من أبوين كونغوليين.
▪️أكسال دي ساسي، ولد في العاصمة الفرنسية باريس من أصل كونغولي من الأبوين.
▪️إبراهيما كوناتي، ولد في باريس وأصله من أبوين من مالي.
▪️رافائيل فاران، ولد في مدينة ليل الفرنسية، ويعود أصله من جهة الأب إلى جزيرة مارتينيك، أمّا أمّه ففرنسية.
▪️جول كوندي، ولد في باريس وأصله من البنين من ناحية الأب، أمّا أمه ففرنسية.
▪️ويليام ساليبا، ولد في مدينة بوندي وأصله لبناني من جهة الأب، وكاميروني من جهة الأم.
▪️دايو أوباميكانو، ولد في مدينة إيفرو، أمّا أصله فمن غينيا بيساوي من الأبوين.
▪️إدواردو كامافينغا، ولد في أنغولا وأصله كونغولي من الأبوين.
▪️يوسف فوفانا، ولد في العاصمة باريس وأصله من كوت ديفوار من كلا الوالدين.
▪️ماتيو قندوزي، ولد بضواحي باريس، وأصله مغربي من جهة الأب.
▪️أورليان تشواميني، ولد في مدينة روان وأصله كاميروني من كلا الوالدين.
▪️كيليان مبابي، ولد في مدينة بوندي من أب كاميروني وأم جزائرية.
▪️عثمان ديمبيلي ولد في مدينة فيرنون من أب مالي وأم موريتانية.
▪️راندال كولو مواني، ولد في مدينة بوندي الفرنسية من أصول كونغولية من كلا الوالدين.
▪️كينغسلي كومان، ولد في باريس، وأصول والديه تعود إلى جزيرة جوادلوب.
▪️ماركوس تورام، ولد في مدينة بارما الإيطالية، من أصول تعود إلى جزيرة جوادلوب من ناحية الأب.