سجل تاريخ كأس العالم ظاهرة غير مسبوقة كان بطلها لاعب إنتر ميلان السابق الصربي ديجان ستانكوفيتش، الذي مثّل ثلاثة منتخبات في نهائيات كأس العالم، في رقم قياسي يصعب تكراره، خاصة أن قوانين الفيفا الحالية ترفض تمثيل أي لاعب لمنتخبين في مسيرته، فكيف حدث ذلك؟
من هو ديجان ستانكوفيتش؟
وُلد ستانكوفيتش في بلدة زيمون، بالعاصمة اليوغسلافية بلغراد، في 11 سبتمبر/أيلول 1978، تزامنت طفولته مع زيادة التوترات السياسية في جميع أنحاء يوغسلافيا، الأمر الذي أدخل البلاد في حرب أهلية استمرت إلى عقدي الثمانينيات حتى التسعينيات، مع ذلك، وجد ستانكوفيتش العزاء في كرة القدم، حيث أمضى ساعات طويلة في شحذ مهاراته الكروية في شوارع حيِّه الذي كان يعيش فيه ببلغراد.
كان لوالدي ديجان ستانكوفيتش الفضل في اختيار ولدهما لعب الكرة، بحيث كانا في الأصل لاعبين لكرة القدم، فقد لعب والده بورا مع نادي OFK Belgrade، بينما لعبت والدته دراجيكا مع فريق ŽFK Sloga Zemun.
بدأ ستانكوفيتش مسيرته الكروية مع نادي FK Tel Optik الذي يتخذ من مدينة زيمون مقراً له، وسرعان ما جذبت عروض ستانكوفيتش الرائعة مع FK Tel Optik، انتباه صائد المواهب اليوغسلافي الشهير توميسلاف ميليسيفيتش الذي انتدبه إلى نادي النجم الأحمر لبلغراد، حيث وقّع ستانكوفيتش مع نادي طفولته في عام 1991 وهو يبلغ من العمر 13 عاماً.
في العام الذي تعاقد معه ستانكوفيتش مع النجم الأحمر لبلغراد توّج الأخير بكأس أوروبا المسمى السابق لمسابقة دوري أبطال أوروبا في عام 1991.
لسوء الحظ، لن يُمنح ستانكوفيتش الفرصة للاحتكاك مع أبطال أوروبا الجدد، وذلك بعد أنّ رحل جلّ نجوم النادي اليوغسلافي إلى الدوريات الأوروبية في إسبانيا وإيطاليا، بسبب الحظر الأوروبي الذي فُرض على الأندية اليوغسلافية بسبب حرب البوسنة.
مع ذلك انتظر ستانكوفيتش حتى شهر فبراير/شباط 1995، ليبصم على أوّل مشاركة له مع الفريق الأوّل للنجم الأحمر بلغراد ضد نادي OFK Belgrade.
بدخول الملعب كلاعب بديل في الشوط الثاني، أصبح لاعب خط الوسط البالغ حينها من العمر 16 عاماً أصغر لاعب يرتدي القميص الأحمر والأبيض الشهير لنادي النجم الأحمر، كان هذا هو الأوّل من بين العديد من الأرقام القياسية للنادي التي سجلها الصربي الشاب خلال السنوات القليلة المقبلة.
مع مستويات اللياقة البدنية والنضج التي تجاوزت سنوات مراهقته، أصبح ستانكوفيتش قطعة أساسية في منظومة النادي اليوغسلافي.
بدأ ستانكوفيتش موسم 1995/1996 مع إنجاز آخر حطّم به ثاني الأرقام القياسية في نادي النجم الأحمر، حين صار أصغر هداف في تاريخ النجم الأحمر، ثم في الموسم الذي يليه صار أصغر قائدٍ للنادي.
وفي سنة 1998، صار ستانكوفيتش لاعباً دولياً مع منتخب يوغسلافيا، قبل الانتقال إلى نادي لازيو روما الإيطالي، حيث حقق مع نادي العاصمة الإيطالية لقب الكالتشيو في الموسم 1999/2000.
في يناير/كانون الثاني 2004، غادر ستانكوفيتش نادي لازيو روما منتقلاً إلى نادي إنتر ميلان، وفي هذا النادي كتب ستانكوفيتش فصلاً جديداً في فصول إبداعاته، بحيث فاز بالعديد من الألقاب أبرزها الثلاثية التاريخية مع جوزيه مورينيو سنة 2010.
في سنواته التسع التي لعبها ستانكوفيتش مع إنتر ميلان، سجل 42 هدفاً في 326 مباراة وفاز بـ5 ألقاب في الدوري الإيطالي، 4 كأس إيطاليا، 4 كأس السوبر الإيطالي، 1 دوري أبطال أوروبا وكأس العالم للأندية.
على المستوى الدولي، لعب ستانكوفيتش 103 مباريات دولية وسجل خلالها 15 هدفاً، 8 منها جاءت بقميص المنتخب اليوغسلافي بين عامي 1998 و2001، تلاها تسجيل 5 أهداف مع منتخب صربيا والجبل الأسود بين عامي 2003 و 2003. وآخرها تسجيل هدفين بقميص المنتخب الصربي في الفترة من 2006 حتى اعتزاله كرة القدم الدولية عام 2013.
كان ظهوره الأول دولياً مع منتخب يوغسلافيا ضد كوريا الجنوبية في عام 1998، واختتم مسيرته الدولية مع منتخب صربيا، وهو اللاعب الوحيد الذي مثّل 3 منتخبات في كأس العالم.
الظهور الأوّل لستانكوفيتش في كأس العالم مع منتخب يوغسلافيا
بعد أوّل استدعاء له لتمثيل منتخب بلاده يوغسلافيا في المباراة الودية أمام كوريا الجنوبية في 22 أبريل/نيسان 1998، أصبح ستانكوفيتش على موعد مع أوّل مشاركة مونديالية له مع منتخب يوغسلافيا الموحد بمونديال فرنسا 1998.
دخل ستانكوفيتش مونديال فرنسا برفقة منتخب بلاده يوغسلافيا في المجموعة السادسة برفقة منتخبات الولايات المتحدة وإيران وألمانيا.
كان ستانكوفيتش يبلغ من العمر 20 عاماً فقط في ذلك الوقت، وتمكّن من لعب 3 مباريات في دور المجموعات، منها مباراتان لعبهما أساسياً، ومباراة شارك فيها بديلاً، كما تحصل على تقييمٍ إجمالي بلغ 6.4 في مشاركته المونديالية الأولى، حسب تقييم موقع sofascore.
افتتح ستانكوفيتش مشواره في كأس العالم 1998، بفوزٍ أمام منتخب إيران بهدف لصفر، ثمّ التعادل مع منتخب ألمانيا القوي بنتيجة 2-2، قبل الفوز على أمريكا في المباراة الثالثة بهدف لصفر، وهي النتيجة التي جعلت يوغسلافيا تتأهل في المركز الثاني بفارق الأهداف عن منتخب ألمانيا، وجعلت يوغسلافيا في مواجهة هولندا في الدور الثاني، حيث أثّر غياب ستانكوفيتش على رفقائه، فخسروا المواجهة بنتيجة 2-1.
ستانكوفيتش يشارك مع منتخب صربيا والجبل الأسود في مونديال 2006
بعد المونديال، بلغت الاضطرابات السياسية ذروتها في يوغسلافيا، وأجبرت البلد على الانقسام، في 2001 تشكلت 5 دول مستقلة على أنقاض جمهورية يوغسلافيا، هي البوسنة والهرسك، كرواتيا، مقدونيا الشمالية، صربيا والجبل الأسود، سلوفينيا.
ستانكوفيتش، المولود في بلغراد، اختار صربيا والجبل الأسود موطناً جديداً له، وانضمّ منذ ذلك الحين إلى منتخب صربيا والجبل الأسود المشكّل حديثاً.
فشلت صربيا والجبل الأسود في بلوغ مونديال 2002 بكوريا الجنوبية واليابان، لكنها قطعت تذكرتها بنجاح إلى مونديال ألمانيا 2006، وهناك كان ستانكوفيتش على موعد مع المشاركة المونديالية الثانية له، لكن مع منتخب ثانٍ.
لم تكن هذه المشاركة في مستوى آمال ستانكوفيتش، فقد تلقى منتخب بلاده الذي وقع في مجموعة قوية تضمّ منتخبات ساحل العاج والأرجنتين وهولندا 3 هزائم.
استهلها بالهزيمة 1-0 أمام هولندا، ثم 6-0 أمام الأرجنتين، ثم 3-2 أمام منتخب ساحل العاج، ليتذيل ترتيب المجموعة الثالثة.
المشاركة الثالثة لستانكوفيتش في كأس العالم كانت مع منتخب صربيا
لم تتوقف الاضطرابات والتغيرات السياسية في صربيا والجبل الأسود، فبعد استفتاء جرى تنظيمه قبل شهر من انطلاق مونديال جنوب إفريقيا 2010، قرر شعب الجبل الأسود الانفصال عن صربيا.
أصبح ستانكوفيتش مرة أخرى مؤهلاً لتمثيل ثالث فريقٍ وطنيٍ مختلف في مسيرته، بحكم مولده في بلغراد اختار ستانكوفيتش صربيا وحدها.
مع صربيا، سافر ستانكوفيتش إلى جنوب إفريقيا من أجل تحقيق المفاجأة، ومع ذلك، وعلى الرغم من حصوله على رقمه القياسي الخاص كلاعب وحيد يمثّل ثلاثة منتخبات في كأس العالم، فإن حلمه في لعب الدور الثاني من المسابقة لم يتحقق.
فقد خرج فريقه من دور المجموعات مرة أخرى، بحيث خسرت صربيا ضد غانا بنتيجة 1-0، وأستراليا بنتيجة 2-1، رغم أنها تغلبت بشكل مفاجئ على ألمانيا بنتيجة 1-0.
وعلى الرغم من مشاركاته في 3 نسخ من كأس العالم مع 3 منتخبات مختلفة، لم يلعب ستانكوفيتش أية مباراة في دوري خروج المغلوب.