لم يكتب ياسين بونو، حارس نادي إشبيلية، اسمه في تاريخ الدوري الإسباني وحسب، بل في تاريخ المغرب كذلك؛ بعدما ساهم في تأهل "أسود الأطلس" إلى كأس العالم للمرة الثانية على التوالي بعد مونديال روسيا 2018.
ولياسين بونو دورٌ رئيسي في تأهل بلاده أيضاً إلى نصف نهائيات كأس العالم 2022، للمرة الأولى في تاريخ المنتخب المغربي ومنتخبات قارة إفريقيا والدول العربية عموماً، بمنعه العديد من الفرص الخطرة من دخول مرماه في مبارتَي إسبانيا والبرتغال، وتصدّيه لركلتَي جزاء أمام الأول.
وحتى الآن، لم تهتز شباك بونو إلا مرة واحدة في مونديال قطر، خلال مباريات منتخب المغرب الأربع، اثنتان منها في دور المجموعات، ومثلهما في الأدوار الإقصائية.
ولكن قبل صعود نجم بونو، كان هناك حارس مرمى أسطوري بالنسبة إلى المغرب، وهو بادو الزاكي الذي تألق بشكلٍ لافت خلال مونديال المكسيك 1986. فقاد منتخب بلاده للتأهل إلى الدور 16، ونال على أثره جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعبٍ إفريقي، وعقداً احترافياً مع نادي مايوركا الإسباني.
لكن قبل ذلك، نشأ بادو الزاكي في مدينة سلا المغربية؛ حيث انتقلت عائلته، بعد ولادته بمدينة سيدي قاسم في أبريل/نيسان 1959. وفي صفوف نادي جمعية سلا، بدأ يمارس رياضة كرة القدم، وبرع في دوره كحارس مرمى.
الانضمام إلى الوداد البيضاوي ثم منتخب المغرب
كان الفتى يتمتع ببنية قوية سمحت له باللعب ضمن صفوف الفريق الأول لجمعية سلا، وهو لم يتجاوز بعد الـ17 من عمره، ما لفت انتباه مسؤولي الأندية المغربية الكبرى.
فأبدى وداد الدار البيضاء رغبةً كبيرة ومُلحّة لضمّه إلى صفوفه حين بلغ الـ18، ولكن تلك الرغبة اصطدمت برفضٍ قاطع من والدة بادو الزاكي. لم توافق الأم على تخلّي ابنها عن دراسته، والرحيل عن مدينة سلا.
ووفقاً لموقع Afrik Foot، فقد تطلب الأمر تدخل عمّ بادو الزاكي -الذي يعيش في الدار البيضاء- ليقنع الوالدة أن تسمح لنجلها بقبول العرض، مانحاً إياها ضمانات برعايته طوال فترة تواجده في الدار.
انضمّ الزاكي رسمياً إلى نادي وداد الدار البيضاء في العام 1978، ولعب 8 مواسم كاملة ضمن صفوفه، تُوّج خلالها بألقابٍ محلية مختلفة؛ كالدوري المغربي في سنتي 1978 و1986، وكأس العرش في 1979 و1981 .
وبعد عامٍ واحد فقط من التحاقه بنادي الوداد البيضاوي، انضمّ الزاكي إلى تشكيلة "أسود الأطلس"، وخاض مباراته الدولية الأولى يوم 21 سبتمبر/أيلول 1979 أمام منتخب اليونان (1-1)، ضمن دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي جرت في يوغوسلافيا.
وسرعان ما فرض بادو الزاكي نفسه ضمن التشكيلة الأساسية للمنتخب المغربي، فتألق بشكلٍ لافت خلال نهائيات كأس أمم إفريقيا التي أُقيمت بنيجيريا في مارس/آذار 1980، وساهم بشكلٍ كبير في نيل المغرب المركز الثالث بالبطولة.
وواصل بروزه مع منتخب بلاده؛ فتُوّج رفقته بالميدالية الذهبية لدورة الألعاب المتوسطية التي جرت بالمغرب عام 1983، ثم تأهل معه إلى أولمبياد لوس أنجلوس 1984، بعدما تجاوز منتخب نيجيريا في الدور الأخير للتصفيات الإفريقية.
مشاركة تاريخية في مونديال المكسيك 1986
يُمكن القول إن مشاركة بادو الزاكي في نهائيات مونديال المكسيك 1986 لا تزال خالدة في أذهان الجماهير الرياضية المغربية.
فبعد مشوارٍ مميز في التصفيات الإفريقية، لم تتلقَ خلالها شباك مرماه أي هدفٍ خلال المواجهات التي خاضها أمام منتخبات سيراليون ومالاوي ومصر، واصل الزاكي تألقه في الدورة النهائية.
فكان مساهماً أساسياً في تأهل منتخب المغرب إلى الدور 16 من المونديال، للمرة الأولى في تاريخ المشاركات الإفريقية والعربية، ضمن نهائيات كأس العالم.
فخلال الدور الأول من مونديال المكسيك، تصدرت المغرب مجموعتها بفضل فوزٍ واحدٍ على البرتغال (3-1) وتعادلين سلبيّين أمام بولندا وإنجلترا، حين برع الزاكي في الدفاع عن مرماه بفضل حسن تمركزه وتصدياته الخارقة.
كان بادو الزاكي قائداً لمنتخب المغرب خلال ذلك المونديال التاريخي، الذي خرج منه في الدور 16 بعدما هُزم أمام منتخب ألمانيا الغربية، بهدفٍ يتيم سجّله لوثر ماتيوس في الدقيقة 87 من المباراة.
وبسبب تألقه في المونديال، حصد جائزة "الكرة الذهبية" لأفضل لاعبٍ في إفريقيا، كما نال عقداً احترافياً مع نادي مايوركا الإسباني وانضمّ إليه بمجرد اختتام المونديال.
مسيرة احترافية في الدوري الإسباني
ترك الزاكي بصمته في تاريخ نادي مايوركا، الذي دافع عن ألوانه طوال 6 مواسم كاملة، فقاده إلى نهائي مسابقة كأس ملك إسبانيا عام 1991، حين هُزم أمام أتلتيكو مدريد بنتيجة (0-1).
وخلال فترة لعبه مع مايوركا، نال جائزة "زامورا" لأفضل حارس مرمى في دوري الدرجة الثانية الإسبانية لسنة 1989، كما تُوّج بجائزة أفضل حارس مرمى في دوري الدرجة الأولى الإسبانية لعام 1990، من قِبل قناة TVE الإسبانية.
ولعلّ أفضل جائزة تحصل عليها بادو الزاكي هي الاحترام والتقدير الكبيرين، اللذين لا يزال يلقاهما في جزيرة مايوركا، فهو لا يزال حاضراً في المناسبات الاحتفالية التاريخية للنادي. كما أنّ جماهير النادي نحتوا تمثالاً صغيراً له سنة 1991، وُضع داخل متحف مايوركا.
وبعد انتهاء مشواره الاحترافي مع النادي في العام 1992، عاد بادو الزاكي إلى المغرب، فحمل ألوان نادي الفتح الرباطي في موسم 1992-1993، قبل أن يعتزل اللعب نهائياً في صيف 1993.
وقد جاء قرار الاعتزال بعدما كان قد اعتزل دولياً في يناير/كانون الثاني 1992 بالعاصمة السنغالية داكار، عندما خاض مباراته الأخيرة مع منتخب المغرب أمام الكاميرون، ضمن نهائيات كأس أمم إفريقيا.
بادو الزاكي مدرباً لمنتخب المغرب
لم يبتعد الزاكي عن ميادين كرة القدم بعد اعتزاله اللعب، فقد تحوّل إلى التدريب وأشرف على الإدارة الفنية للعديد من الأندية المغربية، أبرزها: الفتح الرباطي، والوداد البيضاوي، وجمعية سلا، وشباب المحمدية، واتحاد طنجة وغيرها.
أبرز الإنجازات التي حققها كان مع وداد الدار البيضاء، الذي نال رفقته لقب كأس العرش سنة 1998، ومركز الوصافة للدوري المغربي في العام 2000، وبلوغ نهائي مسابقتَي كأس الكونفدرالية الإفريقية سنة 1999 ودوري أبطال العرب عام 2009.
بين عامَي 2002 و2006، حظيَ بادو الزاكي بفرصة تدريب منتخب المغرب في فترتين، الأولى من 2002 إلى 2006، ثم عاود الكرة من 2014 إلى 2016.
في تجربته الأولى، نجح في تكوين منتخبٍ شاب وساهم بتأهله للمشاركة في نهائيات كأس أمم إفريقيا التي أُقيمت عام 2004 في تونس، من دون تلقي أي هزيمة.
وقدم منتخب المغرب بقيادة المدرب بادو زاكي أداءً راقياً خلال "كان 2004″، ووصل إلى الدور النهائي للبطولة، قبل أن يُهزم أمام تونس بنتيجة هدفين لواحد.
وقد شاءت الصدف أن يتواجد المغرب مع تونس في المجموعة نفسها ضمن التصفيات الإفريقية النهائية لمونديال ألمانيا 2006، فالتقى المنتخبان في الجولة الأخيرة بملعب "رادس" التونسي يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول 2005.
حينها، كانت تونس بحاجة إلى نقطة تعادل فقط لضمان تأهلها إلى نهائيات كأس العالم، بينما كان "أسود الأطلس" مُطالبين بالفوز للظفر بتأشيرة التأهل. وتقدّم المنتخب المغربي خلال المباراة حتى اللحظات الأخيرة، قبل أن يسجّل "نسور قرطاج" هدفهم الثاني ويعادلون النتيجة (2-2)، فيكسبون بطاقة التأهل إلى المونديال.
قدّم بادو الزاكي استقالته من تدريب المنتخب، بعد تلك الخسارة، وقَبِلَها الاتحاد المغربي لكرة القدم من دون تردد؛ قبل أن يعيّنه مدرباً مرة أخرى في العام 2014، من أجل قيادة المنتخب إلى نهائيات مسابقتي كأس أمم إفريقيا 2017 وكأس العالم 2018.
وبعد 20 شهراً من العمل، لم تكن خلالها نتائج المنتخب جيّدة، تخلى اتحاد الكرة عن خدمات الزاكي في شهر فبراير/شباط 2016.
نجح في الدوري الجزائري
يُعتبر بادو الزاكي، رفقة رشيد الطاوسي، من المدرّبين المغاربة القلائل الذين نجحوا في الدوري الجزائري لكرة القدم.
وقد خاض تجربة رائعة مع نادي شباب بلوزداد في موسم 2016-2017، حين تُوّج معه بكأس الجزائر بعدما كان النادي مهدّداً بالسقوط إلى الدرجة الثانية قبل مجيء الزاكي.
وقد حظي بادو الزاكي خلال فترة تواجده في الجزائر، بالعديد من التكريمات من المجتمع المدني والهيئات الرياضية الجزائرية، كما نال جائزة أفضل مدرب في الجزائر لعام 2017 التي تمنحها جريدة "الهداف" الرياضية.