يقول السكان في كوربي إيسون، إحدى ضواحي جنوب باريس، حيث بدأ مدرب المغرب وليد الركراكي لعب كرة القدم، إن "قلوبهم متأرجحة" ويشعرون أنهم "بين نارين"، إذ إن المباراة المقررة، الأربعاء 14 ديسمبر/كانون الأول 2022، ستخلط الولاءات الرياضية.
وسيجد زملاء الفريق الواحد والأصدقاء بعضهم وجهاً لوجه على أرض الملعب، بما في ذلك مبابي وأشرف حكيمي اللذان يلعبان في باريس سان جيرمان. كما لعب الركراكي إلى جانب مهاجم فرنسا أوليفييه جيرو في نادي جرونوبل عام 2008.
بدوره، يشعر هشام الصيادي بأنه منقسم بين ولاءاته قبل المباراة المرتقبة بين المغرب وفرنسا في الدور قبل النهائي لكأس العالم لكرة القدم.
وقف الشاب البالغ من العمر 29 عاماً مرتدياً بدلة رياضية لنادي باريس سان جيرمان في منشأة رياضية محلية في إحدى ضواحي جنوب باريس، حيث بدأ مدرب المغرب وليد الركراكي لعب كرة القدم. وقال إنه في النهاية سيدعم المغرب.
وتابع الصيادي وهو فرنسي جزائري: "(الركراكي) من منطقة قريبة، لعب حيث نلعب. المغرب أيضاً فريق إفريقي.. الأمر تاريخي" ومضى يقول: "يقتلني شعور أن أشجع فريقاً يلعب ضد كيليان مبابي".
وبدأ الركراكي (47 عاماً)، الذي اختير مدرباً للمنتخب المغربي هذا العام، رحلته الكروية في كوربي إيسون التي تبعد أقل من 30 كيلومتراً عن العاصمة الفرنسية، حيث نشأ.
ولعب بشكل أساسي لصالح أندية فرنسية، من بينها أجاكسيو وديجون وجرونوبل، فضلاً عن اللعب للمغرب من 2001 إلى 2009.
وفي مونديال قطر، تغلب المغرب على بلجيكا ليتصدر مجموعته، قبل أن يهزم إسبانيا والبرتغال ليصبح أول فريق إفريقي وعربي يصل إلى دور الأربعة في بطولة كأس العالم.
من جانب آخر، لا تخلو رحلة المغرب من شعور بتعويض مظالم تاريخية، إذ تمكن فريقه من إقصاء قوى استعمارية سابقة من البطولة.
فقد تمكن الفريق من هزيمة إسبانيا، التي استعمرت جزءاً من البلاد في القرن العشرين، وما زالت تسيطر على جيبي سبتة ومليلية. وها هو يستعد لمقابلة فرنسا التي استعمرت المغرب حتى عام 1956.
لكن الركراكي واصل التركيز على الرياضة في مؤتمر صحفي في قطر، اليوم الثلاثاء عشية المباراة. وقال: "أنا مزدوج الجنسية. إنه من دواعي الشرف والسعادة أن ألعب ضد فرنسا، لكنها مجرد كرة قدم.. أنا هنا كمدرب كرة قدم وما يهمني هو الفوز".
"لم يستسلم"
من يعرفون الركراكي منذ كان طفلاً في كوربي إيسون يقولون إنه كان يلعب كرة القدم دوماً، ورغم أنه لم يكن الأفضل بين أقرانه فقد كان الأكثر إصراراً.
وعندما بدأ لعب كرة القدم بشكل احترافي مع أجاكسيو وديجون كان الركراكي يأخذ بعض الفتيان من الحي إلى الأندية، وكان من بينهم الصيادي عندما كان عمره 14 عاماً تقريباً.
وواصل الركراكي هذا التقليد في قطر، إذ قام بنقل والدته وعدد قليل من أصدقائه المقربين إلى الدوحة.
ويرى موسى جني (20 عاماً) وهو مستكشف للمواهب الكروية أن فوز المغرب سيعزز الثقة لدى شبان المنطقة للسعي لتحقيق طموحاتهم.
ويوضح: "هناك كلمات مزعجة تتكرر عن الأحياء (مثل حينا)، يتم الحديث عنها بشكل سيئ في معظم الأحيان، والآن من الجيد التحدث عن النجاح، كما هو الحال بالنسبة لوليد".
"يمكننا الجمع بين الأشياء"
مع تزايد قوة اليمين المتطرف في فرنسا، أصبحت قضية الهوية نقطة خلاف سياسية. وتقول ريم- سارة علوان، الباحثة القانونية بشأن التمييز والحريات المدنية في جامعة تولوز إن مباراة المغرب وفرنسا تحولت إلى "اختبار للولاء" للمواطنين الفرنسيين من أصول مهاجرة.
وتضيف لـ"رويترز" أن السياسيين اليمينيين "لا يتقبلون أن فرنسا قد تغيرت وأن هناك جيلاً جديداً يؤمن بهوياته المتعددة".
وبعد فوز فرنسا والمغرب في دور الثمانية، قال السياسي اليميني المتطرف إريك زمور الذي حصل على 7% من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية هذا العام: "لا يمكن للمرء أن يدعم الفريقين" في وقت واحد.
ولا يرى فيصل عشوش (20 عاماً) ويعمل نادلاً، أي تناقض. ويقول إنه دعم فرنسا في الكثير من البطولات، ويرغب الآن في تشجيع بلده الآخر المغرب.
ويوضح: "أعرف بالفعل شعور فوز فرنسا، والمغرب الآن في المونديال، يمكننا أن نجمع بين الأشياء".