يحاول ديديه ديشان، مدرّب المنتخب الفرنسي، أن يدخل بوابة تاريخ كأس العالم بقيادته الديوك الفرنسية للحفاظ على تاجها العالمي في مونديال قطر 2022، وذلك بعد نجاحه في قيادتها إلى الدور ربع النهائي حتى الآن، إذ لم يتبق له سوى الفوز بثلاث مباريات ليحقق هذا الإنجاز، ويصبح ثاني مدرب يحقق هذا الإنجاز، فلا يزال المدرب الأسطوري لمنتخب إيطاليا فيتوريو بوزو الوحيد الذي حقق كأس العالم مرتين.
وحتى اللحظة، تمكنت دولتان فقط من الفوز بكأس العالم مرّتين متتاليين، إيطاليا في عامي 1934 و1938، والبرازيل في عامي 1958 و1962، ولكن مع تغيير منصب مدرب السيليساو بين التتويجين البرازيليين، يقف فيتوريو بوزو مدرب منتخب الأزوري السابق بمفرده وحيداً حتى الآن الذي يحقق الكأس مرتين.
ونجح فيتوريو بوزو في فترة أربع سنوات تاريخية ممتدة من سنة 1934 و1938 في قيادة منتخب الأزوري إلى التتويج بكأس العالم مرتين متتاليتين كإنجاز غير مسبوقٍ حتى اللحظة لمدرب واحد، إضافة إلى التتويج بالميدالية الذهبية الأولمبية في أولمبياد 1936 بألمانيا، ما جعل فيتوريو بوزو نفسه أحد أعظم الشخصيات التدريبية في تاريخ كرة القدم.
وصار يلقّب بـ Il Vecchio Maestro (المعلم القديم) في دوائر التدريب، كان فيتوريو بوزو عرّاب ومكتشف الخطة التكتيكية الشهيرة التي كانت تسمى حينها باسم "ميتودو"، والتي كانت تعتمد الرسم التكتيكي 2-3-2-3 ثم طوّرها إلى 2-3-5، قبل أن تتحوّل إلى تكتيك 4-3-3 المشهور اليوم، والذي يطبقه أقوى المدربين والفرق.
فيتوريو بوزو المدرّب الذي قاد إيطاليا إلى التتويج بكأس العالم
وُلد فيتوريو بوزو في تورينو عام 1886، واكتشف عالم كرة القدم عندما كان طالباً في إنجلترا، هناك لعب كرة القدم لأوّل مرّة، واحترف في سويسرا مع فريق Grasshoppers Zurich.
عند عودته إلى إيطاليا، ساعد بوزو في تأسيس نادي إف سي تورينو الإيطالي، ولعب معه حتى عام 1911، قبل أن يلج مجال التدريب.
كان لفترة وجيزة مدرباً لإيطاليا، وبعد قيادة الفريق الإيطالي إلى أولمبياد 1912 و1924 في استوكهولم وباريس، حيث فازت إيطاليا بالميدالية البرونزية كأوّل تتويج لكرة القدم الإيطالية بباريس، لكنه استقال بعد أن هزمت النمسا إيطاليا 5-1.
بعدها ابتعد بوزو عن كرة القدم قليلاً إذ اشتغل في شركة Pirelli للعجلات بميلانو، وفي تورينو، كان بوزو يعمل بصفته صحفياً في صحيفة La Stampa الإيطالية.
عاد لتدريب المنتخب الإيطالي في عام 1929، ليكتب ملحمة جديدة في تاريخ الكرة القدم الإيطالية.
منذ ذلك الوقت، أصبح فيتوريو بوزو العقل المدبر لصعود إيطاليا للهيمنة على كرة القدم الأوروبية والعالمية، في عام 1930 تغلبت إيطاليا على "Wunder Team" النمساوي لتفوز بكأس أوروبا.
في عام 1934، استضافت إيطاليا النسخة الثانية من كأس العالم، وكان فيتوريو بوزو مدّرب الأزوري، بدأ أصحاب الأرض طريقهم للقب بشكل جيد بعد انتصارات سهلة على اليونان 4-0 في التصفيات والولايات المتحدة الأمريكية 7-1 في الدور الأول، لكن مباراة ربع نهائي كانت صعبة، ولم تحسم رغم تمديدها إلى 120 دقيقة وانتهت بالتعادل 1-1.
لم تكن هناك ضربات الترجيح لحسم المتأهل، لذلك تم طلب إعادة في اليوم التالي،على الرغم من كون أربعة لاعبين إيطاليين وسبعة إسبان غير مؤهلين للعب في تلك المباراة، بمن فيهم حارس المرمى الإسباني ريكاردو زامورا والظهير الأيمن الأسطوري جوزيبي مياتزا، إلا أن المدربين أشركوا نفس اللاعبين في المقابلة، وسجّل جوزيبي مياتزا الهدف الوحيد لإيطاليا في مباراة الإعادة التي حملت بوزو وفريقه إلى المربع الذهبي.
كانت مباراة نصف نهائي لا تقلّ صعوبة ضد المرشحة الأولى للظفر بالبطولة، وهو المنتخب الذهبي للنمسا.
على أرضية موحلة، كان الشيء الوحيد الذي فصل في نتيجة المباراة، تسديدة اللاعب الإيطالي إنريكو غوايتا في الدقيقة الـ19 استقرت في الشباك النمساوية، ليتفوق فيتوريو بوزو على صديقه هوغو ميسل المدرب الأسطوري للنمسا.
في المباراة النهائية، واجه بوزو فريق تشيكوسلوفاكيا، الذي تقدّم في النتيجة بالدقيقة 76، وكان في طريقه للفوز بالكأس، لكنّ فيتوريو بوزو نجح في قلب النتيجة عبر براعته التدريبية.
عدّل رايموندو أورسي النتيجة في 81، وفي الوقت الإضافي أضاف زميله أنجيلو سكيافينو الهدف الثاني في الدقيقة 95 لتتوّج إيطاليا بأوّل ألقابها في كأس العالم.
وسط الابتهاج الكبير للإيطاليين، كان فيتوريو بوزو بلا شك منتشياً وفرحاً أيضاً، ومع ذلك، على الرغم من حصوله على لقب Commendatore بعد ذلك الحدث، أوضح Pozzo أنه لا يزال لديه الكثير ليفعله لتشكيل الفريق الذي يريده.
وفي عام 1936 فازت إيطاليا بالميدالية الذهبية في أولمبياد برلين، تحت قيادة بوزو.
فيتوريو بوزو المدرب الوحيد الذي فاز بكأس العالم مرتين متتاليتين
بعد حصوله على ميدالية ذهبية أولمبية تاريخية في أولمبياد 1936، كان فيتوريو بوزو وإيطاليا من بين المرشحين المفضلين في نسخة عام 1938، من كأس العالم، ومع ذلك، كان الفريق الذي اختاره فيتوريو بوزو للمشاركة في كأس العالم التي تحتضنها الملاعب الفرنسية مختلفاً تماماً عن الفريق الذي توّج باللقب قبل أربع سنوات.
بحيث كان هذا الفريق أكثر دقة وسرعة من فريق 1934، ولم يُبقِ بوزو سوى على لاعبين اثنين من الفريق المتوّج بكأس العالم في إيطاليا 1934، هما الكابتن جوزيبي مياتزا والمهاجم جيوفاني فيراري.
نجح فيتوريو بوزو في خلق تفاهم مثالي بين المهاجم سيلفيو بيولا والجناح جينو كولاوسي، بحيث ساهم الثنائي في تسجيل خمسة وأربعة أهداف على التوالي في كأس العالم.
جاءت أصعب مباراة لإيطاليا في نهائيات 1938 في الدور الأول ضد فريق نرويجي قوي، مع ذلك تمكن بيولا من تحقيق هدف الفوز في الوقت الإضافي، وقام فيتوريو بوزو بتعديل الفريق في مباراة الدور الثاني الشاقة مع فرنسا في باريس.
كالعادة، قام المايسترو بتكتيكات صحيحة، وسجل بيولا ثنائية أسفرت عن توديع أصحاب الأرض البطولة من دورٍ مبكرٍ.
في الدور نصف النهائي، كان المدرب البرازيلي اديمار بيمنتا متأكداً من سهولة مهمته ضد إيطاليا، بسبب القوة الهجومية الرهيبة التي كان يمتلكها السامبا المتمثلة في الثنائي ليونيداس وتيم.
لكن فيتوريو بوزو فاجأ البرازيليين بخطته، وفازت إيطاليا بنتيجة 2-1.
في المباراة النهائية، نجح فيتوريو بوزو في كسب الرهان على منتخب المجر، بفضل ثنائية نجميه لويجي كولاوسي سيلفيو بيولا، لتنتهي المباراة بنتيجة 4-2.
بذلك الإنجاز دخل فيتوريو بوزو وفريقه في سجلات الأرقام القياسية كأول من دافع بنجاح عن كأس العالم لكرة القدم، وكذلك أوّل من يفوز بها على أرض أجنبية.
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، لم يحصل فيتوريو بوزو ورجاله على فرصة للدفاع عن مسيرتهم في نهائيات كأس العالم FIFA، حيث لن يكون هناك نهائيات أخرى لمدة 12 عاماً، وحدها البرازيل من نجحت في الوصول إلى أحد أرقام منتخب إيطاليا ومدربها الأسطوري بوزو وكان ذلك بعد 24 عاماً من إنجاز المدرّب الإيطالي.
قربه من موسوليني كلّفه نهاية مبكرة في عالم التدريب
كان فيتوريو بوزو مدرباً أسطورياً لمنتخب إيطاليا في الفترة ما بين الحربين العالميتين، جنبًا إلى جنب مع رجال مثل هوغو ميسل وهربرت تشابمان.
لكن الفترة التي كان يشرف فيها فيتوريو بوزو على مقاعد بدلاء الأزوري كانت قيادة بوزو، والتي سيطرت فيها إيطاليا على كرة القدم الدولية، تزامنت مع قيادة ديكتاتورية بينيتو موسوليني لإيطاليا، فطالته الاتهامات بالقرب من الفاشية، منها إتهام فيتوريو بوزو بالتعاون بشكل وثيق مع القادة السياسيين الفاشيين مثل أخيل ستاراس.
كما شابت إنجازاته بعض الشبهات السياسية، بعد أن روّجت أساطير حول تدخل موسوليني في الفريق الإيطالي، مثل الرواية التي تفيد بأن موسوليني أرسل برقية إلى الفريق عشية المباراة النهائية يقول فيها "اربح أو مت".
كما أن بوزو مُنع من كرة القدم الإيطالية بسبب ارتباطه بالحكومة الفاشية التي أطيح بها بعد الحرب العالمية الثانية لتنتهي مسيرته مبكراً.
قرّر بعدها فيتوريو بوزو العودة إلى مهنة الصحافة بعد منعه من التدريب ومواصلة إنجازاته، ليعمل في نفس الصحيفة التي اشتغل بها شاباً وهي صحيفة La Stampa، حيث كان يغطي أخبار المنتخب الإيطالي حتى وفاته في ديسمبر/كانون الأول 1968 عن عمر يناهز 82 عاماً.