نجح منتخب المغرب في تحقيق انتصارٍ تاريخيٍّ على منتخب إسبانيا في الدور الـ16 من بطولة كأس العالم المقامة في دولة قطر، ليصبح أول منتخب عربي على الإطلاق يصل إلى ربع نهائي المونديال.
انتصار المغرب التاريخي جاء، بعد فوزه بنتيجة 3-0 في ركلات الترجيح عقب تعادل الفريقين دون أهداف، بعد وقت إضافي في استاد المدينة التعليمية، ليصبح المنتخب المغربي أيضاً أول فريق إفريقي يصل هذه المرحلة في كأس العالم منذ إنجاز منتخب غانا في نهائيات جنوب إفريقيا 2010.
وقبل الفرحة المغربية والتي قابلتها صدمة إسبانية، كانت ركلات الترجيح منذ ظهورها حلاً للفصل في المباريات التي تنتهي بالتعادل، أكثر اللحظات إثارة في اللعبة، فخلالها تحبس أنفاس اللاعبين والجماهير، وبعدها تنهمر دموع الفرح أو الحسرة على حسب النتيجة.
قال عنها الرئيس السابق لـ FIFA جوزيف بلاتر: "عندما تذهب إلى وقت إضافي، فإننا نتحدث عن الدراما.. لكن عندما نصل إلى ركلات الترجيح، فإنها مأساة"، فكيف ظهرت ركلات الترجيح في عالم كرة القدم؟
اخترعها الألمان وشهدت معارضة كبيرة قبل اعتمادها
رغم أنّ ظهور ركلات الجزاء منذ وقتٍ مبكرّ لاختراع اللعبة الأكثر شعبية في العالم، فإنّه طوال العقود الأولى لكرة القدم كانت مسألة حسم الفائز في المباريات التي تنتهي بالتعادل مثار جدلٍ كبير، فكانت تلك المباريات التي انتهت بالتعادل إمّأ يعاد إجراؤها في وقت لاحق، أو يتمّ تحديد الفائز فيها من خلال القرعة أو يانصيب، إذا لم يكن أي من هذين الخيارين ممكناً، فكان يلجأ الحكم إلى رمي قطعة نقود.
كانت هذه الطريقة الأخيرة هي الحافز وراء اختراع ركلات الترجيح من قبل عامل سابق بالمناجم يدعى "كارل فالد" من مدينة فرانكفورت الألمانية، حيث كان حكماً سابقاً، ودفعته واقعة وقوف قطعة العملة مستقيمة أثناء إجراء عملية القرعة لتحديد الفائز في مباراة ناديي ليفربول الإنجليزي مع كولونيا الألماني في دور الثمانية لبطولة كأس أوروبا للأندية في عام 1965، إلى التفكير بطريقة رياضية أفضل، ليخترع فكرة ركلات الجزاء.
وواجه "فالد" معارضة شديدة لفكرته الخاصة بضربات الترجيح وذلك في بداية طرح الفكرة، فقد رفض الاتحاد الألماني لكرة القدم، هذه الفكرة لدى طرحها في عام 1970، ولم يوافق على الفكرة إلا بعد موافقة معظم مندوبي الاتحادات المتفرعة منه، وبعدها سار الاتحاد الألماني على نفس النهج ثم اتبع الاتحاد الأوروبي "يويفا" نفس القاعدة وأخيراً الاتحاد الدولي للعبة "فيفا" بداية من عام 1976، على الرغم من حقيقة أن مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم "لم يكن راضياً تماماً"عن الفكرة.
وكانت أول بطولة كبيرة تحسم بضربات الترجيح هي بطولة كأس الأمم الأوروبية عام 1976، عندما خسر المنتخب الألماني أمام نظيره التشيكوسلوفاكي، عندما أطاح الألماني أولي هونيس بالكرة في سماء بلجراد، وبعدها سجل أنطونين بانينكا لاعب منتخب تشيكوسلوفاكيا هدف الفوز، ليكتب اسمه في التاريخ لطريقته المميزة في تسديد ركلات الجزاء، والتي تحمل اسمه حتى هذه اللحظة، والمفارقة أنّ آخر ركلة تريجية نفّدت إلى الآن كانت بأقدام الظهير الأيمن المغربي أشرف حكيمي بالطريقة ذاتها التي نفّذ بها بانينكا تسديدته الشهيرة.
إحصائيات ركلات الترجيح في كأس العالم
احتدمت مبارايات كأس العالم 32 مرّةً لركلات الترجيح، أولها كان مونديال إسبانيا 1982، وبالضبط في 8 يونيو/حزيران 1982، عندما أقصيت فرنسا على يد ألمانيا الغربية 5-4، في الدور نصف النهائي في مباراة تألق فيها الحارس الألماني شوماخر، أمّا آخر مرة شهدت فيها مباراة في كأس العالم ركلات الترجيح حتى الآن، فهي المقابلة التي كتب فيها أسود الأطلس التاريخ بعد فوزه على إسبانيا 3-0 في الدور ثمن النهائي من كأس العالم قطر 2022.
وشهدت أربع بطولات لكأس العالم ما يصل إلى أربع ركلات ترجيح، في أعوام 1990، 2006، 2014 و2018، بينما احتدمت مباراتان حتى اللحظة في مونديال قطر 2022 إلى ركلات الترجيح، وكانت كأس العالم الوحيدة بدون ركلات الحظ الترجيحية في عام 1978.
وشاركت الأرجنتين في أكبر عدد من ركلات الترجيح في تاريخ المونديال، حيث خاضت خمس ركلات ترجيح في أربع بطولات، ربع نهائي ونصف نهائي عام 1990، ودور الـ16 عام 1998، ودور ربع نهائي 2006، ودور نصف نهائي نسخة 2014.
وكانت ألمانيا أكثر المنتخبات التي استفادت من ركلات الترجيح، إذ يعدّ منتخب المانشافت الوحيد الذي فاز بكلّ ضرباته الترجيحية باستثناء الأولى التي خسرها أمام تشيكوسلوفاكيا، ففازت ألمانيا بركلات الترجيح ضد فرنسا في نصف النهائي 1982، وأعقبتها انتصارات ضد المكسيك في 1986 (ربع النهائي)، وإنجلترا عام 1990 (نصف النهائي)، والأرجنتين عام 2006 (ربع النهائي).
أمّا منتخب إنجلترا فكان أكثر ضحية لركلات الترجيح بحيث خسرت جميعها، في عام 1990 في الدور نصف النهائي أمام ألمانيا الغربية، وفي عام 1998 في دور الـ16 أمام الأرجنتين وفي عام 2006 أمام البرتغال في ربع النهائي.
وحسمت ضربات الترجيح لقب كأس العالم في بطولتي 1994 و2006 حيث فاز المنتخب البرازيلي على نظيره الإيطالي في عام 1994 ثم فازت إيطاليا على فرنسا في نهائي 2006.
بونو يصبح أكثر الحراس تصدياً في كأس العالم
كما تم تسجيل أطول سلسلة ركلات ترجيح في كأس العالم، في المباراة التي فازت بها ألمانيا على فرنسا في نصف نهائي مونديال إسبانيا 1982، بسلسلة بلغت 12 ركلة ترجيحية.
ودخل الحارس المغربي ياسين بونو إلى تاريخ ركلات الترجيح بكأس العالم بعد أن صار ثاني حارس يصد ثلاث ركلات ترجيح بتصدياته مع منتخب بلاده المغرب ضد إسبانيا في الدور الـ16 من كأس العالم قطر 2022، بعد حارس مرمى البرتغال ريكاردو الذي تصدى لثلاث ركلات ترجيح ضد منتخب إنجلترا في كأس العالم 2006.
وبقيت صورة النجم الإيطالي روبرتو باجيو وهو يضيّع ركلة الترجيحية الأخيرة لمنتخب بلاده راسخةً في الأذهان، فقد تسببت في خسارة إيطاليا للقب 1994 بأمريكا، حيث ضيع باجيو ركلة الجزاء الأخيرة مهدياً اللقب لدونغا وزملائه في منتخب "السامبا".