في مباراة منتخبي سويسرا وصربيا، ضمن الجولة الثالثة من مرحلة المجموعات، قدّم نجم نادي آرسنال جرانيت تشاكا أداءً مميّزاً، حقّق من خلاله جائزة رجل المقابلة، وذلك بعد مساهمته في انتصار فريقه السويسري على منافسه الصربي، والتي جعلت سويسرا تضمن المركز الثاني في المجموعة السابعة، وتتأهل إلى مباراة دور الـ16 لملاقاة منتخب البرتغال.
في احتفالات ما بعد المباراة، ارتدى تشاكا قميصاً لمنتخب بلاده يحمل الرقم 26 واسم "يشاري"، أثار به الجدل، وأغضب صربيا، ورداً على سؤال بعد ذلك عما يعنيه ذلك، قال لاعب خط وسط سويسرا أن الأمر يتعلق بلاعب منتخب بلاده أردون يشاري.
قال تشاكا: "لا يوجد تفكير سياسي وراءه على الإطلاق. أردون هو فتى أحبه حقاً، وأقضي معه الكثير من الوقت كل يوم، في سنه كنت تقريباً بقدر ما كان، وقد حصل على الكثير من النصائح مني، لقد وعدته أنني إذا سجلت هدفاً أو فزنا، فسأرتدي قميصه".
وعلى الرغم من إنكار تشاكا أي تأويل سياسي لاحتفاله، ظهرت التفسيرات الأولية لهذا الاحتفال.
إذ رُبط احتفال شاكا مباشرة بالبطل الشعبي الكوسوفي آدم يشاري، خصوصاً أنّ تشاكا، ذا الأصول الألبانية، مرتبطٌ بكوسوفو، التي أعلنت استقلالها عام 2008، ولكن لم تعترف بها صربيا، فقد كان والداه الألبان في الأصل من كورشومليا الصربية.
عانت عائلة جرانيت تشاكا من جرائم الصرب خلال الحرب اليوغوسلافية في ثمانينيات القرن الماضي، إذ تم القبض على والده رجب خلال مظاهرة، فيما كان يعرف آنذاك يوغوسلافيا، واتهم بالتمرد على الدولة، ليتم سجنه وتعذيبه لمدة 6 أشهر، وعندما تم الإفراج عنه، هرب إلى سويسرا، حيث وُلد جرانيت عام 1992.
من هو آدم يشاري، الذي احتفل جرانيت تشاكا باسمه؟
وُلد آدم يشاري في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1955 في قرية بريكاز الواقعة وسط كوسوفو، لعائلة مسلمة ثرية تنحدر من ألبان كوسوفو.
عمل يشاري مزارعاً في مزرعة عائلته الكبيرة، وعندما اندلعت الانتفاضة المسلحة ضد السلطات الصربية في كوسوفو عام 1991 كان آدم يشاري من أوائل المنضمين لها.
خلال تلك الفترة، ظهرت لأول مرة منظمة "ألبان كوسوفو الوحدوية" التي أصبحت تعرف لاحقاً باسم "جيش تحرير كوسوفو"، وصار يشاري من أبرز قادتها العسكريين.
في أعقاب إعلان برلمان كوسوفو انضمامه كجمهورية سابعة لاتحاد يوغسلافيا وإعلانه دستوراً جديداً لدعم هذه التحرك في 2 يوليو/تموز 1990، سرعان ما انضم يشاري إلى المتطوعين في جمهورية ألبانيا لتشكيل ما بات يعرف باسم جيش تحرير كوسوفو.
وبطبيعة الحال، لم يكن لأعضاء جيش تحرير كوسوفو سوى ألبانيا التي كانت قاعدة دعم لوجيستي للمقاومة الكوسوفية.
خلال العامين 1991 و1992، خضع يشاري رفقة 100 مقاتل ألباني لتدريب عسكري في بلدية لابينوت مال في ألبانيا. بعد ذلك، بدأ آدم ومقاتليه شن غارات مسلحة استهدفت الجهاز الإداري الصربي في كوسوفو.
وأثناء وجوده في ألبانيا، تعرض يشاري للاعتقال في عام 1993، قبل أن يفرج عنه بناءً على طلب من الجيش الألباني، ليعود في وقت لاحق إلى كوسوفو، حيث واصل قيادة جيش تحرير كوسوفو.
في يوليو/تموز 1997، أدانت محكمة يوغوسلافية آدم يشاري غيابياً بالإرهاب، وإثر هذه المحاكمة، حاولت القوات الصربية أكثر من مرة اعتقال يشاري أو حتى قتله، لكن نزول المقاومين الألبان من الجبال والغابات لمؤازرته في قريته حالت دون هذه المحاولات، التي كان آخرها في 22 يناير/كانون الثاني 1998.
بلكن يشاري واصل مقاومته للقوات الصربية، ونجح مقاتلوه في مهاجمة قوات الشرطة الصربية في منطقة بريكاز وقتل الكثير منهم.
ورداً على مقتل أفراد من الشرطة الصربية، خطط الصرب لتصفية يشاري من خلال مهمة عسكرية واسعة في كوسوفو تستهدف قرية بريكاز، وهاجمت القوات الصربية القرية يوم 5 مارس/آذار 1998، وحاصرت منزله وطلبت منه الاستسلام.
استمرت الاشتباكات المسلحة لمدة يومين أمام منزله، ورفض يشاري الاستسلام، مفضلاً القتال إلى الأخير.
أسفرت عملية الصرب عن استشهاد يشاري رفقة 58 شخصاً من عائلته، بينهم 28 طفلاً وامرأة، بما في ذلك زوجته وشقيقه وابنه وجميع من كان في المنزل حينها باستثناء ابن أخيه صاحب 11 عاماً.
تحوّل يشاري إلى رمزٍ للثورة الكوسوفية، ومصدر فخرٍ وإلهامٍ لألبان كوسوفو، فقد حصل بعد وفاته على لقب "بطل كوسوفو" تزامناً مع إعلان استقلال الأراضي المتنازع عليها في عام 2008. وتقديراً لبطولاته وتضحياته الكبيرة سُمي المسرح الوطني في بريشتينا ومطار بريشتينا الدولي، بالإضافة للملعب الأولمبي باسمه تخليداً لذكراه.
منتخب صربيا ينشر صور علم يدمج خريطة كوسوفو في مباراته مع البرازيل
وقبل قيام اللاعب السويسري، جرانيت تشاكا، بالاحتفال بقميص عليه اسم قائد الثورة الكوسوفية آدم يشاري، قام منتخب صربيا باستباق الأحداث من خلال قيام لاعبيه بوضع علم لصربيا دمج فيه خريطة كوسوفو في غرفة المنتخب لتبديل الملابس قبل مواجهة صربيا مع البرازيل في الجولة الأولى من منافسات المجموعة السابعة لمونديال قطر 2022.
وأظهرت الصورة التي تم التقاطها في غرفة تبديل الملابس الخاصة بالمنتخب الصربي، خريطة لكوسوفو مطبوعة على قطعة من القماش الأبيض معلقة على أوتاد، ومختومة بعلم صربيا كتب عليها "لن يكون هناك استسلام".
في العام 1999، انسحبت القوات الصربية من إقليم كوسوفو بعد 10 سنوات من الإحتلال الصربي، ليصبح البلد منذ ذلك التاريخ، ولمدة تسع سنوات كاملة، تحت إشراف وإدارة مباشرين من قبل الأمم المتحدة، وفقاً للقرار الأممي رقم 1244.
ثم جاء إعلان استقلال كوسوفو في 17 فبراير/شباط 2008، وهو الاستقلال الذي أعلنت صربيا أنّه ملغى، وذلك بعد يومٍ واحدٍ من إعلانه، وتعترف 97 دولة باستقلال كوسوفو حتى الآن.
ومنذ ذلك الوقت أطلقت بلغراد حملة سياسية موجهة ضد استقلال كوسوفو، من أجل زعزعة استقراره وعرقلة جهود تنميته، ولا تزال هذه الحملة تواصل هجماتها المتكررة على كوسوفو حتى الآن.