في عالم كرة القدم، هناك العديد من التكتيكات المختلفة من أجل التفوق على الخصوم، فلكل فريق أسلوبه الفريد في اللعب، بدءاً من كيفية تمركز كل لاعب على أرض الملعب، إلى نوع التمريرات التي يجب أن يلعبها اللاعبون على أرضية الملعب ومتى يجب عليهم القيام بذلك.
ومع تطور قوانين كرة القدم، شهد عالم التدريب هو الآخر تقدماً كبيراً من خلال اكتشاف تقنيات وخططٍ داخل الميدان تفتح اللعب وتساعد الفريق على تحقيق الفوز، ومن بين تلك الخطط مصيدة التسلل التي باتت الكثير من المنتخبات والفرق تعتمد عليها للحد من خطورة هجوم المنافس.
ويلاحظ كل من تابع مباراة المنتخبين السعودي والأرجنتيني في إطار منافسات المجموعة الثالثة من كأس العالم قطر 2022، كيف أعتمد المدرب الفرنسي للمنتخب السعودي هيرفي رينار على خطة مصيدة التسلل لإيقاف هجوم المنتخب الأرجنتيني بقيادة الأسطورة ليونيل ميسي، فما هي قصة مصيدة التسلل؟ ومن أبرز من اعتمد عليها؟
في البداية.. كيف ظهر التسلل؟
منذ ظهور كرة القدم، ظلت مشكلة بقاء المهاجمين عند المرمى في انتظار الفرصة المنافسة للتسجيل أكبر عائق لتطور اللعبة، مما أجبر القائمين على شؤونها إلى وضع قانون للحد من هذه الطريقة التي كانت تضفي على المباريات واللعبة عموماً الكثير من الملل.
من هناك نشأت قاعدة التسلل عام 1863، بحيث اعتبر اللاعب متسللاً ما لم يكن أمامه ثلاثة لاعبين من الجانب الخصم (بما في ذلك حارس المرمى).
ورغم ذلك القانون، ظلّ التحايل من المهاجمين سمةً كبيرة مما دفع إلى إحداث جملة من التغييرات في القانون.
التغيير الأوّل كان سنة 1925، بموجبه اعتبر اللاعب متسللاً ما لم يكن أمامه لاعبان من الفريق المنافس (بما في ذلك حارس المرمى).
وفي العام 1990، أجري تغيير آخر لقاعدة التسلل، من خلالها لا يصبح اللاعب متسللاً إذا كان في مكانه متساوياً مع ثاني لاعب في الفريق المنافس (بما في ذلك حارس المرمى).
على الرغم من أن القاعدة قد تغيرت عدة مرات، وتم تطوير تقنياتٍ جديدة للكشف عنها من خلال الاستعانة بالتكنولوجيا، لا يزال لدى الكثير من عشاق اللعبة مشاكل مع قاعدة التسلل.
اكتشفت لمواجهة قانون التسلل
بدأ المهاجمون في التكيف تدريجياً مع قانون قاعدة التسلل، وشرعوا سريعاً في إرهاق المدافعين بطرق عديدة للهرب من التسلل، من هنا كان على المدافعين ابتكار طريقة جديدة لوقف المهاجمين، فكانت مصيدة التسلل الحل الأنسب والأبسط لتصيد المهاجمين في مخالفة التسلل.
ومصيدة التسلل هي مناورة دفاعية يقوم بها دفاع فريقٍ ما لمواجهة هجوم منافسه خلال المباراة، حيث قبل أن يوشك الخصم المهاجم على تمرير الكرة إلى مهاجم متقدم نحو المرمى، يتحرك جميع خط الدفاع إلى الأمام في انسجام تام، مما يضع المهاجم الرئيسي خلفهم في موقف تسلل، في حال تسلمه للكرة، وهي وسيلة فعالة للغاية لكنها محفوفة بالمخاطر لوقف الهجمات.
وكما هو الحال مع الكثير من مباريات كرة القدم، نشأت مصيدة التسلل في إنجلترا، وبالضبط في نادي نوتس كاونتي الإنجليزي الذي يعدّ أقدم نادي كرة قدم محترف في العالم، حيث لا يزال ينشط بشكل مستمر منذ عام 1862 حتى الآن.
في أوائل القرن الماضي، نشرت مقاطعة نوتس أول مثال معروف لهذه الاستراتيجية الدفاعية، كما أن هناك رواية أخرى تربط مصيدة التسلل بالفريق الذهبي النمساوي الذي كان يحقّق في انتصارات مبهرة في ثلاثينيات القرن الماضي، بحيث أعدّ أوّل منتخب يطبّق تقنية مصيدة التسلل.
مصيدة التسلل سلاح ذو حدين في عالم كرة القدم
ومع ذلك يعتبر قرار تطبيق تقنية مصيدة التسلل، من أخطر القرارات التدريبية، إذ يتعيّن على المدرب تحديد ما إذا كان استخدامه لمصيدة التسلل مناسباً لفريقه أو لا، كما يحتاج اللاعبون إلى أن يكونوا ناضجين بما يكفي وعلى قدر من الوعي لفهم قانون التسلل والمفاهيم المرتبطة بالفخ، إضافةً إلى أنّه يتعين على المدربين تحديد ما إذا كانت الفوائد التي ينطوي عليها استخدام مصيدة التسلل تفوق المخاطر، إذ إنه لا يمكن أن يؤدي خطأ بسيط في تطبيق مصيدة التسلل إلى هدف قاتل، وفوق كلّ هذا يجب أن يكون لدى الفريق حارس مرمى قوي ذهنياً يكون على استعداد لقبول ما يحدث.
وقد تكون مصيدة التسلل مناسبة لاستخدامها ضد بعض الفرق فقط، ومن المرجح أن تكون الفرق التي تلعب الكرات البينية أكثر الفرق عرضة للفخ.
ومرة أخرى، المفتاح الأكثر أهمية لنجاح مصيدة التسلل من قبل المدافعين الخلفيين هو مدى قدرتهم على التحرك ككتلة واحدة، فأي لاعب يفشل في الصعود إلى الأمام في نفس الوقت مع زملائه، سيؤدي إلى فشل المصيدة بأكملها، وخطر تسجيل هدف من اللاعب المهاجم.
أريجو ساكي وزوبيلديا ملوك خطة مصيدة التسلل
ومع ذلك، فإنّ تقنية مصيدة التسلل تدين بفضلٍ كبيرٍ لكلٍ من المدرب الأرجنتيني أوزفالدو زوبيلديا والمدرب الإيطالي أريجو ساكي، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الآخرين طوال تاريخ اللعبة، على التطور الذي عرفته هذه المغامرة الخطيرة في عالم كرة القدم.
بحيث كان زوبيلديا مدرباً لنادي استوديانتس دي لا بلاتا الأرجنتيني من عام 1965 إلى عام 1970، وعرف بنهجه الاستراتيجي والفلسفي في اللعبة، والذي نجح من خلاله في إنقاذ النادي من الهبوط ووضعهم في صفحات تاريخ كرة القدم الأرجنتينية.
كانت أول مرة استخدم فيها زوبيلديا مصيدة التسلل عندما لعب فريقه في أولد ترافورد ضد مانشستر يونايتد.
استخدم المدافعون عنه هذا التكتيك لجعل أفضل اثنين من مهاجمي مانشستر يونايتد عديمي الجدوى تقريباً. انتهت المباراة بالتعادل 1-1، وهي نتيجة مفاجئة بالنظر إلى عدم التكافؤ بين الفريقين.
كما استخدم المدرب الإيطالي أريجو ساكي هذه الاستراتيجية، عندما كان يحاول المساعدة في تحويل ميلان من ناد متعثر إلى أحد أقوى الأندية الإيطالية.
وبالرغم من تدريب ساكي في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، إلا أن تأثيره لا يزال واضحاً حتى اليوم.
استشهد يورغن كلوب، مدرب نادي ليفربول الإنجليزي، بأريجو ساكي كثيراً باعتباره أحد أكبر المؤثرين به في عالم التدريب، ولدى فريق ليفربول الحالي بقيادة كلوب مصيدة تسلل تعمل بطريقة مشابهة بشكل ملحوظ لساكي، على الرغم من تعديلها لتغييرات القواعد التي حدثت منذ كان ساكي يجلس على مقاعد البدلاء.
كما استعملها المدرب الفرنسي للمنتخب السعودي هيرفي رينار لتحقيق فوزٍ تاريخيٍّ للمنتخب السعودي على نظيره الأرجنتيني في كأس العالم قطر 2022.