احتفظ تاريخ نهائيات كأس العالم بالعديد من القصص والتفاصيل الغريبة، ويعتبر نهائي نسخة 1954 التي احتضنتها سويسرا من أشهر النهائيات، ففيه نجح منتخب ألمانيا الغربية الذي خرج لتوه من الحرب العالمية الثانية بالفوز باللقب، بعد نهائي عُرف بـ"معجزة بيرن"، في تجاوزٍ لصدمة تتويج منتخب الأوروغواي التي صعقت البرازيل المرشحة على أراضيها قبل 4 سنوات.
الفوز الألماني تحقق ضد منتخب كان ضمن أقوى المنتخبات في تلك الفترة، فقد أدى انتصار ألمانيا على المجر في نهائي مونديال 1954، إلى إنهاء سلسلة قياسية من 32 مباراة دون خسارةٍ للفريق الذهبي للمجر على مدى 4 سنوات.
ألمانيا قدمت إلى مونديال سويسرا بذكريات الحرب، أمّا المجر فكانت المرشح الأول.
في فترة ما بين الحربين، كان المنتخب الألماني من بين أقوى الفرق في أوروبا، في عام 1934، كان المانشافت قد احتل المركز الثالث في كأس العالم، بفوزه على فريق العجائب النمساوي في المباراة الترتيبية.
وبحلول عام 1938، راهن الألمان على كأس العالم، وفي سبيل ذلك استعانوا بنجوم المنتخب النمساوي القوي حينها، لكن آمالهم تبددت في أوّل عقبة بعد خروجهم من الدور الأول بالهزيمة أمام سويسرا.
ثم اندلعت بعدها الحرب العالمية الثانية، وأصبحت كرة القدم آخر الاهتمامات في تلك الفترة، فقد توقفت المباريات الدولية في فبراير/شباط 1943، بأوامر من جوزيف جوبلز، كما توقفت مقابلات الأندية في أغسطس/آب 1944، وتم حظر الأندية الرياضية، وحظر التجمعات الكبيرة من الناس.
بعد نهاية الحرب وتقسيم البلاد إلى شطرين، بدأت كرة القدم تعود تدريجياً إلى الحياة بألمانيا، إذ أُعيد تشكيل الفرق من جديد، وسرعان ما عاد نظام الدوري الناشئ إلى النشاط، قبل أن يعود الاتحاد الألماني لكرة القدم إلى الوجود هو الآخر في فبراير/شباط 1950، وبطبيعة الحال تمّ تشكيل منتخب لتمثيل ألمانيا الغربية تحت قيادة المدرب المخضرم هيربيرغر.
مرة أخرى، انضمت ألمانيا إلى الفيفا في سبتمبر/أيلول 1950، وبعد شهر لعبت ألمانيا الغربية أول مباراة دولية لها بعد الحرب ضد سويسرا في شتوتجارت، في تلك المباراة فاز فريق هيربيرغر 1-0.
ليبدأ بعدها الألمان مشوار التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1954 بالتعادل 1-1 في أوسلو ضد النرويج، ثم جاءت المباراة الحاسمة في ساربروكن ضد منتخب سارلاند المستقلة حديثاً، وكان الفوز 3-1 كافياً لنقل هيربيرغر وفريقه إلى النهائيات.
ومثل ألمانيا، كان للمجر حضور قوي في كرة القدم قبل الحرب العالمية، فقد فازوا بالميدالية الذهبية الأولمبية في عام 1912 ووصلوا إلى نهائي كأس العالم 1938.
وبحلول كأس العالم 1954 كان لدى المجر فريق من أفضل لاعبي العالم إلى حدّ وصفه بالفريق الذهبي، فقد فاز المنتخب المجري قبل سنتين بدورة الألعاب الأولمبية بهلسنكي.
وبينما كانت ألمانيا تكافح ضد النرويج وسارلاند، تأهلت المجر لبطولة 1954 دون أن تلعب أي مباراة، بعد أن انسحبت بولندا من مواجهتها.
وتحضيراً لكأس العالم 1954، زار الفريق الذهبي المجري ملعب ويمبلي في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1953، لمواجهة إنجلترا ودياً، فاز الفريق المجري بنتيجة 6-3، ليصبح أول فريق خارجي يفوز على الملعب الإنجليزي.
طريق ألمانيا الغربية والمجر إلى نهائي كأس العالم 1954
شهدت مرحلة المجموعات بكأس العالم 1954 التي احتضنتها السويد، وقوع كلٍ من المجر وألمانيا الغربية في مجموعة واحدة، إلى جانب كلٍ من منتخب تركيا وكوريا الجنوبية.
كان المدرب الألماني هيربيرغر يتصور أن الهزيمة ضد المجر كانت مؤكدة، مع انتصار فريقه في مباراته أمام تركيا والكوريين. وبالفعل نجح الألمان في الفوز بمباراتهم الافتتاحية على تركيا بنتيجة 4-1.
في هذه الأثناء في زيورخ، نجحت المجر في إرسال الكوريين البائسين بنتيجة 9-0.
في المباراة الثانية، سحقت المجر الفريق الألماني بنتيجة 8-3، وسجل النجم المجري كوتشيس 4 أهداف.
احتاج الألمان لمباراة فاصلة مع تركيا للتأهل إلى الدور ربع النهائي، بالفعل نجح الألمان في تخطي عقبة المنتخب التركي بعد الفوز عليه بنتيجة 7-3، والتأهل إلى مباراة دور الثمانية لملاقاة منتخب يوغوسلافيا.
وصلت المجر إلى الدور نصف النهائي بفضل فوزها 4-2 في مواجهة مؤلمة مع البرازيل، بعد أن تصرّف البرازيليون بعنف في تلك المباراة، ونجحت ألمانيا في تخطي يوغوسلافيا 2-0.
في النصف النهائي، واجهت المجر حاملة اللقب أوروجواي وفازت عليها بصعوبة 4-2 بعد الوقت الإضافي.
لم تكن هناك مثل هذه الدراما بالنسبة لهيربيرغر وفريقه، حيث تغلبت ألمانيا الغربية على النمسا 6-1، ليتأهل الألمان إلى المباراة النهائية.
قائد المنتخب الألماني نجا من معسكرات الموت ليرفع الكأس
بالنسبة لقائد المنتخب الألماني فريتز والتر الذي عمل في قاعدة جوية خلال الحرب، ستكون هذه ثاني أهم مباراة يلعبها على الإطلاق ضد المجر، ففي عام 1945 عندما انقادت ألمانيا النازية للهزيمة، استسلم فريتز والتر وقاعدته الجوية للأمريكيين.
لكن تم تسليمهم بعد ذلك إلى الجيش الأحمر السوفييتي الذي شحنهم إلى سيبيريا، حيث كانوا ينتظرون موتاً شبه مؤكد، وهي رحلة قام بها 40 ألف أسير حرب ألماني.
في الطريق، توقفت قافلة والتر في مركز احتجاز أوكراني، هناك كانت شرطة المعسكر تلعب مباراة لكرة القدم، كان والتر يراقب أداء اللاعبين الألمان والسوفييت من بعيد، قبل أن يتعرف عليه أحد اللاعبين ويضمّه إلى اللعب.
وفي اليوم التالي تم حذف اسم والتر من قائمة أولئك المتجهين شرقاً، وسُمح له بالعودة إلى منزله في كايزرسلاوترن، والعودة إلى كرة القدم، بعد 9 سنوات قاد فريتز والتر فريقه إلى نهائي كأس العالم.
معجزة بيرن.. حين قضى الألمان على الحلم المجري
قبل بداية المباراة، عمل المنظمون للمونديال سبراً للتوقعات بين الصحفيين، من بين 40 صحفياً حاضراً لتغطية النهائي طُلب منهم توقع مسبق لنتيجة المباراة، كان صحفيٌ واحدٌ فقط يملك الشجاعة بما يكفي للتنبؤ بفوز ألمانيا، فقد كانت حظوظ المنتخب الألماني على الورق تقترب من المستحيل حسب فيفا.
مع ذلك، كان هنالك الكثير من الألمان ممن يؤمنون بتحقيق المعجزة، من بينهم تاجر أحذية بألمانيا، يدعى أدي داسلر، الذي ساعد منتخب بلاده بفكرة غرس بعض المسامير بالأحذية، حتى تثبت أقدام اللاعبين وقت هطول الأمطار.
على الجانب الآخر، كانت المجر قبل نهائي كأس العالم قد فازت بـ32 مباراة متتالية، وحققت الميدالية الذهبية بأولمبياد 1952، إضافة إلى ذلك، كانوا قد هزموا ألمانيا الغربية نفسها في الأدوار الأولى بكأس العالم بنتيجة 8- 3 كما سبق ذكره، لذا، كان الأمل كبيراً بين المجريين لتحقيق حلم التتويج بكأس العالم، خصوصاً أنّ منتخب بوشكاش أقصى البرازيل برباعية، وأخرج حامل اللقب الأوروغواي ولم يبق له سوى منتخب ألمانيا الغربية الضعيفة على الورق.
ورغم أنّ النجم البارز لمنتخب المجر بوشكاش كان مصاباً بالكاحل، لكن المدرب المجري أصرّ على إشراكه في النهائي لتفادي أي مفاجأة غير سارة للمجر.
لم تمضِ سوى 6 دقائق حتى افتتح الأسطورة بوشكاش التهديف للمجر، وبعدها بدقيقتين، سُجل الهدف الثاني بأقدام زولتان تسيبور، بدت الأمور أكثر قتامة بالنسبة لألمانيا الغربية، ربما نتيجة الأدوار الأولى ستتكرر مرة أخرى في النهائي.
كانت الفكرة المبتكرة للمنتخب الألماني بغرس مسامير في أحذية لاعبيه فكرة فارقة، فقد بدى الألمان ثابتين في الملعب عكس نظرائهم المجريين الذين كانوا ينزلقون في الملعب بسبب تهاطل الأمطار.
لم يرفع الألمان الراية البيضاء، وواصلوا القتال من أجل حلمهم، وبعد 10 دقائق، عادت المباراة إلى نقطة البداية بعد أن سجلت ألمانيا الغربية هدفين عبر ماكس مورلوك وهيلموت ران وهو عامل الكهرباء الذي تم استدعاؤه في اللحظات الأخيرة لقائمة المونديال.
بعدها تحولت المباراة إلى جهة واحدة، كان المجريون في الهجوم والألمان في الدفاع، وتعقدت أمور المجريين مع مرور الدقائق، خصوصاً أن فرصهم كانت تصدّ بين ثلاثية الحارس الألماني المخضرم توريك والقائم والعارضة.
ومع تبقي 6 دقائق فقط من الوقت الأصلي، قام هيلموت ران بما لا يمكن تصوره، بعد أن سجّل هدفاً قاتلاً وضع به الألمان في المقدمة.
لتفوز ألمانيا في النهائي على أقوى منتخب حينها، وتقضي على الحلم المجري، في مباراة سميّت بـ"معجزة بيرن"، والتي تعدّ واحدة من أكبر مفاجآت المونديال على الإطلاق، ويرفع القائد فريتز والتر، الذي نجا من الإعدام، كأس العالم.