في ظهيرة يومٍ من أيام شهر يونيو/حزيران، وخلال نهائي مونديال الأرجنتين 1978 لكرة القدم، سُمعت أصواتٌ عالية من مدرجات ملعب "خوزي ماريا مينييلا"، تردّد بكل قوة: "كيمبرلي في كأس العالم، كيمبرلي في كأس العالم".
"كيمبرلي" هو اسم النادي الأرجنتيني المغمور، التابع للمدينة الأرجنتينية التي احتضنت تلك المباراة، في الجولة الثالثة من الدور الأول لنهائيات كأس العالم لكرة القدم، والتي جرت خلال صيف 1978: من إلى 1 إلى 25 يونيو/حزيران.
ومعروف عن نادي "أتلتيكو كيمبرلي" أنه يضمّ في صفوفه لاعبين يمتهنون بالأساس حرفة الصيد البحري في مدينة "مار دل بلاتا"، الواقعة شرقي البلاد، قبالة المحيط الأطلسي.
وبالفعل، فقد ظهرت الألوان الرسمية للنادي المغمور -الملقّب بـ"نادي الصيادين"- في مونديال الأرجنتين 1978، فوق أرض الملعب الذي احتضن مباراة فرنسا والمجر، والتي أُقيمت يوم 10 يونيو/حزيران ضمن المجموعة الأولى للدور الأول من المسابقة العالمية.
كيف حدث ذلك؟
بدأت القصة الطريفة عندما دخل لاعبو المنتخبين الفرنسي والمجري إلى ملعب "خوزي ماريا مينييلا"، لتحمية عضلاتهم قبل خوض المباراة الثالثة والأخيرة ضمن المجموعة الأولى للدور الأول في مونديال الأرجنتين 1978.
وعلى غير عادته، فقد حضر المنتخب الفرنسي إلى الملعب بقميصه الأبيض، بدلاً من الأزرق، اللون الذي اشتهر بارتدائه عادةً.
ووفقاً لموقع We Sport الفرنسي، فقد لاحظ اللاعب الفرنسي هنري ميشال -خلال عملية الإحماء- أن لاعبي منتخب المجر يرتدون قميصهم الأبيض تحت سترات التدريب. فتوجه إلى قائد عمليات الفريق، أندراس توروسيكي، وهمس في أذنه يسأله باللغة الإنجليزية: "قميص أبيض"؟ ليردّ عليه النجم المجري: "نعم".
سارع هنري ميشال لإخطار المدير الإداري للمنتخب الفرنسي، هنري باتريلي، بالخلل الموجود. فما كان من هذا الأخير سوى إخبار حكم اللقاء، البرازيلي أرماندو كويلهو، بالمشكلة، مُظهراً له في الوقت ذاته إشعار الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الذي يسمح فيه للمنتخب الفرنسي بخوض المباراة مرتدياً اللون الأبيض.
خطأ جسيم في مونديال الأرجنتين 1978
لكن المدير الإداري لمنتخب فرنسا فوجئ لما أظهر نظيره المجري إشعاراً آخر من اتحاد الكرة الدولي، يوضح من خلاله أن منتخب المجر هو من سيلعب باللون الأبيض، في حين أن المنتخب الفرنسي مدعوّ لارتداء قميصه الأزرق المعتاد.
حتى هذه اللحظة، فإن حلّ هذه المشكلة كان ليبدو سهلاً، ولا يتطلب سوى استبدال اللاعبين الفرنسيين قمصانهم البيضاء بالقمصان الزرقاء.
لكن حكم المباراة، أرماندو كويلهو، فوجئ عندما أخبره المسؤول الفرنسي أن منتخبه حضر إلى الملعب بتشكيلةٍ واحدة فقط من القمصان، المؤلفة من اللون الأبيض. وهذه خطوة نادراً ما تحصل، فماذا جرى؟
كانت تلك المباراة هي الأخيرة بالنسبة لكلَي المنتخبين، بعدما تأكد إقصاؤهما من المنافسة في مونديال الأرجنتين 1987، نتيجة تلقيهما هزيمتين متتاليتين، في لقاءيهما الأول والثاني ضمن المجموعة الأولى، أمام كل من الأرجنتين وإيطاليا.
وبحكم تأكد خروج فرنسا من المنافسة، فقد رتب المدير الإداري للمنتخب، هنري باتريلي، إجراءات العودة السريعة إلى الديار؛ وذلك من خلال ترتيب حقائب السفر، وجمع كل عتاد الفريق -بما فيها القمصان الزرقاء- بمقرّ إقامة المنتخب الفرنسي بالعاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس، تحضيراً لاستقلال الطائرة نحو باريس فور عودتهم من المباراة أمام منتخب المجر.
ولأن مدينة "مار دل بلاتا" تبعد عن العاصمة بيونس آيرس بحوالي 400 كلم، فكان ذلك يعني استحالة إمكانية إحضار القمصان الزرقاء من مقرّ إقامة المنتخب الفرنسي، قبل موعد بداية المباراة.
حاول حكم اللقاء إيجاد حلٍّ سريع وسهل؛ فطلب من المنتخب الفرنسي اللعب بأي لونٍ غير الأبيض، مستبعداً شرط ارتدائه اللون الأزرق، فاقترح مسؤول المنتخب المجري مساعدة منافسه بمنحه قميصه الثاني. لكن هذا الاقتراح اصطدم برفض حارس مرمى منتخب المجر، التنازل عن قميصه المفضل باللون الأحمر.
قميص نادي كيمبرلي معروض في متحف 'الفيفا"
أمام كل تلك العقبات، اضطرّ مسؤولو منتخب فرنسا للذهاب إلى وسط مدينة "مار دل بلاتا"، في مسعىً لشراء قمصانٍ جديدة للاعبيهم. لكن محلات بيع الألبسة الرياضية كانت مُغلقة، بعدما صودف أن المباراة كانت تُقام مع يوم عطلة الأحد.
وخلال زحمة الاتصالات لمحاولة تأمين بديلٍ سريع، ظهر نادي "أتلتيكو كيمبرلي" وأنقذ الموقف عندما منح قميصه -الأبيض المخطط بالأخضر- لمنتخب فرنسا؛ ما سمح بإجراء المباراة.. ولكن متأخرة بنصف ساعة عن موعدها المُحدّد.
الطريف أن المنتخب الفرنسي وجد دعماً كبيراً من الجمهور الأرجنتيني، الحاضر على مدرجات مباراته مع المجر، ما ساهم في تحقيقه الفوز بنتيجة ثلاثة أهدافٍ لواحد، ليُغادر المونديال بشرف.
تسبّبت هذه القصة الغريبة، والطريفة في آنٍ، بدخول نادي "أتلتيكو كيمبرلي" المغمور تاريخ كأس العالم لكرة القدم؛ ليس فقط في مباراة مونديال الأرجنتين 1978.
فوفقاً لموقع Le Footchiste الفرنسي، فإنّ قميص النادي الذي يحمل رقم "5" -والذي حمله اللاعب براتشي خلال مواجهة المجر- معروض حالياً في متحف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بمدينة زيوريخ السويسرية، إلى جانب قميصَي منتخبَي الأرجنتين وهولندا اللذين خاضا نهائي مونديال 1978.