لا يختلف اثنان على قيمة الفرنسي فرانك ريبيري، لاعب بايرن ميونيخ الأسبق، لكن حياته خارج المستطيل الأخضر وداخله حافلة بالأحداث والتطورات التاريخية، وبالألقاب والبطولات أيضاً.
لطالما لفت ريبيري الأنظار بالندوب التي تغطي وجهه، وتسببت له بتشوهات واضحة، قد لا يعرف كثيرون السبب وراءها.
وُلد ريبيري يوم 7 أبريل/نيسان 1983، في مدينة بولوني سور مير، الواقعة شمالي فرنسا، وسريعاً ما دخل في نفق المعاناة، حيث تخلّى عنه أبوه ووالدته لأحد الأديرة، وفق صحيفة the sun البريطانية.
معاناة بدأت منذ الطفولة
ولم تقف صعوبات الحياة عند هذا الحد، بل تفاقمت عندما تعرض ريبيري والأسرة التي رعته إلى حادث مرعب، حيث اصطدمت السيارة التي كانت تستقلها العائلة بشاحنة ضخمة، تسببت في الندوب التي يُعرف بها اللاعب الفرنسي حتى يومنا هذا.
وقع هذا الحادث وريبيري في الثانية من عمره، حيث اصطدم رأسه بالزجاج الأمامي للسيارة، ونتج عنه جرحُ عميق، احتاج الأطباء إلى 100 غُرزة من أجل إغلاقه، وفق مصادر أوروبية متعددة.
لكن النجم الفرنسي المعتزل حديثاً نظر إلى النصف المملوء من الكوب، واعتبر أن هذه الندوب جعلت منه إنساناً قوياً ذا شخصية صلبة، لكنه لم ينكر أنه وعائلته عانى منها كثيراً.
وقال ريبيري في إحدى المقابلات التلفزيونية عام 2018: "عندما يكون لديك ندبة في وجهك وأنت في عمر مبكر لن يكون ذلك سهلاً، الطريقة التي ينظر إليك الناس بها، وتعليقاتهم، لقد عانت عائلتي من هذا".
وأضاف: "أينما ذهبت كان الناس ينظرون إليّ، كانوا يقولون انظروا إلى وجهه ورأسه، ما هذه الندبة؟! إنها قبيحة للغاية".
وتابع ريبيري: "كان الناس ينظرون إليّ ليس لأنني كنت شخصاً جيداً، أو لأن اسمي فرانك، أو لأني لاعب كرة قدم جيد، ولكن بسبب الندبة التي أعطتني قوة الشخصية".
وأوضح: "مع الأسف فإن من كان يتحدث عنك هم آباء لأطفال آخرين، وهذا أمر قاسٍ للغاية".
ولم يستسلم ريبيري للأمر الواقع، ولم يشعر بالأسى أو الحزن على ما أصابه حتى ليوم واحد، فقال: "لم أترك نفسي في إحدى الزوايا من أجل البكاء رغم المعاناة".
ولم يخضع ريبيري لأي جراحة تجميلية،ظ في محاولة منه لإخفاء الندبة أو تقليل علامتها على وجهه، بل فضّل التعايش معها، ونظر إليها على أنها العلامة التي جعلت منه الرجل القوي الذي هو عليه اليوم.
وقال: "أنا فخور بهذه الندب، لقد منحتني القوة وصقلت شخصيتي، كان يتوجب عليّ أن أكون قوياً لتحمل سخرية الأطفال ونظرات الكبار".
وتابع: "هذا هو وجهي، وأنا الشخص الذي يعرفه الناس، أنا سعيد بوجهي، لماذا لا يجب أن أكون سعيداً؟".
إسلامه وزواجه
في السادسة عشرة من عمره تعرّف ريبيري على شاب جزائري يُدعى مالك، ومع مرور الوقت توطدت العلاقة بين الشابين، لدرجة أن اللاعب الفرنسي تعرّف على عائلة صديقه.
وفي أواخر عام 2004 التقى ريبيري بشقيقة مالك، واسمها وهيبة، فأحبها كثيراً وهي بادلته الشعور، وعندما قرر الزواج منها طالبته بضرورة اعتناق الإسلام حتى يتم هذا الزواج.
وبالفعل أسلم اللاعب الفرنسي، في فبراير/شباط 2006، حيث ذهب إلى المسجد برفقة والد وهيبة، وفي تلك اللحظة قال ريبيري إن الإسلام وصل به إلى بر الأمان بعد حياة شاقة.
وعن سبب اختياره اسم بلال، اعترف ريبيري أن جدة زوجته هي من قامت بذلك، لأنها كانت تستصعب نطق اسمه، وأيضاً تيمناً بالصحابي الجليل بلال بن رباح.
وأنجب فرانك من وهيبة 5 أولاد هم: حيزية، وشاهيناز، وسيف الإسلام، ومحمد، وكلثوم.
كرة ذهبية مسروقة
ترشّح ريبيري للفوز بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم لعام 2013، بعدما قاد فريقه بايرن ميونيخ للتتويج بالثلاثية التاريخية (الدوري الألماني– كأس ألمانيا– دوري أبطال أوروبا).
ومع ذلك ذهبت الجائزة إلى البرتغالي كريستيانو رونالدو، بينما كان المركز الثاني من نصيب الأرجنتيني ليونيل ميسي، ليستقر ريبيري في المركز الثالث، وهو ما فجّر غضب الفرنسي، الذي وجه انتقادات لاذعة للقائمين على مجلة فرانس فوتبول الفرنسية وقتها.
وقال ريبيري: "ما حدث لم يكن مفهوماً، وكأن هناك عملية سرقة، لقد فزت بكل الألقاب، ولم يكن بإمكاني فعل المزيد، لقد كان ظلماً".
وتابع: "حتى أبناء بلدي لم يدعموني، لقد سمعت الفرنسيين يقولون إن كريستيانو يجب أن يفوز، فهل أراد البرتغاليون أن يكون ريبيري أم ميسي؟ بالطبع لا".
رحلة ريبيري مع كرة القدم
انضم ريبيري إلى أحد فرق الهواة في مسقط رأسه، عندما كان في السادسة من عمره، ثم انتقل إلى شباب ليل ومنه إلى بولون في عام 1999.
وخاض ريبيري عدة تجارب مع الأندية الفرنسية مثل أولمبيك أليس وستاد بريست وميتز، قبل أن يحزم أمتعته ويسافر إلى تركيا، في يناير/كانون الثاني 2005، من أجل الانضمام إلى غالطة سراي.
وهناك صعد ريبيري إلى منصة التتويج للمرة الأولى، حيث توج بلقب كأس تركيا لموسم 2004-2005، ليعود بعدها مباشرة إلى بلاده ليظهر بقميص مارسيليا.
وبعد عامين من انضمامه إلى فريق الجنوب الفرنسي، وقّع ريبيري عقد انتقاله إلى بايرن ميونيخ، وذلك في يوليو/تموز 2007، ومنذ ذلك الوقت ازدادت خزيتنه بالألقاب والبطولات.
لعب ريبيري مع بايرن ميونيخ 425 مباراة بجميع البطولات، سجل خلالها 124 هدفاً، وأهدى زملاءه 182 تمريرة حاسمة، حتى رحل إلى فيورنتينا في صيف 2019.
خلال هذه المدة تُوج ريبيري بلقب الدوري الألماني 9 مرات، وبكأس ألمانيا 6 مرات، وبالسوبر الألماني 4 مرات، وبكأس الدوري الألماني مرة وحيدة.
كما حصد لقب دوري أبطال أوروبا مرة واحدة، ومثلها في السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية، كما حاز جائزة أفضل لاعب في أوروبا عام 2013.
وبعد الرحلة البافارية العظيمة رحل ريبيري إلى الدوري الإيطالي، ليرتدي قميص فريقي فيورنتينا وساليرنيتانا، قبل أن يقرر اعتزال كرة القدم.
اعتزال ريبيري
قرّر ريبيري تعليق حذائه يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 2022، بعدما فشل في التعافي من إصابة في الركبة، ليأخذ بنصيحة الأطباء ويعلن اعتزاله اللعب.
ونشر ريبيري عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" رسالة بأربع لغات (الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية)، أعلن فيها عن قراره الصعب.
وكتب ريبيري في التغريدة التي أرفقها بمقطع فيديو: "لقد توقفت الكرة، لم تعد المشاعر داخلي بنفس الشغف، لقد حان وقت الاعتزال وإنهاء مسيرتي بعد 20 عاماً قضيتها في المنافسة على أكبر الألقاب".
وأضاف: "آلام الركبة كانت أقوى مني، والأطباء كانوا واضحين، فلم يعد أمامي سوى الاعتزال، لقد انتهت قصتي كلاعب، شكراً للجميع على هذه المغامرة الرائعة".