لا شكَّ في أن التتويج ببطولة كأس العالم بمثابة حلم لكل منتخب ولاعب، ولكن هل سمعتم من قبل بمنتخب أعلن لاعبوه الندم بسبب التتويج بالبطولة؟ نعم وهذا ما حصل مع لاعبي الأرجنتين في مونديال 1978.
لماذا ندم لاعبو الأرجنتين بعد فوزهم بكأس العالم 1978
في الوقت الذي كانت تخوض فيه المنتخبات مبارياتها في المونديال الذي جرى بالأرجنتين 1978، كان السجناء السياسيون في البلاد يكافحون داخل زنزانات لا تتجاوز مساحتها 2 متر، تحتوي كل منها على 6 مساجين سياسيين على الأقل.
مُعظم هؤلاء المساجين كانوا مرضى نحيفين لا يعيشون أكثر من أسبوع، بسبب الهواء النتن الذي يتنفسونه وبسبب العدوى التي انتقلت بينهم، كما أكلوا اللحوم الفاسدة واضطروا إلى أن يقضوا حاجتهم مكان نومهم، فيما كان يتم تشغيل تسجيلات خطب هتلر بشكل روتيني من خلال مكبرات الصوت وفقاً لما ذكرته صحيفة Esquire البريطانية.
جميع هؤلاء المساجين كانوا مواطنين أرجنتينيين، وعذّبهم حراس أرجنتينيون أيضاً، واختُطفوا وأُخفوا داخل سجون سريّة أرجنتينية، وكل ذلك بأمر من ديكتاتور أرجنتيني كان يريد تلميع صورته من خلال فوز منتخب بلاده ببطولة كأس العالم.
ووفقاً لما ذكرته ESPN الرياضية، فقد تجادل السجناء فيما بينهم عن طريق الهمس، لأن الحراس كانوا يعاقبون أي تواصل بالضرب الوحشي، أراد بعض السجناء أن تفوز الأرجنتين فقد كانوا طيلة حياتهم يهتفون للأبيض والأزرق، ولكن البعض الآخر مثل المعتقل "نوربرتو ليفسكي" كان يريد أن تخسر الأرجنتين البطولة، لأنه كان يعلم أن الديكتاتور الأرجنتيني خورخي فيديلا يستخدم الفريق كسلاح آخر في حربه ضد الشعب.
خورخي فيديلا ديكتاتور فاشي أراد تلميع صورته من خلال المونديال
في ظهيرة يوم 1 يونيو/حزيران 1978، وعلى ملعب "El Monumental" الخاص بنادي ريفر بلايت في العاصمة بوينس إيرس، جرى حفل الافتتاح عندما قام أطفال أرجنتينيون يرتدون الزي الأبيض بكتابة عبارة "الأرجنتين 78" قبل عبارة "مونديال الفيفا" وأيضاً إطلاق قطيع من الحمام إلى السماء.
قبلها بدقائق، كان الجنرال خورخي رافائيل فيديلا، قائد المجلس العسكري الأرجنتيني الحاكم، قد أكد أمام الجماهير التي بلغ عددها نحو 80 ألف متفرج، أن البطولة ستقام تحت علامة السلام.
أمتار قليلة فصلت بين أصوات المعتقلين المعذبة وأصوات الجماهير المحتفلة!
بعد عدة شوارع من الملعب كانت أصوات السجناء السياسيين تتعالى بسبب التعذيب داخل الحرم الجامعي ومدرسة ضباط البحرية الواقعين قرب بعضهما، وكانا بمثابة معسكرات اعتقال للمساجين السياسيين.
كان الجيش قد سيطر على الأرجنتين في ربيع عام 1976 بعد عامين من الاضطرابات الكبرى التي كانت بمثابة حرب أهلية، حيث دخلت القوات شبه العسكرية اليمينية والميليشيات الشيوعية في خلاف على السلطة بعد وفاة الرئيس الأرجنتيني خوان بيرون.
انتشرت الدبابات في الشوارع، وبدأ الجيش حرب عصابات، كسرت المقاومة اليسارية في غضون أشهر قليلة، انتهت بانتصار الديكتاتور فيديلا.
بعد سيطرته بدأ فيديلا على الفور بتطهير البلاد ممن سماهم أعداء الدولة على الفور، ولم يتوقف عند هذا الحد بل طالت الحملة أيضاً الرجال والنساء الذين لم يلتزموا بمُثُل النظام وتم اعتقالهم من داخل منازلهم ومن الشوارع في وضح النهار.
أما الفيفا فقد ظلّ غير متأثر، وفي نهاية المطاف تغاضى عن موقف حقوق الإنسان لصالح الحفاظ على الوضع السياسي الراهن.
وبحلول يونيو/حزيران 1978، كانت السلطة العسكرية الأرجنتينية في أقوى حالاتها، واستغلت كأس العالم لتشتيت الانتباه محلياً وتلميع صورتها على المستوى الدولي.
لم يكن فيديلا، مثل العديد من قادة العالم، مهتماً بكرة القدم، لكنه رأى في المونديال فرصة لتلميع صورته، وكان مستعداً لإنفاق مبالغ ضخمة على البنية التحتية من أجل استضافتها.
حتى إنه قام في عام 1976 باغتيال رئيس اللجنة المنظمة لكأس العالم في الأرجنتين، الجنرال عمر أكتيس، في أثناء سفره لحضور مؤتمره الصحفي الأول الذي كان يريد من خلال أن ينتقد علناً المبالغ الكبيرة المنفقة بسرعة من أجل استضافة البطولة.
كانت الهتافات من الاستاد القريب مسموعة بوضوح من خلال جدران بعض المعتقلات، كان المساجين يدركون تماماً أن العالم غير مهتم بهم، ويعلمون أنه بعد البطولة ستزداد الديكتاتورية التي أتت بهم إلى هنا قوة.
لاعبو الأرجنتين أبدوا ندمهم عن الفوز بالمونديال
قبل المباراة الافتتاحية بفترة وجيزة، خاطب الجنرال خورخي رافائيل فيديلا مجموعة من اللاعبين في القصر الرئاسي وقال لهم: "أيها السادة، تماماً كما يشجع القائد جنوده قبل المعركة، تماماً كما يحيي الرئيس السفراء قبل أن يخرجوا لإنجاز إدارتهم، أردت من خلال هذه الزيارة أن أشجعكم على أن تكونوا فائزين حقيقيين، والفائزين بالبطولة".
أما بعد المباراة النهائية، فقام الجنرال بدعوة اللاعبين وزوجاتهم إلى أحد القصور الرئاسية وهو قصر La Quinta de Olivos، وفقاً لما ذكرته صحيفة Daily Mail البريطانية.
يقول أوزفالدو أرديليس أحد اللاعبين المتوَّجين مع الأرجنتين في مونديال 78: "بعد يومين أو ثلاثة أيام من كأس العالم، ذهبنا إلى قصر لاكوينتا دا أوليفوس، كان هناك شمبانيا، وأعطانا فيديلا علبة سيجار فضية كهدية عليها توقيعه".
أرديليس أعرب عن ندمه للمساهمة في فوز منتخب بلاده بالمونديال وتلميع صورة الديكتاتور، مؤكداً أنه لم يكن مدركاً قط لحجم المعاناة التي كان يعيشها المعتقلون في ذلك الوقت.
وأكد أنه واللاعبين الذين كانوا يلعبون في المنتخب لم يكونوا مدركين لسياسة فيديلا، وكل ما أرادوه هو لعب كرة القدم، طالباً من الجمهور الأرجنتيني مسامحتهم على الفوز بالمونديال.
في حين أوضح نجم وسط الأرجنتين ريكي فيلا، أن اللاعبين تم استغلالهم سياسياً، فيما أكد اللاعب ليوبولدو لوكي أن البطولة ما كان يجب أن تُلعب على الإطلاق.
ظل المجلس العسكري في السلطة 5 سنوات أخرى بعد نهاية المونديال، تشير التقديرات إلى أن ما مجموعه 30 ألف شخص قُتلوا في فترة حكم خورخي فيديلا التي استمرت 7 سنوات، وأن ما بين 7000 و9000 سجين سياسي "اختفوا" تحت مسؤوليته، فيما يُقال إنه قام برمي العديد من الجثث بشكل جماعي في نهر ريو بلاتا من الطائرات أثناء إقامة البطولة.
أما خورخي فيديلا فقد توفي في السجن عام 2013 بعد اتهامه بارتكاب 66 جريمة قتل و306 حالات اختطاف و93 حالة تعذيب، إضافة إلى اختطاف العديد من أطفال السياسيين المعارضين من أمهاتهم وتسليمهم لمناصري المجلس العسكري.
أما المنتخب الأرجنتيني، فقد توّج بالبطولة بعد فاز على هولندا في المباراة النهائية بنتيجة 3-1.
قد يهمك أيضاً: لها معنى عميق في ثقافتهم، وأصولها تعود إلى "الولوف".. لماذا يلقب منتخب السنغال بأسود التيرانغا؟