لها معنى عميق في ثقافتهم، وأصولها تعود إلى “الولوف”.. لماذا يلقب منتخب السنغال بأسود التيرانغا؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/28 الساعة 20:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/07 الساعة 11:42 بتوقيت غرينتش
Getty Images/ لماذا يطلق على السنغال لقب أسود التيرانغا؟

هل سألت نفسك يوماً لماذا يطلق على السنغال لقب أسود التيرانغا؟ لا شكَّ أن محبي كرة القدم قد سمعوا من قبل بألقاب الكثير من المنتخبات، كأسود التيرانغا والطواحين الهولندية ومنتخب الأسود الثلاثة، وثعالب الصحراء والماكينات وغيرها الكثير.

في الحقيقة دائماً ما تكون ألقاب المنتخبات الوطنية مميزة بغض النظر عن أي جزء من العالم نشأوا، هذه الأسماء المستعارة غالباً ما تعكس الجذور العميقة والجوانب المهمة للثقافة أو البيئة الاجتماعية أو التاريخ الوطني للأشخاص الذين يعيشون هناك، كما هو الحال في السنغال الذي يطلق عليه لقب "أسود التيرانغا".

لماذا يطلق على السنغال لقب أسود التيرانغا؟

يتشابه لقب المنتخب السنغالي مع تاريخ البلد، فكلمة تيرانغا تعود إلى قبائل الولوف التي تعيش في السنغال، وتعني "الضيافة" وهي ترجمة فضفاضة، لأن معناها أكثر من ذلك بكثير لأنها بمثابة أسلوب حياة كامل لديهم.

ووفقاً لما ذكرته شبكة BBC البريطانيّة، فإن قيمة التيرانغا في الحياة اليومية في السنغال تتخلل العديد من جوانب الحياة، مثل الكرم مع الجميع حتى الغرباء، والعطاء للجميع بغض النظر عن الجنسية أو الدين أو الطبقة.

فقد نشأ السنغاليون على "التيرانغا" التي تدفعهم للتفكير بأن جميع أفراد المجتمع حتى الغرباء منهم سوف يرفعون بعضهم بعضاً ويقفون سوياً.

ووفقاً للدكتور إبرا سيني، وهو مؤرخ سنغالي درس في كلية ووستر في ولاية أوهايو الأمريكية فقد قال: "يجب أن تكون على استعداد للنظر إلى الأشخاص وتقديم المشورة لهم كأفراد من عائلتك، فهذا جزء من التيرانغا".

وأضاف: "هنا في السنغال سترى الأشخاص البالغين يقومون بتعليم أطفال الحي ويرشدونهم ويوجهونهم للأمور الصحيحة في الحياة، تماماً كما يفعل الوالدان".

Getty Images/ لماذا يطلق على السنغال لقب أسود التيرانغا؟
Getty Images/ لماذا يطلق على السنغال لقب أسود التيرانغا؟

ما هي أصول كلمة التيرانغا؟ 

على الرغم من انتشار التيرانغا في كل مكان في السنغال اليوم، فإنَّ أصولها لا تزال غامضة.

لكن المؤرخين يتفقون على أنها كانت جزءاً لا يتجزأ من ثقافة المنطقة لعدة قرون، حيث كانت موجودة قبل 300 عام من الحكم الاستعماري الهولندي والبريطاني والفرنسي الذي استمر من 1659 إلى 1960.

المؤرخ السنغالي سيني قال: "يمكن إرجاع عقلية التفاعل والتبادل والانفتاح إلى زمن الإمبراطوريات الكبرى في غرب إفريقيا"، مشيراً إلى إمبراطوريات مالي وغانا وسونغاي العظيمة التي ازدهرت يوماً ما في المنطقة.

وأوضح سيني أن هذه المنطقة اعتمد اقتصادها على التجارة لأكثر من 1000 عام، وأن تبادل السلع والأفكار التي بنيت عليها هذه الإمبراطوريات ازدهر بسبب روح الكرم والانفتاح هذه، مؤكداً أنه حتى تيرانغا منتشرة في جميع أنحاء غرب إفريقيا حتى لو لم يطلق عليها اسم تيرانغا في الدول الأخرى.

في حين يعتقد البعض أن تيرانغا نشأت في سانت لويس السنغالية التي يقطنها سكان قبائل الولوف

قبائل الولوف

يعيش شعب الولوف منقسماً بين 3 دول إفريقية، وهي السنغال التي تجمع أكبر عدد من سكانهم، وفي غامبيا، وأيضاً في الدولة العربية موريتانيا.

ويعتبر الولوف المجموعة العرقيّة الرئيسية في السنغال، ويعتبرون من أهم الشعوب التي تمثل الأصالة الزنجية في غرب إفريقيا.

وفي ظل افتقار شعب الولوف إلى أثر مكتوب يقتفي تطورهم عبر التاريخ، فإن هناك العديد من الروايات التي تتحدث عن أصلهم، إحدى هذه الروايات من وزارة الثقافة الموريتانية، التي ترجع أصول الولوف إلى المناطق المجاورة لنهر النيل بمصر، وتقول إن الأبحاث أظهرت أن لغتهم قريبة من اللغة المصرية القديمة.

فيما يعتقد أن أول من اكتشف شعب الولوف هم المستكشفون البرتغاليون وذلك في القرن الـ15 عندما كانوا يعيشون على طول الساحل السنغالي في ذلك الوقت.

لم يكن الولوف مسلمين في السابق، ولكنهم رحبوا بالمسلمين في مجتمعاتهم ووظفوهم كمستشارين قانونيين وكتاب ومعلمين غالبيتهم من موريتانيا، ووطدوا علاقاتهم مع رجال الدين بمنحهم الأراضي الزراعية، ومن خلالهم وصل الإسلام إليهم

.

وسانت لويس هي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، وهي مدينة رئيسية في الاستعمار الفرنسي لغرب إفريقيا، فقد كانت المكان الذي بنوا فيه أول مستوطنة لهم في المنطقة في عام 1659 وأسسوا العاصمة.

تيرانغا واستخدامها لتشكيل هوية السنغال

سواء بدأت تيرانغا في سانت لويس أم لا، فإن "تيرانغا" هي ثقافة البلد بأكمله، ويمارسها الجميع ويفتخرون بها.

أما أول استخدام لكلمة تيرانغا فقد كان بعد استقلال السنغال في عام 1960، كوسيلة لتشكيل هوية الدولة الوليدة.

في حين ساعد استخدامها لقباً للمنتخب الوطني السنغالي في شهرتها، كما ساعد الشعب السنغالي على الالتفاف حول الفضيلة وتقديمها كقيمة سنغالية أصيلة للعالم، وفقاً لما أكده أستو فال جايوهو طالب دكتوراه في قسم الدراسات الثقافية الإفريقية بجامعة ويسكونسن الأمريكية.

Getty Images/ قيمة التيرانغا في الحياة اليومية في السنغال تتخلل العديد من جوانب الحياة، مثل الكرم مع الجميع حتى الغرباء، والعطاء للجميع بغض النظر عن الجنسية أو الدين أو الطبقة
Getty Images/ قيمة التيرانغا في الحياة اليومية في السنغال تتخلل العديد من جوانب الحياة، مثل الكرم مع الجميع حتى الغرباء، والعطاء للجميع بغض النظر عن الجنسية أو الدين أو الطبقة

التيرانغا.. كلما أعطيت أكثر حصلت على المزيد!

وتظهر تيرانغا بشكل خاص في ثقافة الطعام في السنغال، فقد أوضحت ماري كوريا فرنانديز، محاضرة متخصصة في قبائل الولوف في جامعة كانساس، كيف يقوم السنغاليون بتحضير الطعام.

وقالت فرنانديز: "العائلات في السنغال تقوم وهي تطبخ بالاستعداد للزائرين غير المخطط لهم عن طريق صنع وجبة إضافية بشكل دائم من أجل إعطائها للضيف الذي قد يأتي أو للغرباء".

وبالنسبة للضيوف الذين يحضرون وقت الطعام، فإن الطريقة السنغالية في تناول الطعام تجسد روح تيرانغا في المشاركة، تقليدياً، يأكل جميع رواد المطعم من طبق كبير أو وعاء واحد معاً.

كما أنهم يقومون دائماً بإعطاء الضيوف أفضل مكونات الطبق، مثل إزاحة قطع السمك أو اللحوم إلى طرفك، لاعتقادهم بأنهم كلما أعطوا أكثر حصلوا على المزيد؛ وهذه هي التيرانغا.

كما تظهر الاحتفالات المجتمعية أيضاً مبدأ التيرانغا، لأنه عادة ما تكون الأحداث الهامة مفتوحة وشاملة، ولا يمكنهم أن يقولوا لشخص ما لا تأتِ لأن الجميع مدعوون.

أما أحد أكثر المطربين المحبوبين في البلاد وهو "يوسو ندور" فلديه أغنية خاصة تلخص مفهوم "التيرانغا"، يقول في كلماتها: "عندما يأتي شخص ما إلى بلدنا، عند وصوله نرحب به، ونكرمه كثيراً لدرجة أنه يريد البقاء عند موعد مغادرته".

من أين جاء لقب الأسود لمنتخب السنغال؟

أما لقب الأسود فقد جاء من حقيقة أن هناك سلالة شهيرة من الأسود  تعيش في السنغال يطلق عليها اسم "أسد غرب إفريقيا" أو "أسد السنغال"، وهي سلالة نادرة مهددة بالانقراض، إذ تقدر أعدادها بنحو 850 أسداً فقط.

ووفقاً لما ذكرته مجلة National Geographic، فإنه لطالما تمت الإشارة إلى أسد غرب إفريقيا على أنه رمز للشجاعة والقوة، لما تتمتع به هذه السلالة من أجسام قوية وزئير يمكن سماعه من على بعد 8 كيلومترات.

Shutter Stock/ أسد السنغال
Shutter Stock/ أسد السنغال

المنتخب السنغالي في كأس العالم

يشارك المنتخب السنغالي أو منتخب أسود التيرانغا في كأس العالم قطر 2022 للمرة الثالثة في تاريخه.

ففي مشاركته الأولى حقق السنغال مفاجأة تاريخية في مباراة افتتاح البطولة بفوزه على المنتخب الفرنسي المتوج بكأس العالم السابقة 1998 بهدف نظيف.

وواصل نتائجه المذهلة بالتأهل للدور الـ16 الذي تجاوزه أيضاً بالفوز على السويد، قبل أن يخرج من الدور ربع النهائي بالخسارة أمام تركيا بهدف نظيف.

أما مشاركته الثانية فكانت في كأس العالم الماضية روسيا 2018، التي خرج من دورها الأول محتلاً المركز الثالث في مجموعته بفارق  "اللعب النظيف" عن اليابان التي تأهلت للدور التالي، كون لاعبيها حصلوا على بطاقات أقل.

وفي مونديال قطر 2022، تخوض السنغال البطولة بهدف الوصول إلى أبعد مكان ممكن، لا سيما أن القرعة وضعتها في المجموعة الأولى إلى جانب المستضيفة قطر وهولندا والإكوادور.

تحميل المزيد