بات هشام الدكيك اليوم، المدرب الأكثر نجاحاً في المغرب، بعدما قاد المنتخب المغربي لكرة القدم داخل الصالة نحو العالمية، واستطاع في ظرف ست سنوات أن يكتسح جميع الألقاب العربية والافريقية، وبلغ ربع نهائي كأس العالم، قبل أن يتوّج ببطولة العالم للقارات التي جرت أخيراً بتايلاند.
مدرب المنتخب المغربي لكرة القدم داخل الصالة كشف في حوار مع "عربي بوست" عن خطة الاتحاد المغربي من أجل نسخ تجربته داخل المنتخبات المغربية الأخرى لكرة القدم العادية، كما أوضح بعض أسرار نجاحه.
وتحدث هشام الدكيك عن تفضيل اللاعبين المحترفين في كبريات الأندية الأوروبية تمثيل المغرب، رغم إغراءات منتخبات القارة العجوز في بلجيكا وهولندا على الخصوص.
كما تحدث الدكيك عن المعاناة الكبيرة التي عاشها قبل اعتلاء قمة كرة القدم داخل الصالات إفريقياً وعربياً، وأبرز طموحه في المونديال المقبل.
تحدث فوزي لقجع، رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم، عن نقل تجربة منتخب الصالات إلى بقية منتخبات كرة القدم، بصفتك المدرب الذي قاد المنتخب لاعتلاء القمة عربياً وقارياً وبات ضمن المنتخبات الكبرى عالمياً، كيف يمكن حصول ذلك؟
كيفية تسيير وتدبير المجموعة ليس أمراً مقتصراً فقط على كرة القدم، ونحن كمدراء فنيين، نستفيد من مناهج الشركات والمؤسسات الكبرى ونأخذ عنها الطرق العلمية الحديثة في التعامل مع المجموعة كقادة نحو تحقيق النجاح.
الكثير قد يقول إنه ليست هناك علاقة بين الكرة المصغرة داخل الصالات وبين كرة القدم العادية (11 لاعباً)، وهذا حكم خاطئ، فكما استفدت شخصياً من مناهج وطرق الشركات والمؤسسات الكبيرة التي تضم عدداً كبيراً من الموظفين والمستخدمين، يمكن للمنتخبات الوطنية وحتى الأندية أن تستفيد من تجربتنا باعتبارنا حققنا نجاحاً لافتاً، وتُوجنا بألقاب عربية وقارية وعالمية.
فالجانب التدبيري وطريقة تسيير المجموعة أمر مهم، يمكننا أن نفيد به الكرة المغربية، وحينما نتحدث عن استفادة بقية المنتخبات من تجربتنا، فنحن هنا لا نتحدث عن المناهج التكتيكية وطريقة اللعب، نتكلم فقط عن التسيير والتدبير من حيث انتقاء اللاعبين، وعقد التجمعات الإعدادية بنجاح، وطريقة عقد اجتماعات مع اللاعبين وتحفيزهم، وأيضاً كيفية التعامل مع الفيديو التحليلي بطرق حديثة وأيضاً مبتكرة.
فضلاً عن نوعية الخلفية التي يعامل بها الطاقم التقني لاعبي المجموعة، هل يتعلق الأمر بمرجعية أوروبية علمية حديثة؟ أم مرجعية ذات أسس ثقافية مغربية دينية؟ كلها نقاط يمكن أن تفيد المنتخبات المغربية الأخرى في السير في طريق النجاح كما سرنا نحن؛ لأن قيادة اللاعبين تتشابه في جميع المنتخبات والأندية، بغض النظر عن النهج الفني والتكتيكي الذي يبقى أمرا خاصاً بالمدربين.
وحتى إن كان منتخب آخر هو من يحصد الألقاب، سواء في كرة السلة أو كرة اليد وغيرهما من الرياضات الجماعية، كان لزاماً علينا البحث عن سر تألقه ونقل تجربته إلى بقية المنتخبات رغم اختلاف التخصصات، غير أن وسائل التدريب ومنهجية التدريب تبقى موحدة. منتخب الكرة المصغرة منذ ست سنوات وهو في الريادة ومن البديهي تعميم الفائدة على بقية المنتخبات المغربية الأخرى لكرة القدم.
لماذا تفوق المغرب عربياً وقارياً، رغم أن بعض البلدان العربية مثلاً تفوق المغرب من حيث الإمكانيات المادية، وبعض المنتخبات الافريقية تتوفر على مواهب جيدة؟
الجواب عن هذا السؤال، جزء كبير منه يوجد في طيات جوابي عن السؤال الأول؛ لأن الإمكانيات المادية وموهبة اللاعبين وحدهما لن يصنعا منتخباً قوياً، وجب النجاح أولاً في خلق مجموعة متجانسة بطرق صحيحة، في جو صحي يسود جميع التجمعات الاعدادية؛ حيث يشعر اللاعبون بارتياح كبير.
لا أريد الحديث عن العمل الذي أقوم به، لكن يجب التأكيد على ضرورة بذل مجهود كبير لتحقيق الألقاب، وتتبع كل اللاعبين الممارسين في الدوري عبر السفر يومياً بين الملاعب والقاعات، فضلاً عن التكوين المستمر عبر البحث عن كل المستجدات العلمية والفنية والتكتيكية والذهنية في مجال كرة القدم داخل الصالات.
يجب العمل بصدق وأمانة حتى يأتيك التوفيق من الله، وأظن أن الله بارك لنا في عملنا، وهنا أتحدث بمرجعية دينية، وهي مرجعية أستخدمها مع اللاعبين لأننا في نهاية المطاف مغاربة متشبعون بالثقافة الدينية، وحتى اللاعبون الكبار في الملاعب العالمية تجدهم يرسمون الصليب ويصلون قبل بداية المباراة، فلكلٍ مرجعيته وسنده الذي يعتمد عليه، ونحن أولى بالاعتماد على مرجعيتنا الدينية أولاً ثم تعزيزها بالمناهج العلمية التي نشتغل بها.
سفيان الشعراوي القادم من هولندا، قال إنه وجد أجواء في منتخب المغرب، مختلفة تماماً عن التي عاشها مع المنتخب الهولندي، هل هذا الجانب هو أيضاً من أسرار نجاحكم؟
فعلاً، سفيان الشعراوي لاعب كبير وموهوب، وفضَّل تعزيز المنتخب المغربي رغم تشبث المنتخب الهولندي بخدماته، وهذا راجع أساساً إلى الأجواء التي وجدها معنا، ففي هولندا هناك احتراف ومناهج تكتيكية وفنية وبنيات تحتية وإمكانيات مادية عظيمة، لكنه وجد معنا جواً أسرياً لم يتعود عليه في هولندا.
وجد اللاعبين كأخوة له يحمونه ويساندونه، كما لمس أن التعامل سواسية مع الجميع، لا فرق بين اللاعب الرسمي والاحتياطي، كما أننا لا ينقصنا شيء هنا بمنتخب المغرب، لدينا كل الامكانيات أيضاً الفنية منها والمادية، وهي كلها أمور تعطينا القوة وتحفز لاعبي المهجر على اختيار المغرب رغم إغراءات منتخبات الدول الأوروبية التي ترعرعوا في جميع فئاتها العمرية.
هل ستضمّون لاعبين جددلً قادمين من ديار المهجر في أوروبا؟
الباب دائماً مفتوح لكل لاعب موهوب، سواء من أبناء المهجر أو في المغرب، لا نفرق بينهم، وربما هذا أيضاً من أسرار نجاحنا. لقد استطعنا خلق مجموعة متجانسة بغض النظر عن الأقدمية في المنتخب أو الرسمية أو لاعب محلي وآخر محترف، الأسبقية دائماً للاعب الجاهز والجميع متفق على هذا الأمر.
تواصلت أخيراً مع سبعة لاعبين جدد قادمين من أوروبا سيعززون صفوفنا في المرحلة المقبلة، لا أريد كشف أسمائهم حالياً حتى نكمل جميع الإجراءات الإدارية بخصوص تأهيلهم لتحويل جنسيتهم الرياضية وتمثيل المغرب.
النجاح الذي تعيشه كرة القدم داخل الصالات في المغرب ارتبط دائماً بهشام الدكيك، ألا تخشون انهيار كل شيء بعد رحيلكم عن المنتخب المغربي لسبب من الأسباب؟
نجاح كرة القدم داخل الصالات في المغرب، كان مرتبطاً بي، لكنني قررت أن الأمر لا يجب أن يظل مرتبطاً بشخص معين؛ لذلك عملت على إعادة الهيكلة، وأضفنا منتخبات الفئات السنية ذكوراً وإناثاً، ولله الحمد، اليوم بات لدينا جميع الفئات العمرية ونسير وفق منهجية موحدة.
إذا ظل نجاح كرة القدم داخل الصالات في المغرب مرتبطاً بهشام الدكيك، فسيكون ذلك فشلاً ذريعاً وليس نجاحاً؛ لأنني سأغادر يوماً ما، ولا يجب أن أخلف ورائي الأنقاض، يجب أن يظل النجاح مستمراً معي أو مع غيري؛ لذلك قمنا بمعالجة الهيكلة ووضعنا البرامج التي ساعدتنا نحن في بلوغ القمة.
كما قمنا بتكوين المدربين في هذا المجال وبات لدينا اليوم 15 مدرباً متخصصاً، يشتغلون في التكوين وفي الفئات السنية، المبنية على أسس قوية، حتى لا يحدث معنا كما حدث مع بعض الرياضات الجماعية الأخرى التي انهارت بمجرد رحيل مدرب أو مسؤول كان مصدر نجاحها.
بعدما لمع اسمك في عالم كرة القدم داخل الصالات، انهالت عليك عروض مغرية لتدريب منتخبات عربية وآسيوية، قابلتها بالرفض، لماذا؟
أرفض الرحيل عن المنتخب المغربي لأجل المال، ولم يحن بعد موعد مغادرتي، قطعنا أشواطاً مهمة في تنمية اللعبة ببلادي، وفزنا بالعديد من الألقاب وارتقينا في ترتيب "فيفا" إلى المركز التاسع بدل 110، كما كان عليه الحال سابقاً، أتمنى رؤية هذا الجيل من اللاعبين يوماً ما وهو يشرف على تدريب أندية ومنتخبات مغربية، لأنهم يملكون كل المؤهلات، وبعدها سأرحل وأنا مرتاح البال.
هل يمكننا القول دون "حرج" أن منتخب المغرب بلغ العالمية؟
بدرجة كبيرة نعم يمكننا قول ذلك، رغم أن هناك منتخبات يصعب الوصول إلى مستواها الفني، كما أن إمكانياتها المادية تفوق التي نتوفر عليها. المنتخب المغربي الحالي قوي، والأكثر من ذلك، هناك انسجام كبير بين اللاعبين، وهو ما جعلنا نتوج بكأس العرب، وكأس إفريقيا، وكأس العالم للقارات، لكننا نحتاج للوصول إلى العالمية، إلى أن يكون العمل قاعدياً، وأن يشمل جميع الفئات العمرية، كما يجب توفير صالات مناسبة في جميع المدن والمناطق بالمغرب، وتطوير الرياضة المدرسية وغيرها، فالألقاب ليست وحدها مؤشراً على الوصول للعالمية.
وفنياً، ما زلنا بحاجة ماسة إلى لاعبين متخصصين في المحور "بيفو" كما نواجه خصاصاً في حراسة المرمى ولاعبين يتقنون التسديدات من مسافات بعيدة، نحن نشتغل على هذا منذ عدة سنوات.
ما هي الأهداف المسطرة بعد مستقبلاً؟
سطرت أهدافاً حسب طريقة اشتغالي من الناحية الفنية، لكن الرئيس فوزي لقجع رفع سقف طموحنا ووضع بلوغ دور المربع الذهبي بالمونديال المقبل كهدف وجب العمل على تحقيقه، في العام 2020 كنا في الرتبة 35 عالمياً، واليوم نرى أنفسنا أننا وصلنا إلى الرتبة التاسعة عالمياً، وهو ما يفرض علينا العمل بجد كبير لبلوغ نصف نهاية المونديال، وما أتمناه أن نبقى ضمن الثمانية الأوائل عالمياً، سيما أن بعض اللاعبين اقتربوا من سن الاعتزال، والبقاء في القمة أصعب من صعودها.
سمعنا الكثير عن معاناتك قبل تحقيق كل هذا النجاح؟
لا بد من تقديم تضحيات كثيرة من أجل النجاح، ويعتقد كثيرون أن الأمر هيّن بعد التتويج بلقب ما، ما لا يعرفونه أنه ثمرة مجهودات مضنية وتضحيات جسام، لقد عانينا الأمرّين لأجل التلذّذ بلحظات التتويج بالألقاب.
أردت تقديم شكري لرئيس الاتحاد المغربي في أحد الاجتماعات فإذا بي أنهار باكياً فجأة، تذكرت في تلك اللحظة حجم المعاناة، التي تكبدناها من قبل؛ إذ لم تكن كرة القدم داخل القاعة ضمن الأولويات، كنا ننتظر إلى حين اقتراب موعد منافسة قارية لنشرع في الاستعداد لها، مع أنه يفترض الشروع في الاستعدادات قبل سنتين على الأقل. لا أريد أن أعاتب أي شخص أو مسؤول، فقط أردت أن أؤكد للجميع أن النجاحات والإنجازات لا يمكن تحقيقها دون تكبد العناء وتقديم التضحيات.