في أول 3 بطولات من كأس العالم، لم يستطع الاتحاد الدولي لكرة القدم إقناع إنجلترا بالمشاركة في المونديال، إذ كان مُنتخب الأسود الثلاثة يرى أنه أكبر من جميع المنتخبات التي تشارك، وأن بطولة "البيت البريطاني" التي كانت تجري بين إنجلترا واسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية هي أقوى من كأس العالم، سيما أنها تعتبر أقدم بطولة كرة قدم للاتحاد الدولي.
مونديال البرازيل 1950.. عندما استطاعت أمريكا الفوز على إنجلترا!
في رابع بطولة كأس عالم، وتحديداً مونديال البرازيل 1950، التي تعتبر أول بطولة جرت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وافق الإنجليز على المشاركة في البطولة والتي دخلوها بثقة كبيرة على أنهم سيكونون أبطالها.
وقعت إنجلترا في المجموعة الثانية، التي ضمتهم إلى جانب كلاً من: إسبانيا، وتشيلي والولايات المتحدة الأمريكيّة.
استطاع الإنجليز في أولى مبارياتهم الفوز على تشيلي بنتيجة 2-0، ما أعطاهم الثقة على أن مباراتهم القادمة ضد المنتخب الأمريكي ستكون في المتناول أيضاً، سيما أن الأخير فريقه مؤلف من مجموعة لاعبين هواة، وقد خسروا في مباراتهم الأولى أمام الإسبان.
في الـ25 من يونيو/حزيران 1950، وفي مدينة هوريزونتي وهي مدينة تعدين مُحاطة بالتلال في البرازيل، جرت المباراة بين إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.
كان الفريق الإنجليزي في ذلك الوقت، المعروف باسم "ملوك كرة القدم"، قد حقق رقماً قياسياً من 23 انتصاراً، وأربع خسائر وثلاثة تعادلات في السنوات التي تلت انتهاء الحرب العالمية الثانية.
بينما كان لاعبوه من لاعبي كرة قدم محترفين يلعبون بطولات الدوري المحلية في إنجلترا.
منتخب أمريكا مؤلف من منظفي أطباق وعمال بريد وعامل مطحنة!
أما المنتخب الأمريكي، فكان قد خسر آخر سبع مباريات دولية، كما تم تجميع الفريق الأمريكي على عجل قبل أيام قليلة من المباراة ضد إنجلترا.
كان المنتخب يضم في صفوفه لاعبين هواة فقط، من بينهم مَن كان يعمل في غسل الأطباق، واثنان من سعاة البريد، وعامل مطحنة، حتى إن صحيفة Belfast Telegraph البريطانية وصفتهم بأنهم "عصابة لا أمل لهم بالفوز"، وذلك لأن بعض اللاعبين كانوا مهاجرين حديثاً إلى أمريكا، فيما وصفتهم صحيفة بريطانية أخرى بأنهم "أغرب فريق شوهد في كأس العالم على الإطلاق".
حتى حلول وقت المباراة كان وكلاء المراهنات قد منحوا البريطانيين احتمالات 3-1 للفوز بكأس العالم، مقارنة بـ1500 للأمريكيين.
كان البريطانيون متأكدين جداً من فوزهم السهل؛ لدرجة أن نجمهم ستانلي ماثيوز، الذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه الأفضل في العالم، كان يجلس على دكة الاحتياط للراحة.
فيما يبدو أن المدرب الأمريكي المُعين حديثاً، بيل جيفري، اتفق معهم، وقال لمراسل بريطاني "ليس لدينا فرصة" وفقاً لما ذكره موقع History الأمريكي.
هجوم إنجليزي ساحق، وفرصة أمريكيّة وحيدة كانت كافية للحسم!
بدأت المباراة، واتخذ الأمريكيون كما كان متوقعاً وضعية الدفاع، وسط هجوم إنجليزي ساحق، لكنّ الحارس فرانك بورجي تمكن من إبعادها جميعاً.
وقبل 10 دقائق من نهاية الشوط الأول، استطاع لاعب الوسط الأمريكي والتر باهر تمرير الكرة من مسافة 25 ياردة لتصل إلى المهاجم الهاييتي المولد جو جيتجنز ليضعها في مرمى الإنجليز من خلال ضربة رأس.
رد المنتخب الإنجليزي بشوط ثاني ناري، لكنّ ولا كرة استطاعت تجاوز بورجي، لتنتهي المباراة بخسارة "ملوك كرة القدم الإنجليزي" أمام فريق "الهواة الأمريكي".
ولسوء الحظ أنّ مسجل هدف الفوز جو جيتجنز عاد في وقت لاحق إلى بلده الأصلي "هاييتي" ليختفي وسط ظروف غامضة خلال حكم الديكتاتور فرانسوا دوفالييه.
المشجعون في إنجلترا لم يصدقوا أنّ منتخبهم خسر!
بعد نهاية المباراة، وصلت نتيجة المباراة إلى المشجعين الإنجليز في المملكة المتحدة، ولم يستوعبوا أنّ الأمريكيين تغلبوا عليهم في "لعبتهم".
أما محررو الصحف في لندن فظنوا أن هناك خطأ مطبعياً في الرسائل التي وصلتهم، وطبعوا النتيجة على أنها 10-1 لصالح إنجلترا.
في غضون ذلك، بالكاد أحدث الفوز غير المتوقع تحركاً في الولايات المتحدة الأمريكية.
حتى إن الصحفي الأمريكي "دنت مكسيمينغ" وهو الوحيد الذي سافر للبرازيل، قال لاحقاً: "إن الانتصار الأمريكي كان كما لو أن جامعة أكسفورد أرسلت فريق بيسبول إلى هنا وتغلبت على فريق يانكيز".
أما السبب فإن كرة القدم لم تكن تستحوذ على نفس قاعدة المعجبين الأمريكيين مثل كرة القدم الأمريكية أو البيسبول أو كرة السلة، ولا تزال حتى يومنا هذا.
في حين مر 16 عاماً قبل أن تفوز إنجلترا بلقبها الأول والوحيد في كأس العالم، في غضون ذلك، لم تظهر الولايات المتحدة في المونديال حتى عام 1990.
وفي 12 يونيو/حزيران 2010، التقى الفريقان مرة أخرى في كأس العالم في روستنبرغ بجنوب إفريقيا.
المباراة التي كانت خامس أكثر مباراة كرة قدم مشاهدة في تاريخ الولايات المتحدة، انتهت بالتعادل، مما ترك كلا الجانبين لمواصلة معركتهما التاريخية.
مونديال 1950.. أول مونديال بعد الحرب العالمية الثانية
بعد توقف دام 12 عاماً بسبب الحرب العالمية الثانية، قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم تعويض بطولتي 1942 و1946 وقاموا بالبحث عن دولة لاستضافة تلك البطولة ولكنهم فشلوا في الوصول لأي دولة أوروبية تستضيف الحدث بعد الحرب.
كما خشي الاتحاد الدولي من عدم الحصول على موارد كافية لتنفيذ تلك البطولة، إلى أن تقدمت البرازيل بطلب الاستضافة بشرط أن تقام عام 1950 بدلاً مما كان مقرراً في 1949.
انسحابات بالجملة، والهند رفضت لإلزام لاعبيها بارتداء أحذية
وعلى الرغم من ذلك، كانت هناك سلسلة طويلة من الانسحابات، بدأت بمنتخب إيطاليا الذي كان عليه المشاركة بصفته بطل النسخة السابقة، إلى أن تم إقناعه بالمشاركة في النهاية واضطر الاتحاد الدولي لكرة القدم لتحمل مصاريف سفر المنتخب الإيطالي للبرازيل وإقامته هناك.
في حين لم يكن يسمح لألمانيا واليابان بالمشاركة في البطولة لأنهما كانتا لا تزالان محتلتين، فيما رفض الاتحاد السوفييتي والمجر وتشيكوسلوفاكيا وفرنسا المشاركة.
بينما انسحبت الأرجنتين بعد خلاف مع الاتحاد البرازيلي لكرة القدم.
أما الهند التي تأهلت إلى مونديال كأس العالم بعد انسحاب المنتخبات الثلاثة في القارة الآسيوية وهي: بورما، والفلبين، وإندونيسيا، فرفضت المشاركة بسبب الزام فيفا بارتداء الأحذية الرياضية بدلاً من لعب كرة القدم وهم حفاة.
أما المثير للفضول هو أن هذا المونديال كان أول كأس عالم يرتدي فيها اللاعبون أرقاماً على ظهورهم.
لم تكن هناك مباراة نهائية وإنما مجموعة!
على عكس البطولات السابقة، لم يكن هناك أدوار نصف نهائي ونهائي، وإنما جرى بشكل مختلف لأول وآخر مرة في تاريخ المونديال.
وضمّ الدور الأول 4 مجموعات، الأولى مكونة من 4 منتخبات، والثانية 4 مُنتخبات، والثالثة 3 منتخبات، والرابعة ضمت على نحو غريب منتخبين فقط هما أوروغواي وبوليفيا، في خطوة رآها البعض أنها ساعدت منتخب أوروغواي بالفوز بالبطولة لخوضه مباريات أقل من المنتخبات الأخرى.
وجرت البطولة على أساس تأهل أبطال كل مجموعة إلى الدور النهائي الذي جرى على أساس مجموعة واحدة من 4 منتخبات تلعب مع بعضها البعض، يفوز في النهاية من يحصد نقاطاً أكثر.
في النهاية توّج الأوروغواي باللقب بعد أن حصد 5 نقاط من فوزين وتعادل (الفائز كان يحصل على نقطتين)، فيما حل البرازيل ثانياً برصيد 4 نقاط والسويد ثالثاً بنقطتين وإسبانيا رابعاً برصيد نقطة وحيدة.