بينما كان العالم في قبضة الموت عندما حلَّ أسوأ كساد اقتصادي في التاريخ في صيف عام 1934، استضافت إيطاليا الفاشية كأس العالم لأول مرة في تاريخها.
أبرز أحداث كأس العالم 1934 في إيطاليا
على الرغم من أن مفهوم كأس العالم في ذلك الوقت لم يكن مثلما هو اليوم، فإنّ الاهتمام بالبطولة كان لا يزال ظاهرة حديثة، فكانت السياسة تلعب دوراً مهماً فيه، كما رفضت مُنتخبات كُبرى المشاركة مثل إنجلترا التي كانت نفسها أكبر من هذه البطولة.
في حين كانت هذه النسخة الأولى والوحيدة التي يتعين على مستضيف البطولة خوض تصفيات للمشاركة فيها، إضافة إلى أنها كانت أول وآخر بطولة يغيب عنها بطل العالم السابق عن المشاركة.
فيما يلي لمحة عن أبرز الأحداث التي شهدتها بطولة كأس العالم 1934 في إيطاليا:
كأس العالم 1934.. دعاية فاشية أم حب كرة القدم؟
بعدما رشحها الاتحاد الدولي لكرة القدم إثر انعقاد مؤتمر برلين في أكتوبر/تشرين الأول 1932، وبعدما اجتمعت اللجنة التنفيذية التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم ثماني مرات في أستوكهولم، تقرر ترشيح إيطاليا لاستضافة ثاني بطولة كأس العالم 1934، وتفضيلها عن السويد.
أما سبب تفضيل إيطاليا عن السويد، فقد كان تخصيص الحكومة الإيطالية الفاشيّة آنذاك، مبلغ 3.5 مليون ليرة إيطالية كميزانية مخصصة للبطولة فقط.
كانت الثلاثينيات عقد الفاشية في أوروبا، وكانت إيطاليا حاملة لواء هذا الشكل الجديد من الحكومة.
كان اختيار إيطاليا كدولة مضيفة محفوفاً بالمكائد السياسية وشائعات الترهيب والدفع غير القانوني.
ففي وقت مبكر من عام 1930، قام سكرتير الاتحاد الإيطالي لكرة القدم، جيوفاني ماورو ، بجهد للضغط غير الرسمي نيابة عن الحكومة الفاشية للتأكيد أن الحكومة الإيطالية سوف تتكفل بأي خسائر قد يتم تكبدها خلال البطولة، فقط من أجل استضافتها.
كان "الدوتشي" بينيتو موسوليني يقود الأمة إلى منطقة مجهولة بآلته الدعائية التي لا هوادة فيها، وتم تبني الترويج لكرة القدم كرمز وطني لتفوق الفاشيّة.
سواء لعبت الفاشية دوراً كبيراً في تطوير لاعبي كرة القدم المشكوك فيهم أم لا، لكنها لعبت بالتأكيد دوراً رئيسياً في بناء الملاعب والنقل الجماعي للجماهير لحضور المباريات.
ووفقاً لما ذكره موقع These Football Times، فقد كان موسوليني نفسه من أتباع كرة القدم، ورأى قوتها في التواصل مع الناس العاديين.
ويزُعم أن موسوليني كان يروّج لنظرية مفادها أن الإلهام الحقيقي للعبة "كرة القدم" جاء من اللعبة الإيطالية الوحشية المعروفة باسم "كالتشيو فيورنتينو"، والتي يتم التنافس عليها تقليدياً في ساحة سانتا كروتش في فلورنسا من قبل مجموعات من الرجال المسلحين بأسلحة خفيفة، يشقون طريقهم عبر بعضهم البعض لتسجيل هدف باستخدام اليد.
لقد ذهب إلى حد بث فيلم وثائقي على الراديو حول الأصول "الحقيقية" لكرة القدم في إيطاليا من القرن الـ16 قبل مباراة النهائي مباشرة.
تجنيس لاعبين من الأرجنتين للعب في المنتخب الإيطالي!
بما أن موسوليني كان يرى أن كأس العالم فرصة سانحة له لإثبات قوة الفاشية الإيطالية، فقد كان مستعداً لفعل أي شيء لتتويج منتخب بلاده بالبطولة، حتى إنه وافق على تجنيس 4 لاعبين أرجنتينيين بارزين للعب مع إيطاليا، إضافة إلى لاعب برازيلي وهم: لويس مونتي، وريموندو أروسي، وإنريكي غوايتا، أتيليو ديماريا ولاعب من البرازيل هو ماركيس.
المنتخب المُضيف شارك بالتصفيات المقامة لأول مرة
يُعتبر مونديال إيطاليا 1934، أول مونديال يلعب به تصفيات مؤهلة، وذلك بعد أن قررت 32 دولة المشاركة في البطولة، وبالتالي تقرر إجراء التصفيات لاختيار 16 فريقاً فقط، ولم يُستثنَ المُنتخب الإيطالي من تلك التصفيات.
كان نظام التصفيات الأوروبية مُعقداً بعض الشيء، بعض المجموعات ضمت 3 منتخبات ومجموعات أخرى ضمت منتخبين فقط، وفي المحصلة تأهلت إيطاليا التي كانت في المجموعة الثالثة، بتفوقها على اليونان في مباراة الذهاب بـ4 أهداف نظيفة، قبل أن تنسحب الأخيرة من مباراة الإياب.
وفي المجموعة الأولى تأهلت السويد على حساب ليتوانيا وإستونيا، وفي المجموعة الثانية تأهلت إسبانيا على حساب البرتغال، والرابعة تأهل منتخبان هما المجر والنمسا على حساب بلغاريا التي احتلت المركز الثالث والأخير، أما في المجموعة الخامسة فقد تأهلت تشيكوسلوفاكيا على حساب بولندا، وسويسرا ورومانيا عن المجموعة السادسة على حساب يوغسلافيا.
أما المجموعة السابعة فقد تأهل منها كل من هولندا وبلجيكا على حساب أيرلندا، وفي الثامنة ألمانيا وفرنسا على حساب لوكسمبورغ.
وفي المجموعة الثامنة تأهلت البرازيل على حساب بيرو المنسحبة، كذلك الحال تأهلت الأرجنتين على حساب تشيلي في المجموعة التاسعة، والولايات المتحدة على حساب المكسيك في المجموعة العاشرة، ومصر على حساب فلسطين وتركيا المنسحبة.
وبالتالي فقد كان رصيد المنتخبات الأوروبية المشاركة في مونديال إيطاليا 12 منتخباً مقابل 4 منتخبات فقط من باقي القارات، التي تأهل عنها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والأرجنتين ومصر.
غياب بطل العالم السابق عن المونديال
بالإضافة إلى ذلك، رفضت بطلة العالم السابقة "الأورغواي" الدفاع عن لقبها، وعزفت عن المشاركة في مونديال إيطاليا 1934، إذ شعرت بالإهانة من قبل الدول الأوروبية التي رفضت السفر إلى مونتيفيديو للمشاركة في الكأس الأولى وشعرت أن بلادها لا تُحترم.
ولذلك فإن هذه البطولة هي البطولة الوحيدة التي لا يشارك فيها حامل اللقب.
استمرار غياب إنجلترا لاعتقادها أنها أكبر من المنتخبات الأخرى!
من جهتها، رفضت المنتخبات البريطانية، المُتمثلة في إنجلترا وويلز وأسكتلندا وأيرلندا الشمالية المشاركة في المونديال، وواصلت تكبرها لاعتقادها أنها أكبر من المشاركة في مثل تلك المسابقات.
ورغم ذلك فقد كانت هناك محادثات لإقناع الإنجليز بالمشاركة، لكنهم شعروا بالإهانة عندما طُلب منهم خوض التصفيات.
وقال عضو الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم تشارلز سوتكليف حينها إنَّ البطولة التي تجمع بين هذه المُنتخبات الأربعة هي بطولة العالم الحقيقية.
كيف كانت نتائج مباريات كأس العالم 1934 في إيطاليا؟
كانت هناك 8 فرق مصنفة وهي الأرجنتين والبرازيل وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا والمجر، وبالتالي تجنبهم لمواجهة بعضهم البعض في الدور الأول.
على عكس ما جرى في مونديال الأوروغواي 1930، لم تبدأ البطولة بنظام المجموعات، وإنما بدأت فوراً بنظام خروج المغلوب، وقد جرت المباريات الـ8 جميعها في ذات التوقيت، وجاءت نتائجها على الشكل التالي:
المجر 4 – 2 مصر
السويد 3 – 2 الأرجنتين
سويسرا 3 – 2 هولندا
إسبانيا 3 – 1 البرازيل
النمسا 3 – 2 فرنسا
تشيكوسلوفاكيا 2 – 1 رومانيا
إيطاليا 7 – 1 الولايات المتحدة الأمريكية
ألمانيا 5 – 2 بلجيكا
الدور ربع النهائي من مونديال إيطاليا 1934
إيطاليا 1 – 1 إسبانيا / إيطاليا 1 – 0 إسبانيا في مباراة الإعادة.
النمسا 2 – 1 المجر
ألمانيا 2 – 1 السويد
تشيكوسلوفاكيا 3 -2 سويسرا
الدور نصف النهائي من مونديال إيطاليا 1934
تشيكوسلوفاكيا 3 – 1 ألمانيا
إيطاليا 1 – 0 النمسا
الدور النهائي من مونديال إيطاليا 1934
إيطاليا 2 – 1 تشيكوسلوفاكيا
جدل تحكيمي ساهم بتتويج الآزوري!
اشتهر مونديال إيطاليا 1934 بأنه مونديال المهازل التحكيمية لصالح أصحاب الأرض إيطاليا، سيما مباراة ربع النهائي بين المنتخب المضيف وإسبانيا، والتي عُرفت باسم "معركة بيرتا"، فقد ألغى الحكم السويسري هدفين لإسبانيا في مباراة الإعادة، كما كانت هناك شائعات عن مخالفات من قبل الحكم في الفترة التي سبقت النهائيات في العديد من المباريات، ومع ذلك لم يتم إثبات أي شيء في النهاية.
كما شهدت تلك المباراة أعمال العنف التي ارتكبها كلا الطرفين، اضطر العديد من اللاعبين إلى إبعادهم عن الملعب ولم يتمكن أحد اللاعبين الإيطاليين ماريو بيتزيولو، الذي أصيب بكسر في ساقه في المباراة، من اللعب مع المنتخب الآزوري مرة أخرى.
أما في مباراة نصف النهائي بين التشيك والألمان فقد كانت محفوفة بالجدل، إذ رأى الكثيرون أن الحكم الإيطالي رينالدو بارلاسينا قاد المباراة نحو نتيجة إيجابية للجانب التشيكي الأضعف، لضمان فوز منتخب بلاده في المباراة النهائية.
خروج مصري مشرّف!
خرجت مصر مرفوعة الرأس من الدور الأول بخسارتها أمام المجر القوية آنذاك 2-4، إذ لم تكن مصر صيداً سهلاً للمنتخبات التي كانت تلاقيها قبيل كأس العالم 1934، فكان لها فريق قوي ومنظّم شارك بنسختي أولمبياد 1924 و1928، وحقق فيهما نتائج تاريخية عندما فاز على المجر 3-0، والبرتغال 2-1، وتركيا 7-1.
المباراة النهائية ونصر موسيليني
في العاشر من يونيو/حزيران 1934 على ملعب ناسيونالي بروما احتشد أكثر من 50 ألف متفرّج تحت أنظار الرئيس الإيطالي بينيتو موسوليني.
في اليوم السابق للمباراة كانت الحكومة التشيكوسلوفاكية قد أعلنت أنها ستتحالف مع الاتحاد السوفييتي، فيما كان يُنظر إلى الاتفاقية الشيوعية على أنها حركة مناهضة للفاشية وبادرة رمزية للفلسفات السياسية المتنازعة، وهو ما جعل هذه المباراة بمثابة صراع بين قوى الشيوعية والفاشية.
في يوم المباراة النهائية، كان الدوتشي موسوليني وجميع المسؤولين رفيعي المستوى في الحزب الفاشي حاضرين، وكذلك ممثلو ألمانيا النازية التي فاز منتخبها في اليوم السابق بالمركز الثالث على حساب النمسا، إضافة إلى تشيكوسلوفاكيا الشيوعية.
أدى الحكم السويدي ومساعداه التحية الفاشية للزعيم موسوليني قبل صافرة اللقاء الذي جمع أصحاب الأرض مع تشيكوسلوفاكيا، حيث تقدّمت الأخيرة بهدف قاتل قبل نهاية المباراة بـ14 دقيقة فقط، وكادوا أن يسجلوا الثاني بعده بدقائق لولا تدخل القائم الذي حرمهم من ضمان الفوز.
ومع اقتراب نهاية المباراة استطاع اللاعب الأرجنتيني المجنّس أورسي تسجيل هدف التعادل الذي قاد المباراة إلى وقت إضافي، استطاع الطليان تسجيل هدف ثانٍ أنهوا به المباراة وفازوا باللقب.
على الرغم من وجود نسخة من كأس "جول ريميه"، فإنّ موسيليني تجاهل الأمر وقدّم في البداية كأسه الخاصة به التي عُرفت باسم "كأس ديل دوتشي" من أجل تقزيم جائزة فيفا.