مع بدء العدّ التنازلي لانطلاق بطولة كأس العالم قطر 2022، وبعيداً عن الأخبار المُتعلقة بالمنتخبات المشاركة في هذه النسخة، دعونا نتعمق قليلاً في تاريخ البطولة ونعُد إلى الوراء 92 عاماً، وتحديداً إلى أوّل نسخة أقيمت من بطولة كأس العالم.
اقرأ أيضاً
أول بطولة كأس عالم في التاريخ
صحيح أنّ الألعاب الأولمبيّة الصيفية كانت آنذاك تضم بالفعل مسابقة "كرة القدم"، لكنّ النسخة التي كانت مقررة في لوس أنجلوس الأمريكية في العام 1932 كانت ستجري من دون مسابقة كرة القدم لعدم اهتمام الشعب الأمريكي بهذه اللعبة.
ولذلك شرع رئيس فيفا جول ريميه في التفكير بتنظيم بطولة كأس العالم في العام 1930.
وبما أنّ الأوروغواي كانت بطلة النسختين السابقتين من بطولة كرة القدم في الألعاب الأولمبية الصيفية، وبما أنّها كانت ستحتفل في العام 1930 بمرور 100 عام على استقلالها، وجد جول ريميه فرصة سانحة لجعلها تستضيف أول مسابقة كأس عالم، وفقاً لما ذكره موقع History التاريخي.
كانت أوروغواي قد توّجت بأولمبياد باريس 1924 على حساب سويسرا بنتيجة 3-0، وفي أولمبياد أمستردام 1928 على حساب الأرجنتين بنتيجة 2-1 في مباراة الإعادة بعد انتهاء المباراة الأولى بالتعادل 1-1.
اقرأ أيضاً
لم تكن هناك تصفيات وغابت مُعظم المنتخبات الأوروبية!
كأس العالم في ذلك الوقت كانت مُجرد "فكرة" لها احتمالان، إما النجاح وإما الفشل، ولذلك لم تكن المشاركة في أول نسخة محط أنظار المنتخبات؛ سيما الأوروبية التي وجدت أنّ السفر إلى الأورغواي هو مجرّد رحلة طويلة تستمر 3 أسابيع على متن سفينة تعبر الأطلسي ومُكلفة أيضاً.
وبالتالي لم تكن هناك أي تصفيات للمنتخبات التي ستشارك في أول بطولة كأس عالم في التاريخ، بل على العكس تماماً فقد وجد جول ريميه مؤسس البطولة صعوبة بالغة في إقناع المنتخبات في قارة أوروبا التي كانت تعاني بسبب المشاكل الاقتصادية، إضافة إلى مخاوف اللاعبين من فقدان وظائفهم التي كانت تعينهم في حياتهم اليومية.
في نهاية المطاف استطاع جول ريميه إقناع 4 منتخبات أوروبية فقط للمشاركة وهي فرنسا ورومانيا ويوغسلافيا وبلجيكا.
في المجموع، شاركت 13 دولة – 7 من أمريكا الجنوبية و4 من أوروبا و2 من أمريكا الشمالية، وقد تمت تسميتها بكأس "جول ريميه" على شرف رئيس فيفا الذي كافح لإنشائها.
وبذلك كانت هذه النسخة هي الأولى والأخيرة في تاريخ كأس العالم التي يشارك فيها مُنتخبات من أمريكا الجنوبيّة أكثر من منتخبات أوروبا.
اقرأ أيضاً
ملك رومانيا هو من اختار لاعبي منتخب بلاده!
كان الملك كارول الثاني، ملكاً مجنوناً بكرة القدم، فعلى الرغم من أنّه تولى حكم البلاد قبل أيام 35 يوماً فقط من انطلاق مونديال الأوروغواي 1930 وعلى الرغم من انتهاء المهلة الممنوحة للمنتخبات لإعلان مشاركتها في أول بطولة كأس عالم في التاريخ، فإن الملك كارول استطاع إقناع فيفا بمشاركة منتخب بلاده.
وعلى الفور، أصدر الملك كارول عفواً عن جميع اللاعبين الموقوفين عن جرائم تتعلق بكرة القدم.
وبدلاً من الوثوق بالمدرب كوستيل رادوليسكو لاختيار لاعبي المنتخب المشاركين، قرر الملك اختيار اللاعبين بنفسه، وفقاً لما ذكره الموقع الرسمي لفيفا.
أبرز اللاعبين الذين اختارهم الملك، كانوا يعملون في شركة نفط إنجليزية، التي رفضت بدورها منحهم إجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر ضرورية للمشاركة في البطولة، وحذرت من أن أي شخص يسافر إلى الأوروغواي لن يكون لديه وظيفة ليعود إليها.
فتدخل الملك كارول الثاني، واتصل برئيس الشركة وأصر على أنه سيغلقها ما لم يرضخوا لطلبه، وهو ما حدث في نهاية المطاف.
تجدر الإشارة إلى أنّ مرسومه بمنح لاعبي كرة القدم إجازة مدفوعة الأجر، كانت أحد أهم الإنجازات في عهده، إذ أصبح فيما بعد ديكتاتوراً قبل أن يُنفى إلى القارة الأمريكية، حيث ظهر فريقه لأول مرة في كأس العالم.
اقرأ أيضاً
صاحب أول هدف في تاريخ كأس العالم كان عاملاً في شركة سيارات!
"بالطبع، في ذلك الوقت لم أكن أتخيل أهمية الهدف، لم نكن نعرف حتى أن كأس العالم ستستمر، أتذكر عندما وصلت إلى المنزل، كان هناك كلام ضئيل في إحدى الصحف عن الهدف، كانت كرة القدم في مهدها".
هذا ما قاله في- إحدى المقابلات- اللاعب الفرنسي لوسيان لوران، صاحب أول هدف سُجل في تاريخ كأس العالم.
لم يكن لدى لوسيان لوران، الذي سافر إلى كأس العالم في عام 1930 أي أدنى فكرة عن قيمة الهدف الذي سجله في الدقيقة 19 للمرة الأولى في مرمى المكسيك في ملعب بوسيتوس، في مونتيفيديو، وكان ذلك في يوم 13 يوليو/تموز 1930.
كان لوسيان لوران خلال فترة إقامة مونديال الأوروغواي، موظفاً في شركة "بيجو" الفرنسيّة للسيارات، وقال اللاعب الفرنسي عن ذلك وفقاً لما ذكره موقع First Post: "مثل كثيرين آخرين، حصلت على إجازة من شركة بيجو، لكنها لم تكن مدفوعة الأجر".
يُذكر أن لوران أمضى 3 سنوات كأسير حرب عندما تم أسره في ساكسونيا من قبل الألمان الذين سرقوا أيضاً قميصه الذي كان يلعب به في المونديال، كما يعتبر اللاعب الوحيد من الفريق الفرنسي الذي لعب في مونديال 1930 الذي بقي على قيد الحياة وشاهد المنتخب الفرنسي يتوّج بلقب كأس العالم 1998 على أرضها.
اقرأ أيضاً
مباريات مونديال الأورغواي 1930 وحضور 93 ألف متفرج لمشاهدة المباراة النهائية
تمّ تقسيم المنتخبات الـ13 المشاركة في أول بطولة كأس عالم في التاريخ إلى 4 مجموعات، ضمّت كل واحدة منها 3 منتخبات عدا الأولى التي ضمّت 4 منتخبات، وكانت على الشكل التالي:
المجموعة الأولى: الأرجنتين، تشيلي، فرنسا، المكسيك.
المجموعة الثانية: يوغسلافيا، البرازيل، بوليفيا.
المجموعة الثالثة: الأوروغواي، رومانيا، بيرو.
المجموعة الرابعة: الولايات المتحدة الأمريكية، الباراغواي، بلجيكا.
تأهل متصدر كل مجموعة منها إلى الدور نصف النهائي الذي شهد المواجهة الأولى للأرجنتين ضد الولايات المتحدة وانتهت بفوز التانغو بـ6 أهداف سجلها لويس مانتي، وأليخاندرو سكوبيلي، وجوليبيو ستاميل (هدفين)، وكارلوس بيوسيلي (هدفين)، مقابل هدف وحيد للأمريكان سجّله جيمس براون بآخر دقائق المباراة.
وفي المباراة الثانية، فاز المنتخب المضيف الأوروغواي على يوغسلافيا أيضاً بـ6 أهداف تناوب على تسجيلها كل من بيدرو سيا (هاتريك) وبيليغرين أنسيلمو (هدفين) وفيكتوريانو سانتوس أريارتي مقابل هدف واحد لليوغسلاف سجّله برانيسلاف سيكوليتش.
أما في المباراة النهائية التي شهدت حضور 93 ألف متفرج على مدرجات ملعب "Estadio Centenario" في مونتيفيديو فقد استطاع منتخب الأوروغواي التتويج بأول لقب في بطولة كأس العالم بالفوز على جاره اللدود منتخب الأرجنتين بنتيجة 4-2.
سجّل للأورغواي كل من بابلو دورادو، وبيدور سيا وفيكتوريانو سانتوس أريارتي، وهيكتور كاسترو، فيما سجّل للأرجنتين كارلوس بيوسيلي وجوليرمو ستابيل.
وشهد اليوم السابق من المباراة النهائية التي جرت في 30 يوليو/تموز 1930، قيام آلاف المشجعين في العاصمة الأرجنتينية بوينس أريس برحلة عبر نهر بلايت بالقارب لمشاهدة أبطالهم وهم يحاولون التغلب على الأوروغواي في نهائي أمريكا الجنوبية، لكنّ آمالهم باءت بالفشل بالخسارة.
ومن باب الفكاهة، فقد تأخر بدء المباراة النهائية عدّة دقائق بسبب إصرار المنتخبات على اللعب بكرة من اختيار كل منهما، قبل أن يتم التوصل إلى حل يرضي الطرفين.
بعد المباراة، قدم جول ريميه أول كأس العالم في التاريخ، مصنوعة من الذهب بارتفاع 35 سم وبوزن 3.8 كجم إلى مُنتخب الأوروغواي، لتبدأ احتفالات مونتيفيديو التي استمرت لعدة أيام.