في السادس عشر من أغسطس/آب 2021، ظهر خوان لابورتا، رئيس نادي برشلونة، في مؤتمر صحفي، كشف خلاله تفاصيل الأزمة المالية الطاحنة التي يمر بها النادي الكتالوني.
يومها تحدث لابورتا لمدة ساعتين، استعرض خلالهما تفاصيل الأزمة، مطالباً بـ"شد الأحزمة"، حتى تعود الأمور المالية إلى وضعها الطبيعي خلال عامين.
ديون هائلة ورواتب كبيرة
وكان أهم ما جاء في ذلك المؤتمر، اعتراف لابورتا بأن الوضع المالي للنادي "مقلق ومأساوي"، حيث بلغ حجم الديون 1.35 مليار يورو، ورواتب لاعبين تصل قيمتها إلى 617 مليون يورو (تمثل 103% من الإيرادات).
بسببها أُجبر برشلونة على التخلي عن خدمات نجمه الأسطوري والتاريخي ليونيل ميسي، خاصةً أنه لم ينجح في توقيع عقد جديد معه، بعد انتهاء عقده الأخير يوم 30 يونيو/حزيران 2021، بسبب قانون سقف الرواتب الذي تطبقه رابطة الدوري الإسباني.
كما تخلّص النادي من خدمات اللاعب الفرنسي أنطوان غريزمان، الذي عاد معاراً إلى فريقه السابق أتلتيكو مدريد، في الساعات الأخيرة من سوق الانتقالات الصيفية لعام 2021، وأهم ما في الصفقة أن النادي تخلّص من أجره العالي.
بعدها أجرى لابورتا مفاوضات ماراثونية مع اللاعبين من أجل إقناعهم بتخفيض رواتبهم، وهو ما نجح فيه مع جيرارد بيكيه وجوري ألبا وسيرجيو بوسكيتس وسيرجي روبيرتو وصامويل أومتيتي، وإن كان الأخير بتوقيع عقد جديد.
في ظل كل هذه التحديات، خرج برشلونة بموسم صفري 2021-2022، حيث حل ثانياً في الدوري الإسباني خلف غريمه ريال مدريد، الذي أقصاه من بطولة كأس السوبر الإسبانية.
وودع "البلوغرانا" كأس ملك إسبانيا من الدور ثمن النهائي على يد أتلتيك بيلباو، وخرج من مرحلة المجموعات لدوري أبطال أوروبا، لينتقل إلى الدوري الأوروبي الذي اكتفى فيه بالوصول إلى ربع النهائي، بعد الخسارة المريرة من أينتراخت فرانكفورت الألماني.
ولعل نقطة الضوء الوحيدة في الموسم المنتهي، هو نجاح الفريق في احتلال المركز الثاني بـ"الليغا"، ليعود سريعاً للمشاركة في مسابقة دوري أبطال أوروبا.
4 صفقات قوية.. والمزيد في الطريق
وفي غمرة هذه الأزمة، نفض لابورتا الغبار عن برشلونة، ونجح هو وطاقمه في إبرام أربع صفقات قوية، ويعمل على أخرى وفق تقارير إسبانية.
خلال الميركاتو الصيفي الحالي أتم برشلونة تعاقده مع فرانك كيسي، من ميلان، وأندرياس كريستنسن، من تشيلسي، في صفقتي انتقال حر، قبل أن يضم البرازيلي رافينيا من ليدز يونايتد، مقابل 58 مليون يورو إضافة إلى 10 أخرى كمتغيرات.
كما اتفق برشلونة مع بايرن ميونيخ على ضم روبرت ليفاندوفيسكي، مقابل 45 مليون يورو إضافة إلى 5 ملايين أخرى كحوافز، وكذلك وقّع عقداً جديداً مع لاعبه الفرنسي عثمان ديمبلي.
وحسب تقارير أوروبية عديدة، فإن هذا ليس كل شيء لدى إدارة برشلونة، التي تسعى لجلب الظهيرين الإسبانيين ماركوس ألونسو وسيزار أزبلكويتا من تشيلسي، والفرنسي جول كوندي من إشبيلية، والبرتغالي برناردو سيلفا من مانشستر سيتي.
ولن يتم اتخاذ خطوة إلى الأمام في طريق التعاقد مع الأخير إلا في حال رحيل متوسط الميدان الهولندي فرينكي دي يونغ، الذي ترغب إدارة برشلونة في بيعه لمانشستر يونايتد، لكن اللاعب متمسك بالبقاء حتى اللحظة.
في المقابل نجحت إدارة برشلونة في التخلص من المدافع الفرنسي كليمنت لونغليه، الذي خرج معاراً إلى توتنهام، علماً أنه من أصحاب الرواتب العالية، وهو السبب ذاته الذي تروجه وسائل الإعلام المقربة من النادي، من أجل بيع دي يونغ.
كيف يموّل برشلونة صفقاته؟
هذه الحركة النشطة في سوق برشلونة تسببت في طرح كثير من التساؤلات حول قدرة الإدارة على إنهاء هذه الصفقات، والعمل على أخرى، رغم الوضع الاقتصادي "المأساوي".
وكان الألماني الشاب يوليان ناغلسمان، مدرب بايرن ميونيخ، هو الوحيد الذي طرح تساؤلاته علانية حول هذه النقطة، مبدياً استغرابه من ذلك.
ونقلت صحيفة "بيلد" الألمانية عن ناغلسمان قوله: "برشونة هو النادي الوحيد الذي لا يملك المال ومع ذلك يقوم بشراء كل لاعب يريده، لا أعرف كيف يحدث ذلك! هذا نوع من الجنون".
وما يعزز هذه التساؤلات، أن برشلونة مطالَب بالتقيد بسقف رواتب "الليغا" الذي يصل إلى 144 مليون يورو، إضافة إلى أنها تمت رغم تصريحات لابورتا بأن النادي "ميت إكلينيكياً".
في هذه الأثناء، ذكر موقع ESPN الأمريكي، أن برشلونة لن يستطيع تسجيل لاعبيه الجدد في الوقت الراهن، لأنه لا يلتزم بمعايير اللعب المالي في "الليغا"، بسبب العجز في الميزانية.
ومن أجل تجاوز هذا الوضع، يجب على برشلونة العمل على خفض التكاليف وكسب المال وبسرعة، وذلك عن طريق بيع اللاعبين، والسماح لأصحاب الأجور العالية بالرحيل، لكن كليهما ليس سهلاً، لأن اللاعبين المعنيين يعارضون ذلك.
وتمكن برشلونة من زيادة مداخيله خلال الأيام الماضية، عن طريق صفقات الرعاية وزيادة إيرادات التسويق، الأمر الذي يُعرف بـ"الروافع الاقتصادية".
ووافقت الجمعية العمومية لنادي برشلونة، في الاجتماع الاستثنائي الذي عُقد يوم 30 يونيو/حزيران 2022، وهو اليوم الأخير في السنة المالية 2021-2022، على بيع 10% من حقوق بث مباريات الفريق الأول في الدوري الإسباني لشركة "سيكسيث ستريت" الأمريكية".
وحصل برشلونة على مبلغ 207 ملايين يورو، مقابل هذه الحقوق لمدة 25 سنة، وهي الصفقة التي عُرفت بـ"الرافعة الاقتصادية الأولى"، وأنقذت النادي من الوقوع تحت طائلة العقوبات.
وتعمل إدارة النادي الكتالوني حالياً على وضع الرتوش الأخيرة من أجل تفعيل الرافعة الاقتصادية الثانية، التي ستنعش خزينة "البلوغرانا" بمبلغ يتراوح بين 320 و333 مليون يورو، وذلك مقابل بيع 15% من حقوق البث لشركة أخرى، لمدة 25 عاماً.
ولن تقف مساعي برشلونة عند هذا الحد، فقد أكدت صحيفة mundodeportivo الإسبانية، أن الإدارة تخطط لإنهاء الأزمة المالية بشكل نهائي، من أجل القيام بتسجيل جميع الصفقات الجديدة دون أية عراقيل.
ومن أجل ذلك يوجد إدواردو روميرو، نائب الرئيس الاقتصادي، في برشلونة ولم يسافر مع الفريق إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه يقود مفاوضات مع إحدى الشركات من أجل بيع ما نسبته 49% من الأستديوهات المملوكة للنادي (BLM).
الرافعات الاقتصادية أنقذت برشلونة
ويأمل برشلونة الحصول على مبلغ 200 مليون يورو من "الرافعة الاقتصادية الثالثة"، التي لم تمنعه من إدارة الأستديوهات وكل ما يتعلق بالحقوق؛ لكون النادي سيبقى ممتلكاً للنسبة الأكبر من الأسهم والبالغة 51%.
وسبق أن أعلن برشلونة يوم 15 مارس/آذار 2022، اتفاقه مع شركة Spotify المتخصصة في الموسيقى، على توقيع عقد رعاية لمدة 4 سنوات.
ويتضمن العقد رعاية الشركة لقميص الفريقين الأول والثاني للرجال، وقميص فريق السيدات وقمصان التدريب، لمدة ثلاث سنوات قادمة.
وتُقدر قيمة الصفقة، التي تم بموجبها تغيير اسم ملعب برشلونة إلى "كامب نو سبوتيفاي"، بنحو 280 مليون يورو دون احتساب المتغيرات، بواقع 70 مليون يورو عن كل موسم.
وبدون عقد سبوتيفاي، سيتمكن برشلونة من جمع أكثر من 700 مليون يورو من الروافع الثلاث المذكورة، وهو الأمر الذي سيساعد الفريق على تسجيل صفقاته الجديدة دون عناء.