لم يُخفِ وليد الركراكي، مدرب فريق الوداد الرياضي، سعادته الكبيرة، بعدما بات ثاني مدرب مغربي يتوّج بدوري أبطال إفريقيا بعد الحسين عموتة، الذي بدوره فاز باللقب ذاته مع الفريق نفسه.
وأشاد وليد الركراكي، في حوار مع "عربي بوست"، بلاعب الوداد زهير المترجي، الذي لقبه بـ"عريس النهائي"، والذي سجل هدفين كانا كافيين لحسم اللقب على حساب فريق كبير بحجم الأهلي المصري.
الركراكي قال إن كلامه في المؤتمرات الصحفية ليس نفسه في مستودعات الملابس مع اللاعبين؛ لأنه يهدف من خلالها إلى إيصال رسائل، أو رفع الضغوط عن لاعبيه وإلقائها على عاتق المنافسين.
وكشف المتحدث عن فحوى المكالمة الهاتفية التي أجراها مباشرة بعد صافرة النهاية مع العاهل المغربي، وعلاقته مع جماهير الوداد، حتى قبل أن يلتحق بالفريق، وعلاقته بسعيد الناصيري، رئيس مجلس إدارة الوداد والرجل القوي داخل الاتحاد المغربي لكرة القدم.
بعد تتويج الوداد الرياضي بدوري أبطال إفريقيا، بات اليوم وليد الركراكي أفضل مدرب في إفريقيا، ما شعورك بعد هذا الإنجاز؟
تعتريني سعادة كبيرة جداً، منذ يوم الإثنين 30 مايو/أيار 2022، حتى إنني لم أنم كثيراً في اليومين الماضيين بسبب الفرحة. أنا سعيد بذلك، لكن سعادتي أكبر بلاعبي الفريق، الذين عاشوا موسماً صعباً جداً، واستحقوا عن جدارة هذا التتويج، لا سيما أنهم تحملوا ضغطاً كبيراً، وكانوا مطالبين باعتلاء قمة الكرة الإفريقية.
منذ أحداث نهائي رادس في عام 2019، الذي لم تكتمل فيه المباراة بين الوداد الرياضي المغربي والترجي التونسي؛ لذلك فإن الفوز بدوري الأبطال يعني كثيراً للاعبي الوداد، الذين وثقوا بأنفسهم ومؤهلاتهم وردوا الاعتبار لـ"وداد الأمة"، وحققوا المطلب الأهم للجماهير الحمراء، التي ساندتنا بقوة وقدمت لنا دعماً كبيراً ساعدنا على تخطي نادٍ كبير كالأهلي المصري.
سعادتك، ربما أكبر، بالمهاجم زهير المترجي صاحب الهدفين في النهائي، الذي عانى من فترات صعبة هذا الموسم؟
طبعاً وبدون أدنى شك، أنا سعيد لأجله، بعدما مر بفترات صعبة جداً في النادي، وعانى انتقادات حادة وقاسية من الجمهور الودادي، باعتباره ابناً للنادي ونشأ في فئاته السنية وتدرج حتى وصل للفريق الأول، لكنه في المقابل تحلى بالكثير من الصبر، وانخرط في العمل الجاد.
زهير تعرض للإصابة خلال الموسم الجاري، وغاب فترة طويلة عن صفوف الفريق، وقام بمجهود كبير من أجل العودة للملاعب، حتى إنه وإلى حدود دور نصف النهائي أمام بيترو أتلتيكو لم يكن قد استعاد عافيته بعد، غير أن إرادته كانت أكبر من إصابته، وانخرط في التدريبات أسبوعين فقط قبل المباراة النهائية، التي كان عريساً لها وسجل هدفين رائعين حسما اللقب القاري لصالحنا.
زهير المترجي "ابن ناس"، وشاب طيب، وخلوق، ويستحق تتويجه نجماً للمباراة النهائية، بالنظر لما لقيه هذا الموسم، وسعادتي به لا توصف، لقد أخبرني قبل المباراة بأنه هو من سيسجل في النهائي، وفعلاً فعلها، ويستحق منحة مالية مضاعفة (ضاحكاً).
تلقيت مكالمة هاتفية من عاهل المغرب محمد السادس مباشرة بعد صافرة النهائية، ماذا دار بينكما؟
فخر كبير بالنسبة لي أن أتكلم مع صاحب الجلالة، وأي مغربي يحلم بذلك، وحينما أُخبرت بأن ملك البلاد سيحدثني عبر الهاتف المحمول، شعرت بتوتر كبير، ربما أكبر من التوتر الذي شعرت به قبل انطلاق المباراة النهائية، تلك المكالمة ستظل راسخة في ذهني إلى الأبد، ولي الشرف الكبير بذلك، الملك هنأنا بعد فوزنا بدوري أبطال إفريقيا، وبدوري شكرته على كل المجهودات التي يقوم بها لتطوير الرياضة والكرة المغربية، لتشريف المغرب في المحافل الرياضية القارية والدولية.
حينما كنت مدرباً للفتح الرياضي، كنت دائماً تتحدث عن نقص لدى فريقك من حيث دعم الجماهير، وأعطيت المثال بجمهور الوداد، اليوم أنت مدرب للوداد هل غطى الجمهور ذلك "النقص" الذي كنت تشتكي منه؟
الجمهور الودادي لم ينسَ ما قلته، قبل حوالي ثلاث سنوات، في إحدى الندوات الصحفية بعد مباراة بين الفتح والوداد، وكنت حينها مديراً فنياً لنادي الفتح، تحدّثت عن الدعم الكبير الذي يشعر به لاعبو الوداد بفضل الجماهير الغفيرة، خاصة عند بناء الهجمات، وارتفاع هدير قوي من المدرجات "سير.. سير.. سير".
وعندما انضممت مطلع الموسم الجاري للفريق، وفي أول مباراة بحضور الجمهور بعد فتح المدرجات، إثر فترة المنع بسبب "أزمة كورونا"، لم يبخل الأنصار علينا بدعمهم، وخاصة بترديد تلك العبارة التي كنت تحدثت عنها قبل سنوات، في حقيقة الأمر كانت علاقتي جيدة مع الجمهور الأحمر قبل قدومي للفريق، لا سيما أنهم كانوا يرغبون في أن أتولى الإدارة الفنية للوداد بالقدر الذي كنت بدوري أريد ذلك.
شعرت منذ البداية بأنني ابن للجمهور الودادي، وتبادلنا الحب منذ أول دقيقة لي في الفريق، والجميع يتذكر، حينما سُئلت عن منعنا من جلب اللاعبين في فترة "الميركاتو"، بسبب المشاكل المالية للفريق، قلت يومها إن أهم صفقة لي هذا الموسم هي الجمهور، وفعلاً كان الجمهور هو الداعم الأساسي لنا في جميع المباريات، ووقف خلفنا وساندنا حتى توّجنا بـ"الأميرة الصغيرة"، ولن أنسى ما حدث في مباراة الزمالك التي تلقينا فيها هدفاً مباغتاً في الشوط الأول، ولا أخفيك سراً أنني كنت خائفاً جداً من أن ينقلب الجمهور ضدنا، لكن العكس هو ما حدث، وضاعفت الجماهير هديرها على المدرجات لتحفيزنا حتى قلبنا النتيجة لصالحنا، شكراً من أعماق القلب للجمهور الأحمر العظيم.
بماذا فكرت وأنت ترى "التيفو" الذي رفعه "ألتراس وينرز" في النهائي، عبارة عن لوحة عملاقة فيها صورتك وأنت تتوسط بعض اللاعبين؟
كانت مفاجأة سارة وصادمة في الوقت ذاته بالنسبة لي، فبمجرد أن رفع الجمهور "التيفو" ورأيت صورتي عليه، قلت في نفسي: "أشقياء.. وضعوا صورتي على التيفو قبل انطلاق المباراة"، ثم دار في خلدي الكثير من الأسئلة من قبيل: "إذا لم ننجح في التتويج بالكأس، ماذا سيقولون عني؟ لقد جعلنا نحلم ثم خذلنا"، تمنيت حينها لو أجلوا رفعه حتى نهاية المباراة بفوزنا.
لقد لعبت في عدة أندية في أوروبا، وشاهدت أنواعاً كثيرة من الجماهير، لكن يظل جمهور الدار البيضاء متفرداً ومميزاً عن جميع ما شاهدته طيلة مسيرتي الاحترافية، هنا نعيش أجواء خيالية، ربما لن تجدها سوى في بيونس آيرس بين جماهير بوكا جونيورز وريفر بلايت.
بماذا تتسم علاقتك بسعيد الناصيري رئيس مجلس إدارة الوداد؟
عندما كنت على وشك الانضمام للوداد الرياضي كمدرب للفريق، حذرني كثير من معارفي من الناصيري، وأجمعوا على أنه رئيس يتدخل في الأمور الفنية للمدرب، وأنه سيربك عملي، لكن في حقيقة الأمر لم يحدث أي شيء من ذلك، لم أرَ من ذلك الرجل سوى الخير، وكان خلاف ما حدثوني عنه، حتى إننا لا نتحدث كثيراً باستثناء بعض المناسبات القليلة جداً، عقب بعض المباريات التي نحقق فيها الفوز، في أندية أخرى يكون الضغط كبيراً من الرئيس على المدرب، أما نحن في الوداد فلا أتصل به ولا يتصل بي إلا نادراً، حتى نلتقي داخل مقر النادي، أعرف حجم الضغط الذي يتحمله في ظل الضغوط المالية بسبب أزمة كورونا وغياب الجمهور بداية الموسم، وهو بدوره يعرف انتظارات الجمهور مني ومن الفريق، لا نتحدث كثيراً لكننا نعمل كثيراً.
بعد التتويج باللقب الأغلى في إفريقيا، هل لا يزال الركراكي يطمح لمزيد من الكؤوس والإنجازات؟
طبعاً، فمن يعرفني عن قرب، سواء حينما كنت لاعباً أو اليوم كمدرب، طموحي لا حدود له، وهذا اللقب هو البداية وليس نهاية المسار، خاصة أنني محاط بلاعبين محاربين وخلوقين، وقلوبهم على بعض كأسرة واحدة، عكس ما كنت أسمعه هنا، وهناك حينما وقعت عقدي مع الوداد، لقد حذروني في البداية من بعض اللاعبين وعدم انضباطهم، لم أحتج لوقت طويل لأكتشف أن كل تلك الأمور لم تكن سوى محض كذب وافتراء، أنا محاط برجال حقيقيين، الآن كأس دوري الأبطال في "الجيب" وسنقاتل للفوز بلقب الدوري المغربي الذي نتصدر ترتيبه حالياً، وبكأس العرش الذي بلغنا دور الربع فيه، ما زلت "جائعاً" وأريد ألقاباً أخرى.
قبل كل مباراة نهائية، يوجه المدرب كلمة أو خطاباً للاعبيه، ما الذي قلته للاعبيك قبل النهائي أمام الأهلي؟
قبل أن أجيبك عن السؤال، دعني أعُد بك إلى نهائي كأس إفريقيا للأمم، الذي خسره المغرب ضد تونس في العام 2004، وهي الخسارة التي لا تزال تزعجني كلما تذكرتها لحد الآن، قبل تلك المباراة، ضغطنا على أنفسنا كثيراً، وكنا نريد أن نُظهر للجميع أننا أفضل فريق في تلك الدورة، وربما كان هذا من أسباب هزيمتنا.
قبل نهائي دوري الأبطال أمام الأهلي المصري، استحضرت ذلك النهائي، وطلبت من اللاعبين أخذ المباراة كما هي بحجمها الحقيقي، قلت لهم إننا سنواجه الأهلي فريق القرن، لكننا نحن الوداد ولدينا أسلوبنا الذي يجب أن نطبقه بهدف حسم المواجهة لصالحنا دون زيادة ولا نقصان.
طالبت اللاعبين ببذل قصارى جهدهم واحترام التعليمات، حتى لا يكون لديهم أي ندم بعد صافرة النهاية، ونبدأ في لوم بعضنا بعضاً، كما لا يجب تناسي الفترة، التي قضيناها في معسكر إعدادي مغلق بمركب محمد السادس بالمعمورة ضواحي مدينة الرباط، ركزنا خلاله بشكل كبير بعيد عن أي ضغوطات، وهنا لا بد من شكر الاتحاد المغربي، الذي أتاح لنا هذا التجمع الإعدادي الذي ساعدنا كثيراً للتحضير نفسياً وبدنياً وفنياً للمباراة، بعيداً عن الدار البيضاء وضغط الجمهور.
في الندوة الصحفية التي سبقت النهائي، قلت إن الأهلي هو الفريق المرشح وليس فريقك، أليس هذا تصريحاً غريباً من مدرب تجاه منافسه؟
الكلام الذي يُقال في الندوات الصحفية والتصريحات الإعلامية ليس هو الكلام الذي يُقال في مستودع الملابس، كما أن لاعبي فريقي ليسوا من ذلك النوع الذي تخبره بأنه مرشح وقوي، وأنه سيفوز بسهولة، شاهدتم المباريات غير الناجحة التي خضناها داخل ملعبنا، خاصة أمام بلوزداد الجزائري وبيترو الكونغولي، اللاعبون شعروا بالتفوق من خلال عودتهم بنتيجة جيدة من خارج الملعب، فأصيبوا بالتراخي في مباراة العودة، سمعت الكثير من المحللين ينتقدون تصريحاتي بشأن ترشيحي للأهلي، لكن هؤلاء لاعبيّ وأنا أعرف الناس بهم، وبأسلوب تحفيزهم، لتجهيزهم لمباراة مهمة في حجم نهائي دوري الأبطال، كما أنني بتصريحي الصحفي المذكور، كنت أرغب في وضع الضغط على الأهلي، كما فعلوا هم طيلة الأيام التي سبقت المباراة، وحتى قبل ساعات عنها، حينما حاولوا تقليص حضور جمهورنا ووضع أعلام على الكراسي بسبب ضعف حضور الجمهور المصري.
لماذا تصريحاتك دائماً مثيرة للجدل؟
تصريحاتي، التي أدلي بها تنقسم إلى نوعين، هناك تصريحات عفوية، وأخرى مقصودة ومحسوبة، وعليكم أنتم معشر الصحفيين الفرز بين الصنفين، وشخصياً لست مهتماً بردود الفعل التي تثيرها تصريحاتي، أقوم بعملي بكل تفانٍ، وحينما أصرح بشيء فأنا أقول ما أعتقده فعلاً، غير آبه بالصدى الذي يخلفه، وليغضب من يغضب، أنا في طريقي سائر ما دمت مقتنعاً بما أقوم به، ففي الكثير من الأحيان، أهدف من وراء تصريح معين إلى التأثير على نفسية الخصم، ومرات أبعث برسائل مباشرة أو مشفرة إلى من يعنيهم الأمر.
في أوروبا مثلاً، تعد التصريحات الصحفية المثيرة أمراً عادياً جداً، فغوارديولا مثلاً أو يورغان كلوب أو مورينيو وغيرهم حينما يطلقون تصريحات تخلق الجدل يتقبلها الجميع، لكن حينما يقولها وليد الركراكي تواجَه بالاستنكار، وشخصياً أقبل كل ردود الفعل، التي تخلفها تصريحاتي في الندوات الصحفية، سواء كانت إيجابية أم سلبية، لا أتدخل فيها إطلاقاً، ولا أعترض عليها، وهذا هو الاحتراف.