الضجة المثارة في فرنسا، حول اللاعب السنغالي "إدريسا غاي" الذي رفض ارتداء قميص رياضي يدعم المثليين، تفضح الكيان الفرنكفوني، على الملأ العالمي، وتؤكد نزعته الشمولية التي يخفيها بمساحيق (فلسفية) منتهية الصلاحية.
ولكي ندرك عمق الهوة الأيديولوجية السحيقة التي سقط فيها الكيان الفرنسي، يجب أن نتذكر أن هذه الضجة ليست مثارة بسبب تعبير اللاعب بشكل صريح، عن رفضه للمثلية، وهذا حقه الطبيعي قبل أن يكون حقاً ثقافياً تفرضه قيم التعددية والاختلاف وتحميه الآليات الديمقراطية، هذه الضجة مثارة – يا للعجب- بسبب رفض اللاعب دعم المثلية!
فبأي منطق طبيعي- حتى قبل أن نتحدث عن المنطق الثقافي- يحق لأي جماعة أن تفرض على جماعة من غير جنسها الثقافي دعم معتقداتها بالقوة؟!
من حق الفرنسيين أن يكونوا مثليين، ومن حقهم أن يّشرِّعوا في برلمانهم قوانين تسمح بالحرية الجنسية لقاصراتهم، هذه بلادهم وهم أدرى بشعابها وليس من حق أي دولة أو مجتمع التدخل في خصوصيتهم الاجتماعية. لكن هل من حقهم فرض خصوصيتهم الاجتماعية على غيرهم باعتماد منطق حداثوي متهافت يدعي حماية التعددية والاختلاف وهو يخرقهما؟!
قيم التعددية والاختلاف أكبر من هذا التزييف الذي يروجه النموذج العلماني الفرنسي ويردد صداه، عندنا، دراري الفرنكفونية الذين يتفاخرون بنطق "الراء" على الطريقة الباريسية!
قيم التعددية والاختلاف قبل أن تفرض على الغير احترام خصوصيتنا، تفرض علينا كذلك احترام خصوصية هذا الغير، هي حق وواجب، في نفس الآن، فإذا مارسنا الحق وتملصنا من الواجب ندخل مجال التزييف الأيديولوجي.
وهذا ما ينطبق على النموذج الشمولي الفرنسي الذي يسعى إلى تنميط كل من/ما يطأ التراب الفرنسي ضمن قالب معد مسبقاً على طريقة سرير بروكست "كلما قصر الجسم مددناه بالقوة وكلما طال الجسم عمدنا إلى قص أطرافه.. المهم أن يلائم الجسم السرير وليس العكس"!
هذا المنطق الشمولي، يتجاوز أذاه حالة هذا اللاعب التي ليست معزولة أو استثناء بل تمثل القاعدة، ليس في فرنسا فحسب ولكن في الشتات الفرنكفوني كذلك، فالكائن الفرنكفوني رغم سواد بشرته فهو ينافس سيده الأبيض حينما يتفنن في ارتداء الأقنعة البيضاء للإيهام بكونه حاملاً للأصالة الفرنسية وأبعد عن الهجنة الإفريقية التي تنطق حرف "الراء" بالطريقة الإفريقية! تماماً كما حلل ذلك فرانز فانون بمنتهى العبقرية السيكو-سوسيولوجية في كتابه الرائد "بشرة سوداء أقنعة بيضاء".
لذلك، يتميز فرنسيو الداخل وفرنكفونيو الشتات بوقاحة لا مثيل لها في تاريخ البشرية، حينما يعتقدون أن من حقهم تنميط العالم وتحويله إلى ديكة تصيح بنفس النبرة وتنفخ ريشها بنفس الطريقة ! ظناً منهم أنهم مركز الكون والنموذج الأمثل الذي يجب على العالم اقتداؤه، وهذا متخيل مدرسي مدقع في فقره المعرفي.
الفرنسيون، على الحقيقة، ليسوا سوى منتوج صناعي قريب العهد بالحضارة بعدما خرجوا، في وقت متأخر من جلباب أجدادهم الغال الذين كانوا يعيشون حياة البدو الرحّل، ويفتقدون لحياة الاستقرار بله الحضارة! لذلك، خرج بعضهم ليشكك في هذا الأصل حتى ويدعي أن الفرنسيين ورثة حضارة الأندلس، كما ذهب إلى ذلك J.Pruvost في كتابه "أسلافنا العرب".
فأي دروس في الحضارة يمكن للفرنسيين، الطارئين على التاريخ، تقديمها إلى الحضارات العريقة من الإسلامية إلى الكونفشيوسية إلى الزرادشتية والفرعونية.. وهي حضارات تمتلك من التراكم ما يؤهلها أن تتجسد كخصوصية معرفية تمتلك رؤيتها الخاصة للعالم؟!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.