عشية اجتماع لجنة الانضباط للاتحاد الدولي لكرة القدم للنظر في الشكوى التي تقدم بها الاتحاد الجزائري ضد حكم مباراة الجزائر والكاميرون في تصفيات كأس العالم 2022، باكاري غاساما بسبب أخطائه الفادحة التي أثرت على نتيجة مباراته الفاصلة ضد الكاميرون، يتواصل النقاش في الجزائر حول مصير المدرب جمال بلماضي مع المنتخب الجزائري وسط صمت يلتزم به الرجل منذ ندوته الصحفية التي أعقبت مواجهة الكاميرون.
لكن استقالة رئيس وأعضاء المكتب الفدرالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم، خلقت تداعيات تنذر بأزمة إدارية وفنية قبل انطلاق تصفيات كأس أمم إفريقيا 2023 في بداية يونيو/حزيران المقبل، وتنذر بمرحلة صعبة يقبل عليها المنتخب الجزائري في الأسابيع القليلة القادمة قد تؤدي إلى رحيل بلماضي، وتفرض على رئيس الاتحاد الجديد البحث عن مدرب يصعب إيجاده في الوقت الراهن، ويصعب على الجماهير تقبله.
مستقبل جمال بلماضي
أغلب الظن أن الاتحاد الدولي سيعتمد هذا الخميس رسمياً تأهل الكاميرون إلى نهائيات كأس العالم 2022 وإقصاء الجزائر رسمياً من سباق مونديال قطر، وعندها تتوجه الأنظار نحو انتخابات الاتحاد الجزائري المقررة الشهر المقبل، ونحو ما يقرره المدرب جمال بلماضي المطالب بالكشف عن نواياه وتحديد موقفه الذي يترقبه الجزائريون سواء كانوا من دعاة استمراره اعتقاداً منهم بأنه يستحق تجديد الثقة فيه لتعويض ما فاته، أو دعاة رحيله الذين يعتقدون بأن الرجل فشل في تحقيق أهدافه ويجب أن يرحل لأنه لن يكون بمقدوره تقديم المزيد مع انتهاء صلاحية عدد كبير من لاعبيه.
الطرح الأخير يتطلب تكليف مدرب جديد، يعطي نفساً جديداً بوجوه جديدة، وأهداف متجددة، وينهي مرحلة جميلة كانت نهايتها مؤلمة وصادمة يصعب تجرعها.
أغلب الجزائريين يتمنون استمرار جمال بلماضي اعترافاً بجميله وتكريماً لجهوده، اعتقاداً منهم بأن مشواره مع الخضر يشفع له، وبإمكانه تعويض الإخفاق، لأن تركيبته وطبيعة شخصيته العنيدة التي ترفض الهزيمة تمكنه من رفع تحديات جديدة رغم صعوبتها، كما أن الإخفاق يضعه أمام خيارين أحلاهما مر، يصعب الحسم بينهما لأنه واثق من قدراته وتعلق اللاعبين والجماهير به من جهة، ويدرك في المقابل أن مأموريته ستكون صعبة إذا استمر؛ لأن البعض سينتظرونه في المنعرج، خاصة إذا أخفق في إعادة بعث الروح في نفوس لاعبين تأثروا كثيرا بإخفاقهم في التأهل إلى المونديال، في حين يصعب عليه اتخاذ قرار الرحيل لأنه سيكون بمثابة إقرار بالفشل، وتهرب من المسؤولية في نظر البعض خاصة أنه لا يزال يحظى بثقة الكثيرين.
بعض الإعلاميين والمحللين وحتى الجماهير، يتمنون في المقابل رحيل جمال بلماضي، لأنه فشل في نهائيات كأس أمم إفريقيا في الكاميرون وأخفق في المباراة الفاصلة المؤهلة لمونديال قطر، وعليه أن يكرِّس ثقافة الرحيل عند الإخفاق، ويفسح المجال لمدرب جديد، خاصة أن التشكيلة التي اعتمد عليها على مدى أكثر من ثلاث سنوات بلغت أعماراً لا يمكن الاعتماد عليها في المواعيد المقبلة على غرار مبولحي، بلعمري، تاهرات، قديورة، فيغولي، إبراهيمي، وحتى بونجاح وسليماني، وبالتالي يكون المنتخب في حاجة إلى مدرب جديد مع رئيس اتحاد جديد بجيل جديد من اللاعبين، يؤسس لعلاقات جديدة مع الإعلاميين، صارت مشحونة في عهد جمال بلماضي، وحان الوقت لكي تنتهي مرحلة جمال بلماضي بحلوها ومرها، مثلما يحدث مع مدربين آخرين في منتخبات مختلفة.
إقالة مستحيلة
الأكيد أن إقالة جمال بلماضي ستكون مستحيلة بالنظر لشعبيته وجهوده وكل الطاقة الإيجابية التي أظهرها في مشواره، ولن يجرؤ أي رئيس اتحاد على فعل ذلك بالنظر للدعم الرسمي والشعبي الذي يحظى به، ولا أحد يحول دون استمراره إذا أراد.
لكن لا أحد بإمكانه أن يثنيه عن الرحيل إذا قرر ذلك، لن يقف أحدهم في وجه بلماضي بالرحيل، وهذا لن يتم إلا إذا أيقن هو بنفسه أنه لن يكون بإمكانه تقديم المزيد للجزائر، وأن العمل في الظروف الحالية لن يكون في صالحه، فلقد أصبحت الظروف المحيطة بالمنتخب مثلما كانت عندما جاء بلماضي في سنة 2018.
كان المنتخب آنذاك محطماً، يعيش أجواء وظروفاً صعبة من كل الجوانب، سهَّلت من مهمته وساعدته على اتخاذ قرارات جريئة، واعتماد خيارات كُللت بالتتويج بكأس أمم إفريقيا في يوليو/تموز 2019.
سواء رحل أو بقي جمال بلماضي على رأس الإدارة الفنية للمنتخب الجزائري، لا أحد ينكر أن الرجل ترك بصمته بعد أن نجح في إعادة بعث الروح في المنتخب الجزائري والتتويج بكأس أمم إفريقيا، وفشل بالمقابل في الحفاظ على تاجه وبلوغ مونديال قطر.
الكل يجمع على أن الكرة الجزائرية ستكون أمام تحديات جديدة خلال الفترة القادمة، تبدأ من انتخاب رئيس اتحاد جديد، يكون قوياً ومتمكناً، يحسن التعامل مع بلماضي إذا بقي على رأس الخضر، أو يوفق في اختيار بديلٍ له يليق بالفترة القادمة التي تقتضي تجديداً على مستوى كل المنتخبات الوطنية.
رئيس يكون قادراً على تطوير المنظومة الكروية في الجزائر التي غطت عيوبها نتائج بلماضي، وعرّتها الإخفاقات الأخيرة، التي أكدت أيضاً أن تكوين منتخب تنافسي فوق الميادين يقتضي بالموازاة قدرات كبيرة على التحكم في لعبة الكواليس على مستوى الهيئات الكروية لحماية المنتخب من كل التلاعبات.
مشكلة الكرة الجزائرية ليست في رحيل أو بقاء بلماضي، لأنه سيرحل يوماً، ويبقى المنتخب الجزائري بعده مثلما كان موجوداً قبله، إذا رحل يجب أن يشكر، وإذا بقي يجب أن يلقى كل الدعم والمساندة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.