لعالم كرة القدم عباقرة خارج المستطيل الأخضر يصنعون مجد فِرقٍ ويقودونها إلى أزهى فتراتها. بينهم ومن أبرزهم "مونشي" المدير الرياضي لنادي إشبيلية، ذو العين الثاقبة والنظرة الاستشرافيّة، مكتشف المواهب وسيّد فن شراء وبيع اللاعبين. هذا الرجل يجعلك تعشق الجانب الاقتصادي لعالم كرة القدم على صعوبته.
في موسم (99-2000) هبط نادي إشبيلية إلى دوري الدرجة الثانية الإسبانيّة متذيّلاً ترتيب الدوريّ الإسباني "لا ليغا". عندها تم تعيين رامون رودريغيز فرديخو أو "مونشي" مديراً رياضياً للنادي، بعد اعتزاله اللعب وقد كان أحد حرّاس مرمى النادي الأندلسي، لتنطلق مسيرة فنان بيع وشراء اللاعبين واكتشاف المواهب.
لم يلبث إشبيلية غير موسم واحد في الدرجة الثانية الإسبانية، حيث سجّل عودته موسم (2001-2002) وأنهى الموسم في المركز الثامن. منذ ذلك الوقت لم يغادر إشبيلية النصف الأول من جدول ترتيب الدوري للموسم الحادي والعشرين على التوالي، وهي أطول فترة للنادي في الدرجة الأولى منذ فترة ما بين 1934و1968. هذا الإنجاز تم إجمالاً خلال فترة تولّي "مونشي" الإدارة الرياضيّة والتي لم يغب فيها عن النادي إلا لموسمين في تجربة قصيرة مع نادي روما بين 2017 و2019.
ثعلب إشبيلية
وقد ذهب "مونشي" بعيداً بالنادي الأندلسي؛ إذ أحرز معه لقب كأس الملك مرّتين في 2007 و2010 وكأس السوبر الإسباني أمام ريال مدريد في 2007، وصار ينافس على المراكز المؤهّلة للمسابقات الأوربيّة.
في عهدة مونشي، صار ملعب "رامون سانشيز بيثخوان" وجهة صعبة لأكبر أندية الدوري الإسبانيّ والقارة العجوز. فبفضل الصفقات الناجحة شكّل مونشي فريقاً عتيداً جاوز طموحه المسابقات المحلّية إلى القاريّة حيث توهّج إشبيلية في مسابقة الدوري الأوروبي وأحرز لقبها خمس مرّات بين 2006 و2016، ولقباً سادساً في 2020 مع عودة "مونشي" من غيابه القصير. وأصبح النادي صاحب الرقم القياسيّ في ألقاب هذه المسابقة، ولُقّب بصاحب الاختصاص فيها. كما أحرز كأس السوبر الأوروبيّ أمام برشلونة في 2006.
ضمن سياسة مونشي لم يكن النادي يحتفظ باللاعبين بل يبيعهم في التوقيت المناسب. يُحسن اكتشاف وشراء المواهب الشابّة ثمّ بيعها في صفقات كبيرة بعد توهّجها بين صفوفه، ويسارع إلى تعويضها بمواهب أخرى تسدّ الفراغ. من بين تلك المواهب مثلاً داني ألفيس، وإيفان راكيتيتش وسايدو كايتا وخوليو بابتيستا وجيوفري كوندوجبيا، فقد شكّل مونشي شبكة كشّافي مواهب في أرجاء العالم تساعد في هذه المهمّة. كذلك حال أبناء النادي الذين يغادرون مقابل صفقات جدّ مهمّة على غرار سيرجيو راموس وخيسوس نافاس وأنطونيو رييس.
كان "مونشي" يعي أنّ البقاء بين كبار الدوري الإسباني يحتاج سياسة كهذه، أي الشراء والبيع في الوقت المناسب. فالنادي الأندلسي لم يكن من أصحاب الميزانيّات الضخمة التي تكفل الاحتفاظ بالنجوم. لكن بفضل توجّه "مونشي" تمكّن من التدرّج اقتصادياً، إذ حقّق خلال فترته الأولى في الإدارة الرياضية أرباحاً في سوق الانتقالات تفوق الـ 200 مليون يورو. وأبقى النادي بين الكبار بتشكيلة تتغيّر موسميّاً بشكل كبير، ومع ذلك تتمكّن من المنافسة حصد الألقاب.
هدف الأندية الأوروبية
صار "مونشي" محطّ أنظار أندية أوروبيّة؛ ما جعل النادي الأندلسي يحصّنه بشرط جزائيّ ضخم بـ 5 ملايين يورو لفسخ العقد. ما أعاقه عن المغادرة في 2016، لكنّه فكّ القيد وشدّ الرحال إلى نادي روما الإيطالي في 2017 في تجربة لم تعمّر طويلاً، إذ عاد إلى النادي الأندلسي في 2019 واستعاد مقاليد مهامه حيث يحظى بالثقة ويجد الصلاحيات والظروف المناسبة لممارسة فنّه وسياسته، وقد عاود النادي معه ملامسة الألقاب من جديد بإحراز الدوريّ الأوروبيّ للمرّة السادسة في تاريخه.
وهو يسير نحو إنهاء الموسم ضمن الأربعة الأوائل في الدوري الإسباني للمرّة الثالثة في تاريخه في إنجاز لم يحقّقه منذ 1957، وبهذا تصير مشاركته في دوريّ أبطال أوروبا أكثر انتظاماً، وربّما في مرحلة قادمة قد يعود النادي إلى معانقة لقب الليغا الذي ناله مرّة وحيدة سنة 1946، وقد يصير من الفرق التي تلعب الأدوار المتقدّمة في دوري الأبطال.مسيرة مونشي وإنجازاته في عالم كرة القدم شبيهة بما قام به "بيلي بين" مع فريق أوكلاند أتليتيكس لكرة القاعدة، التي وجدت طريقها إلى الرواية ثم إلى السينما في الفيلم الأمريكي "كرة المال" أو "Moneyball" ومن يدرى ربّما نرى فيلماً يتمحور حول مسيرة "مونشي" المبهرة مع إشبيلية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.