في كل مرة ينهزم فيها ريال مدريد، يتساقط على هاتفي وابل من رسائل التشفي فيما وصل إليه من كان يرش عطر الأمل، ويزرع البسمة على ثغور البائسين في بلدان العالم الثالث، ولأنني كريم في توزيع رسائل كهذه، بدوري أقوم بتوزيعها على من يتقاسم معي الأمل والحلم نفسهما، لتلفح وجوههم سموم التشفي وتنشر في قلوبهم مزيداً من البؤس، لتضيق بهم رقعة العيش أكثر مما هي ضيقة.
فقد يقول قائل: ما لنا ولريال مدريد ودول الغرب؟ ألم تعلم أن لهم دينهم ولنا دين؟! أجيبك فأقول: ارتمينا في أحضانهم لننسى ما نعيشه في أوطاننا؛ فكرتنا أصبحت تلعب في الكواليس بدل الملاعب، ومنتخباتنا يمثلنا فيها من يدفع المقابل من المال، وليس من يستحق أن يمثلنا، لذلك ارتمينا في أحضان الغرب؛ لأن كرتهم جميلة، نصفق لنجاحاتهم لأنهم على الطريق الصحيح، ونحزن على فشلهم لامتلاكهم العدالة الاجتماعية.
وتعليمنا دائماً في أدنى الرتب في العالم، لم يعد تعليماً ينجب لنا فقهاء وعلماء أصحاب نظريات وأفكار، كعلال الفاسي، والمهدي المنجرة، وجدنا المختار السوسي، ونجيب محفوظ وآخرين -رحمهم الله جميعا- ولم يقوموا بتلقيح تعليمنا بلغات العلم كالعربية والإنجليزية، حتى أصبحنا نتزعم العالم في مجال السحر والشعوذة، وأصبحنا مضرب المثل في الرشوة وسوء التعليم.
فأصبحنا نتزعم العالم في مجال السحر والشعوذة، وأصبحنا مضرب المثل في الرشوة وسوء التعليم، وأصبحنا من قادة العالم في مجال الإجرام وانعدام الأمن، وأصبحنا ننهزم في كل شيء لنقول هزمنا بشرف، أصبحنا نقدم الأجنبي في كل شيء، ونؤخر ابن الوطن.
هذا ما جعلنا نرتمي في أحضان الغرب، لأن كرتهم جميلة، نصفق لنجاحاتهم لأنهم على الطريق الصحيح، ونحزن على فشلهم لأنهم يشعرون بمآسينا، نتابعهم لأن لديهم عدالة اجتماعية. على غير حالنا، فالأشخاص أنفسهم يتناوبون على الحقائب الوزارية، فمن أجل هذه الحقيبة ذهب الشيوعي ليحج مع المسلمين، ومن أجلها حلق الإسلامي لحيته وتنازل عن مبادئه، ومن أجلها أصبح الاشتراكي يفكر في مصلحة الجميع، حتى أصبحنا في مجتمع لا تمييز فيه بين المنافق والصادق.
كل هذه الأمور جعلتنا نرتمي في حضن الغرب؛ لأننا نرى فيهم الإنسانية التي ماتت في أوطاننا، نرى فيهم الحنين الذي افتقدناه في بلداننا، نرى فيهم العدالة الاجتماعية التي غابت عنا، نرى عندهم العيش الكريم الذي نبحث عنه في مجتمعاتنا، فمن يقودون حكومتنا، لم يتركوا لنا شيئاً نزيل به همومنا ونتناسى أفعالهم المشينة، إلا الارتماء في أحضان الغرب، علنا نشعر بفسحة أمل جديدة نزيل بها هموم وغموم أوطاننا، بعد ما ضاقت مساحة العيش فيها، فكما قال الطغرائي في قصيدته لامية العجم:
أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها.. ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.