وسط الصراع الدائر في إقليم دونباس، والذي بلغ ذروته بقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اعتراف بلاده باستقلال المنطقتين الانفصاليتين في أوكرانيا، دونتسيك ولوغانسك، تعود الأضواء لتُسلّط على نادي شاختار دونتسيك، الذي ينتمي للإقليم ويعتبر من أشهر الأندية الرياضية في أوكرانيا.
بمجرد انتهاء بوتين من خطابه المطوّل الذي اعترف خلاله باستقلال دونتسيك ولوغانسك، كان الآلاف من المواطنين في الإقليمين يحتفلون ويرفعون الأعلام الروسية، ومن بينهم العديد من أنصار نادي شاختار.
قصة نادي شاختار دونتسيك
تأسس نادي شاختار في عام 1936 في مدينة دونتسيك خلال زمن الاتحاد السوفييتي، وبعد استقلال أوكرانيا هيمن على البطولات المحلية إلى جانب غريمه التقليدي دينامو كييف، وكان أبرز إنجازاته القارية التتويج ببطولة الدوري الأوروبي موسم 2008-2009.
ودخل النادي التاريخ في النسخة الماضية لدوري أبطال أوروبا، بعدما بات أول فريق منذ 13 عاماً يهزم ريال مدريد الإسباني ذهاباً وإياباً في دور المجموعات، إذ فاز في المباراة الأولى بمدريد 3-2 وفي الثانية بكييف 2-0.
بعد إعلان استقلال دونتسيك يترقب الجميع مصير نادي شاختار، والدوري المحلي الذي سيشارك فيه، والخيارات أمامه محصورة إما بالبقاء في الدوري الأوكراني، أو الانتقال للدوري الروسي (في حال ضم دونتسيك إلى روسيا) بينما الخيار الثالث هو تنظيم دوري في الإقليم.
وفي الوقت الحالي، لا يواجه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أي متاعب، لأن شاختار غادر المنافسة في دوري أبطال أوروبا من دور المجموعات، لكن يتعين على النادي حسم موقفه انطلاقاً من الموسم المقبل.
حالة مشابهة
في منطقة الاتحاد السوفييتي السابق حيث العديد من الأقاليم المتنازع عليها، تعتبر كرة القدم ضحية، وثمة حالة تشبه إلى حد بعيد قصة شاختار دونتسيك ومصيره بعد الإعلان الروسي الأخير.
نادي شيريف تيراسبول يشترك مع شاختار في كونه هزم ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا مؤخراً مفجراً مفاجأة من العيار الثقيل، وقد يكون مصير شاختار مشابهاً لذلك النادي، الذي ينشط في الدوري المولدافي رغم أنه ينتمي لإقليم آخر تدعم روسيا انفصاله.
ينتمي شيريف لمدينة تيراسبول عاصمة منطقة ترانسنيستريا، الواقعة شرق مولدوفا، التي كانت واحدة من دول الاتحاد السوفييتي قبل تفككه في بداية تسعينات القرن الماضي.
وفق القانون الدولي، فإن المساحة التي يمثلها شريف تنتمي رسمياً إلى مولدوفا، لكن الوضع السياسي للمنطقة لا يزال دون حل، لتصبح ترانسنيستريا دولة غير معترف بها، ولكنها مستقلة بحكم الأمر الواقع، ولها حكومتها وبرلمانها وجيشها وعملتها، كما أن لها دستوراً وعلماً ونشيداً وطنياً.
أُجبر شيريف على التنافس في البطولات المحلية في مولدوفا لعدم حصول "دولته" على الاعتراف الرسمي، كما يمثلها على المستوى الأوروبي.
ونجح شيريف في التتويج ببطولة الدوري المولدوفي في 19 مناسبة، وشارك للمرة الأولى في تاريخه، بمسابقة دوري أبطال أوروبا، واحتل المركز الثالث في مجموعته التي ضمت أندية ريال مدريد وإنتر ميلان وشاختار.
نادٍ أصبح "لاجئاً"
بدأت معاناة نادي شاختار دونتسيك في عام 2014 إذ اضطر لترك المدينة عندما بدأ النزاع المسلح في شرق أوكرانيا، واللعب في مدينة لفيف ومن ثم خاركييف ومن قبلها لفيف، والآن يخوض مبارياته في العاصمة كييف، بالشراكة مع غريمه دينامو كييف وفقاً لصحيفة novosti donbassa.
وعلق نيكولاي تارابات، وزير الرياضة في دونتسك، على هذا الأمر في وقت سابق: "الأمر متروك للسيد أحمدوف مالك شاختار، لا يمكننا التعليق على قراراته لأي سبب من الأسباب التي اختارها ونقل النادي بعيداً، ربما في المستقبل يمكن للنادي أن يصبح مفتاحاً للسلام".
كان شاختار يخوض مبارياته البيتية على ملعب دونباس "أرينا" في دونتسيك الذي افتتح عام 2009 ويتسع لنحو 52 ألف متفرج، ما يجعله ثاني أكبر ملاعب أوكرانيا بعد ملعب "أولمبيسكي الوطني" في كييف.
واستضاف نفس الملعب عدداً من مباريات نهائيات كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم 2012، وبلغت تكلفة إنشائه حوالي 194 مليون يورو، لكن الملعب تعرض لأضرار بليغة جراء الحرب، ولم تعد أرضيته مناسبة لإقامة المباريات.
وتحول الملعب من تحفة فنية إلى ما يشبه المستودع لتخزين أطنان من الأغذية والأدوات الطبية منذ عام 2017، والتي تم نقلها من مالك النادي رينات أحمدوف لتخفيف معاناة أهالي المدينة.
شعبية كبيرة في كييف
في كييف حيث يخوض شاختار دونتسيك مبارياته على ملعب "أولمبيسكي"، المملوك للدولة، والذي يستضيف كذلك مباريات ألد خصوصه نادي دينامو كييف؛ يحظى الفريق "البرتقالي" بدعم كبير من أنصاره الذين نزحوا من إقليم دونباس إلى العاصمة الأوكرانية.
لكن مع مرور السنوات والمستويات القوية للفريق، استقطب أعداداً كبيرة من المشجعين الذين نحّوا الخلافات السياسية جانباً من أجل الاستمتاع بأداء شاختار الذي عُرف عنه جلب لاعبين برازيليين موهوبين، انتقل العديد منهم لاحقاً إلى أندية أوروبية أكبر على غرار ويليان وأدريانو وفيرناندينيو ودوغلاس كوستا وغيرهم.
لم يتجنب النادي الصراع السياسي رغم مغادرته إقليم دونباس، حيث رفض في مناسبتين، ارتداء قمصان مكتوب عليها شعارات تدعم الجيش الأوكراني.
ومنذ انتقاله إلى كييف، نجح شاختار في الفوز بلقب الدوري الأوكراني 4 مرات، في حين حل وصيفاً في مناسبتين.
يملكه ملياردير مسلم
يملك نادي شاختار دونتسيك منذ سنوات الملياردير المسلم ريناف أحمدوف، وهو أغنى رجل في أوكرانيا، واتهمه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في عام 2021 بالمشاركة في مخطط للانقلاب ضده، بدعم روسيا.
وصنّفت مجلة "نوفوي فريميا" الأوكرانية، العام الماضي، رينات أحمدوف بأنه أغنى رجل في أوكرانيا بثروة تقدر بـ11.5 مليار دولار.
قالت المجلة إن انتعاش النشاط الاقتصادي في عام 2021 رفع أحمدوف إلى ارتفاع كبير، إذ تجاوزت ثروته حدود 10 مليارات دولار وتخطت ذلك.
واللافت أن الفارق بين ثروة أحمدوف وصاحب المركز الثاني في التصنيف يبدو كبيراً جداً، إذ قدّرت المجلة ثورة وصيفه، رجل الأعمال فيكتور بينتشوك، بـ2.603 مليار دولار، مقابل 2.44 مليار لصاحب المركز الثالث البرلماني ورجل الأعمال فاديم نوفيسكي، بينما يحتل المركز الرابع بيترو بوروشينكو الرئيس السابق لأوكرانيا، بثروة قدرها 1.522 مليار دولار.