هل الجزائريون بحاجة إلى قضية توحِّدهم؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/10 الساعة 12:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/10 الساعة 12:42 بتوقيت غرينتش

ما يفعله المنتخب الجزائري لكرة القدم بالجزائريين منذ سنوات كعامل جامع بينهم، مانع لكل ما يفرقهم في الحياة، يبقى أمر لافتاً للانتباه، ومثيراً للكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، حول هذا السحر الذي يسكن القلوب والعقول، ويجعل من الكرة وسيلة توحدهم، ومن المنتخب قضية وطنية يجتمع حولها الجميع خاصة منذ تتويج المنتخب بكأس أمم إفريقيا سنة 2019، وتتويج الرديف بكأس العرب في الدوحة نهاية السنة الماضية، مما زاد من تعلق الجزائريين بوطنهم واعتزازهم بجزائريتهم أكثر من أي وقت مضى، وأكثر من أي مجال آخر مهما كانت أهميته، في ظاهرة تحتاج إلى دراسة عميقة لخصوصيات مجتمع يجب أن تجمعه وتوحده قضية حتى يتفاعل معها بكل أطيافه ويسترجع ذاته ومقوماته الوطنية الراسخة التي تحتاج إلى محرك. 

كأس أمم إفريقيا أكبر من مجرد بطولة كروية

كل القلوب والعقول ستكون معلقة ابتداء من اليوم بالخضر في نهائيات كأس أمم إفريقيا الجارية في الكاميرون؛ أملاً في تحقيق تتويج ثانٍ على التوالي وثالث من نوعه بجيل لم يخسر على مدى 34 مباراة متتالية، صار رمزاً للتحدي والإصرار والتميز يرافقه الجميع بكل جوارحهم باعتباره وسيلة لإثبات الذات في محيط جيوسياسي معقد وظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، يصبح فيها المنتخب متنفساً ووسيلة للتعبير عن الذات والتعلق بالوطن، مثلما كان عليه الحال عبر التاريخ منذ جمعته قضية الاستقلال، إلى الثورات الصناعية والزراعية والثقافية التي رسمها الرئيس هواري بومدين، ثم التفاف الجزائريين حول محاربة الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي، والتفافهم حول مشروع المصالحة الوطنية بكل نقائصه، ثم انخراطهم في حراك شعبي لترحيل بوتفليقة ونظامه، وتوافقهم حول مواجهة التهديدات الخارجية المحيطة بالبلد منذ لجوء الجارة المغرب إلى التطبيع العلني مع الكيان..

المنتخب صار القضية الوطنية الأولى..

لقد بلغت درجة الوعي عند عامة الجزائريين إلى مستوى التفريق بين النظام والوطن، وبين السلطة والدولة، واعتبار المنتخب فكرة وقضية وطنية حتى ولو تم استغلالها من طرف السلطة لإلهاء الناس عن همومهم اليومية، فلا تجد جزائرياً واحداً أو جهة أو فئة من الناس تتخلف عن ركب التشجيع والمؤازرة وتبني نتائج المنتخب والالتفاف حوله وتوحيد الجزائريين تحت راية علم واحد ووطن واحد رغم  كل التحديات والهموم والمتاعب، وكل ما من شأنه أن يفرّق بين الشعب الواحد الذي سيعيش ابتداء من اليوم أياماً وليالي تذكره بتلك المحطات والقضايا الوطنية التي عاشها على مر السنين وجعلته واحداً موحداً قوياً يعتز ويفتخر بانتمائه لوطن اسمه الجزائر.

استقلال الوطن كان أعظم قضية..

لقد كان الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية من أقوى وأعظم القضايا التي جمعت الشعب الجزائري أثناء فترة الاحتلال الفرنسي، التف إثرها حول ثورة التحرير وقادتها وحزب جبهة التحرير، وضحى بمليون ونصف المليون شهيد في واحدة من أعظم ثورات القرن العشرين أمام مستعمر غاشم مارس كل أشكال الإجرام، وبعد الاستقلال التف الجزائريون حول الرئيس الراحل هواري بومدين الذي جمعهم حول مشروع الثورات الثلاث التي خاضها في مجال الصناعة والفلاحة والثقافة، وحول قيم ثورة نوفمبر/تشرين الثاني وضرورة صيانة أمانة الشهداء والحفاظ على السيادة والوحدة الوطنية حتى ولو على حساب الحريات الفردية والجماعية، وتحت نظام اشتراكي كانت الغاية منه حماية الطبقة الكادحة ومكتسبات وثروات البلاد.

بعد الاستقلال تعددت القضايا..

في تسعينيات القرن الماضي اجتمع الجزائريون في أحلك الظروف حول مشروع المؤسسات الأمنية للدولة في مكافحة الإرهاب، الذي كلف الجزائر عشرات الآلاف من الضحايا وعشرات المليارات من الخسائر المادية، إضافة إلى جراح عميقة استدعت التفاف الشعب حول الوطن في مرحلة لاحقة ضمن مشروع ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي أعاد الكثير من الجزائريين إلى رشدهم، وأنقذ الدولة من الانهيار بالرغم من كل التجاوزات التي حدثت في حق الأشخاص ومؤسسات الجمهورية، لكن الشعب فضَّل الالتفاف حول الوطن لحماية الدولة، لكن النظام لم يستثمر في الهبَّة الشعبية مع مطلع القرن الجديد، والسلطة المطلقة أدت إلى مفسدة مطلقة هدمت القيم والأخلاق ومؤسسات الجمهورية.

الحراك الشعبي قضية وطنية أخرى..

غياب مشروع المجتمع مع بداية الألفية رغم الطفرة المالية الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط وتزايد حجم المداخيل دفع بالجزائريين بعد عقدين من الزمن إلى الالتفاف حول الحراك الشعب كمشروع وطني لحماية الأمة والدولة والوطن من ممارسات ما وصفت بالعصابة في قاموس الجزائريين، فكانت تلك الثورة الشعبية التي حيرت العالم بسلميتها عندما اجتمع فيها الرجل والمرأة، الصغير والكبير، المتعلم والأمي في الداخل والخارج على هدف واحد هو إنقاذ الجزائر من بوتفليقة ورموز نظامه، إلى أن تم اختراقه وتهديمه من أطراف داخلية وخارجية، جزائرية وأجنبية، في وقت أعاد فيه المنتخب الوطني البسمة لوجوه الجزائريين عندما تُوج بكأس أمم إفريقيا في يوليو/تموز 2019 في عز أيام الحراك، ليرتبط التتويج بترحيل بوتفليقة ورموز نظامه، ويكرس تلك اللحمة وذلك الارتباط بين منتخب الكرة وكل الشعب.  

هل هي ظاهرة صحية؟

ظاهرة الارتباط بمنتخب الكرة قد تكون غير صحية في نظر البعض، لكنها تعكس واقعاً يحتاج إلى تمعن ودراسة، وربما يحتاج إلى تجنيد الشعب حول فكرة أو مشروع، أو قضايا أخرى وطنية أكثر أهمية تحمل أبعاداً سياسية، اجتماعية، اقتصادية وفكرية وثقافية، وحتى أمنية، لأن ربط مصير الوطن ومعنويات الناس بنتائج منتخب الكرة فيه مخاطرة بمعنويات الناس وشعورهم الجماعي الذي يجب أن يتجاوز لعبة فيها خاسر ورابح، تخضع لمعطيات لا يمكن التحكم فيها كل مرة مقارنة بقضايا أخرى يمكن التحكم في تفاصيلها وتوجيهها بالشكل الذي يخدم الوطن وليس بالضرورة السلطة، لأن الدولة  فوق كل شيء، والجزائر يجب أن ترتقي إلى مستوى مؤسسي الدولة ومستوى تضحيات الشهداء وكل المقومات والثروات والكفاءات التي تزخر بها في كل المجالات وليس فقط في مجال الكرة.  

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حفيظ دراجي
المُعلق الرياضي الجزائري
إعلامي شهير، ومُعلق رياضي جزائري.
تحميل المزيد