عرض قصة حياته هي، بالنسبة للاعب الدولي الفرنسي كيليان مبابي، التواصل بكل تواضع مع جيله ومع الجيل الأصغر منه ليؤكد لكل شاب ولكل طفل أنّ كل واحد منهم فريد من نوعه، موهوب، مختلف عن الآخر، وأنّ الله قد منحه فرصة في الحياة يجب عليه اغتنامها.
وقد أراد نجم نادي باريس سان جيرمان الفرنسي لكرة القدم، كيليان مبابي، تحفيز الشباب والفتيان على الإيمان بقدراتهم لتحقيق طموحاتهم في الحياة، فقام بنشر سيرته الذاتية على شكل رواية هزلية بالرسوم المتحركة استعرض من خلالها طفولته ومشواره الرياضي الشاب الحافل بالألقاب.
وتفادى اللاعب البالغ من العمر 23 عاماً استعراض حياته على الطريقة الكلاسيكية للسيرة الذاتية، ولجأ إلى الرواية بالرسوم المتحركة باعتبار أنّ هذا النوع من الكتب هو المفضل لدى فئة الأطفال والفتيان، فلا تتعجب، إذاً، أخي القارئ، إذا عرفت أنّ 150 ألف نسخة من الكتاب قد بيعت بعد أسبوعٍ واحدٍ فقط من خروج الرواية الى سوق الكتب بفرنسا، في مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول 2021، وأنّ تقريباً كل الـ300 ألف نسخة التي تم طبعها كلها نفدت من المكتبات وأنّ الكثير منها قد تم تقديمها كهدية احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة.
الكتاب بعنوان "اسمي كيليان"، بـ220 صفحة، صادر عن مؤسسة النشر "كيليان مبابي"، وألفه اللاعب مبابي بالتعاون مع الرسام الفرنسي "فارو" المعروف برسوماته الكاريكاتورية بمجلات وصحف رياضية فرنسية شهيرة على غرار "فرانس فوتبول" و"ليكيب" و"سو فوت".
وعلى الرغم من أنّ الرواية قد صيغت بطابعٍ هزلي فإنها لم تكن خيالية بل ضمت أحداثاً واقعية، أراد من خلالها كيليان مبابي مشاركة قصته، وأحاسيسه ومشاعره، سواء كانت سعيدة أو حزينة.
كان يبكي وهو رضيع كلما سمع كلمة "انهزام"!
وُلد كيليان مبابي يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 1998، بالعاصمة الفرنسية باريس، من أبوين رياضيين، حيث كان والده الكاميروني "ويلفريد" لاعب كرة قدم ثم مدرباً لفريق الشباب لنادي "بوندي" بالضاحية الشمالية الشرقية لباريس، ووالدته الجزائرية "فائزة لعماري" لاعبة كرة يد بنفس النادي "بوندي" الذي كانت تنشط معه بالقسم الأول للدوري الفرنسي إلى غاية عام 2001.
وبحسب ما جاء في كتاب سيرته الذاتية، فإنّ كيليان "الرضيع" كان يبكي كلما سمع كلمة "انهزام"، في إشارة إلى أنّه كان يطمح منذ تلك السن المبكرة جداً نحو تحقيق النجاحات في حياته.. والنجاح بالنسبة لمبابي طبعاً هو الفوز بالمباريات ونيل الألقاب الجماعية والفردية.
ومن المؤكد أنّ كيليان لا يتذكر تلك الفترة التي كان فيها رضيعاً، وأنّ قصة بكائه قد عرفها من عائلته الرياضية مثل القصة الأخرى التي رواها عن نفسه لما كان لا يزال صبياً صغيراً ينام بالمهد، حيث كان يرفض كل الهدايا التي لا تتضمن كرة القدم. وهي الكرات التي حولها فيما بعد لما كبر قليلاً إلى متفرجين على الأريكة وهو يلعب كرة القدم بقاعة الاستقبال ببيت العائلة.
تماثيل "اللوفر" كانت بنسبة إليه لاعبي كرة القدم!
مواقف غريبة ومضحكة أخرى يرويها كيليان مبابي، في الكتاب، عن طفولته، حيث أخذه والداه في إحدى المرات إلى متحف "اللوفر" الشهير بباريس، فكان يتخيل التماثيل المعروضة على أنّها لاعبو كرة قدم، ثم يعرضان عليه الذهاب لحديقة الألعاب والتسلية فيختار الترفيه بركوب الطائرة.. لماذا؟ بكل بساطة لأنّ اللاعب المحترف يمتطي الطائرة بين مباراة وأخرى عندما يخوض مسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.
مديرة مدرسة فكرت في تحويله إلى مركز لذوي الاحتياجات الخاصة
وخلال تواجده بالمدرسة الابتدائية كان الطفل كيليان، في وقت الاستراحة، يركض بمفرده في الساحة، رافعاً يديه نحو السماء للإشارة إلى رفعه كأس العالم، ما جعل مديرة المدرسة تستغرب هذا التصرف، إضافة لانزعاجها من فرط حركته داخل القسم، وفكرت بسبب ذلك بتحويله نحو مدرسة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.
ومن كثرة حديثه عن أحلامه بتحقيق الألقاب والبطولات في رياضة كرة القدم، أطلق عليه زملاؤه المقربون لقب "الأسطورة الوهمية".
وإذا كان الطفل كيليان قد عانى من سوء فهم شخصيته بالمدرسة فإنه وجد بالقابل كل الحب والحنان داخل العائلة المتكونة، بالإضافة للوالدين، من "أخيه" الأكبر "جيراس" الذي تبنته العائلة في سن الـ11، وشقيقه الأصغر "إيثان".
واسمح لي عزيزي القارئ أن أفتح هنا قوساً لأشير إلى أنّ كتاب "اسمي كيليان" وعلى الرغم من صدوره في مطلع شهر ديسمبر الماضي فإنه يتناول حياة اللاعب مبابي من ميلاده إلى غاية نيله، رفقة منتخب فرنسا، لقب كأس العالم لكرة القدم بروسيا في صيف 2018، ولذلك فهو لا يتطرق إلى طلاق والديه الذي حدث في مطلع عام 2020، وبالتالي فإنّ العائلة تظهر في الكتاب مترابطة وسعيدة حيث يقضي النجم الفرنسي وقتاً معتبراً بالمنزل للعب "بلاي ستيشن" مع شقيقه "إيثان" ويقوم أيضاً بمساعدة والدته في غسل الأواني حتى وهو نجم عالمي.
أعود إلى طفولة كيليان مبابي لأوضح أنّه كان تلميذاً مجتهداً على الرغم من الملاحظات التي أبدتها حول سلوكه "الغريب" مديرة المدرسة الخاصة التي كان يدرس بها بالطور الابتدائي، ثم أصبح الطفل أكثر فهماً لدى محيطه المدرسي لما انتقل إلى إكمالية "كاترين دي فيفون" بحكم أنّ معظم زملائه كانوا من اللاعبين الذين يدرسون معه بالمركز الوطني لكرة القدم "كليرفونتان" التابع للاتحاد الفرنسي لكرة القدم، والذي انضم إليه في سنة 2011 وغادره في صيف 2013.
سر الصورة التي جمعته بكريستيانو رونالدو
وتبقى الزيارة التي قام بها إلى نادي ريال مدريد الإسباني، لما كان يبلغ من العمر 14 سنة، أحد أبرز الأحداث التي كشف من خلالها مبابي لغز أو سر الصورة التي جمعته بلاعبه المفضل، النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو.
وروى كيليان أنّه تلقى دعوة من أسطورة الكرة الفرنسية، زين الدين زيدان، في عام 2013، للقيام بتجارب فنية وفترة معايشة تحسباً للانضمام للمركز التكويني للنادي الملكي.
وكشف مبابي أنّ زيدان، الذي كان يشغل، في ذلك الوقت، منصب المدير الرياضي لنادي ريال مدريد، هو من قدم بسيارته لاستقباله في المطار، وطلب الفتى كيليان حينها بكل براءة إن كان بإمكانه نزع حذائه الرياضي لركوب السيارة.
ولكن الموقف الأكثر طرافة هو لما وصل مبابي إلى مدينة ريال مدريد الرياضية "الفالديبيباس"، حيث منحه "زيزو" البذلة الرياضية لريال مدريد، التي لبسها على الفور، ليلتقي بعدها بلحظات قليلة فقط بمثله الأعلى كريستيانو رونالدو، الذي كان ينشط حينها في الريال، فتبادل معه بعض الكلمات وقام بتخليد اللقاء بتلك الصورة الشهيرة المتداولة، في السنوات القليلة الماضية، على نطاق واسع بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي… وما كشفه كيليان أنّ تلك الصورة قد تم التقاطها من طرف زيدان شخصياً.
والده أخفى عنه القيمة الحقيقية لانتقاله إلى موناكو
لم يعد بعدها كيليان مبابي إلى نادي ريال مدريد، بل فضل والده ضمه للمركز التكويني لنادي موناكو، قبل بداية موسم (2013- 2014) ويروي الكتاب أنّ ويلفريد مبابي قد أخفى القيمة الحقيقية للمنحة التي تلقاها الطفل لمغادرة نادي بوندي الصغير نحو موناكو، والمقدرة بـ400 ألف يورو، بحيث قال لابنه كيليان إن المنحة تُقدر بـ15 ألف يورو فقط، وذلك حتى لا يغتر بنفسه ويحتفظ بتواضعه ويواصل العمل نحو النجاح.
بقية قصة كيليان مبابي معروفة وهي أنّه وبعد تألقه اللافت مع فريق الشباب لموناكو، منحت له إدارة النادي أول عقد احترافي، في عام 2016، لمدة 3 سنوات، لكنه غادر الفريق يوم 31 أغسطس/آب 2017، نحو نادي باريس سان جيرمان على سبيل الإعارة لموسمٍ واحدٍ ثم على شكل انتقال نهائي، في صيف العام الموالي 2018 بمبلغ 145 مليون يورو، في ثاني أغلى صفقة في تاريخ انتقالات اللاعبين في العالم.
ولم يكن بإمكان ويلفريد مبابي إخفاء قيمة الصفقة عن نجله كيليان، لأنّ الأخير أصبح نجماً كبيراً في رياضة كرة القدم وقضية انتقاله تناولتها الصحافة العالمية بالتفصيل، كما أنّ الفتى أضحى ناضجاً بما فيه الكفاية، ليدرك ما يدور حوله.. وهو الذي نال في سبتمبر/أيلول 2016، شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) في علوم وتكنولوجية المناجمنت والتسيير.. وتلك قصة أخرى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.