يستعد اللاعب الدولي الجزائري ياسين براهيمي للمشاركة مع منتخب بلاده الأول في نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، المقررة بالكاميرون، في مطلع السنة القادمة، بعدما خرج من حسابات مدرب "محاربي الصحراء"، جمال بلماضي، لأكثر من سنة.
ولم يكن نجم نادي الريان القطري ليعود إلى قائمة "الخضر" لو لم يتألق بذلك الشكل اللافت خلال مسابقة "كأس العرب- فيفا"، التي احتضنتها قطر من 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وتُوّج خلالها براهيمي بجائزة أفضل لاعب في الدورة، بعدما قاد منتخب الجزائر الثاني لنيل لقب البطولة.
وسأعود للحديث عن قصة براهيمي مع منتخب الجزائر، بعدما أتطرق لمشواره الرياضي مع الأندية.
وُلد ياسين براهيمي يوم 8 فبراير/شباط 1990، بالعاصمة الفرنسية باريس، من أبوين جزائريين، حيث تعود جذور والده لمدينة المنيعة بالصحراء الجزائرية، وأمه لمدينة تيزي وزو بمنطقة القبائل.
لعب في باريس سان جيرمان وتخرج في معهد "كليرفونتان"
بدأ ممارسة رياضة كرة القدم في سن السابعة من عمره، أي في عام 1997، ضمن فريق "مونتروي" بضواحي العاصمة باريس، ثم انتقل في سنة 1999 إلى نادي "فانسيناس" بشرق باريس، الذي استمر معه إلى 2005، حيث انضم بعد ذلك لنادي باريس سان جيرمان في موسم 2005- 2006.
وبالموازاة مع فترة نشاطه بـ"فانسيناس" وباريس سان جيرمان، كان براهيمي يدرس من 2003 إلى 2006 بالمركز الوطني لكرة القدم لـ"كليرفونتان"، وهي مدرسة رياضية تابعة للاتحاد الفرنسي لكرة القدم، ومفتوحة للأطفال البالغين ما بين 13 و15 سنة، وقد درس بها العديد من نجوم الكرة الفرنسية والعالمية، على غرار الفرنسيين تيري هنري ونيكولا أنيلكا وكيليان مبابي وبليس ماتويدي، والجزائري مراد مغني، والمغربي المهدي بن عطية.
وعند بلوغه سن الـ16، رحل الفتى ياسين عن المنزل العائلي نحو الشمال الغربي لفرنسا، وبالضبط إلى منطقة "لابروتان"، ليواصل تكوينه ضمن مدرسة نادي "رين"، حيث تألق بشكلٍ لافتٍ مع مختلف فرقه العمرية، فنال لقب الدوري الفرنسي لأقل من 18 عاماً في موسم 2006- 2007، ثم كأس "غامبارديللا"، أي كأس فرنسا للشباب لأقل من 19 عاماً، في موسم 2007- 2008.
وقّع أول عقد احترافي في سن الـ18
ولم يمر تألق براهيمي مع فريق الشباب لرين دون أن يمنحه ثقة مسؤولي النادي، فظفر بأول عقد احترافي في صيف 2008 لمدة 3 سنوات، ولكنه اكتفى في موسمه الأول ( 2008-2009) باللعب مع فريق الرديف، الذي كان ينشط في دوري الهواة، ثم أعاره نادي رين في الموسم الموالي (2009-2010) لنادي "كليرمون فوت" بالدوري الفرنسي للدرجة الثانية، حيث شارك في 32 مباراة، سجل خلالها 8 أهداف وقدم تمريرتين حاسمتين.
عاد براهيمي لنادي رين في صيف 2010 من الباب الواسع، وجدّد عقده لثلاث سنوات أخرى، لكنه نشط معه موسمين اثنين فقط، لعب خلالهما 54 مباراة رسمية، سجل فيها 9 أهداف ومنح 3 تمريرات حاسمة، قبل أن يقرر خوض تجربة احترافية في مستوى أعلى، فرحل نحو الدوري الإسباني في أغسطس/آب 2012، للعب مع نادي غرناطة على سبيل الإعارة لموسمٍ واحدٍ، ثم اشترى النادي الأندلسي عقده، يوم 24 مايو/أيار 2013، بمبلغ 2.5 مليون يورو.
أفضل لاعب إفريقي في "الليغا" عام 2014
وظهر جلياً أنّ قرار ياسين براهيمي بالانضمام لنادي غرناطة كان صائباً، بحيث نحج في جلب اهتمام الصحافة العالمية، لما نال في سنة 2014 اللقب الرمزي لأفضل مُراوغ في الدوري الإسباني لكرة القدم، متفوقاً على نجمي برشلونة في ذلك الوقت، الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرازيلي نيمار، ومهاجم ريال مدريد، البرتغالي كريستيانو رونالدو، كما نال جائزة أفضل لاعب إفريقي بالليغا في موسم 2013-2014.
واستثمر غرناطة جيداً في النجم الجزائري، فبعدما اشترى عقده من رين الفرنسي بمبلغ 2.5 مليون يورو في 2013، باعه يوم 16 يوليو/تموز 2014 بـ56 مليون يورو لنادي بورتو البرتغالي، الذي حدّد قيمة الشرط الجزائي في عقدة بقيمة 50 مليون يورو.
تعاقد براهيمي مع بورتو لمدة 5 سنوات، توج خلالها بلقب الدوري البرتغالي في موسم 2017-2018، وكأس السوبر البرتغالي في عام 2018، وبلغ نهائي كأس البرتغال في موسم 2015-2016 ونهائي كأس الرابطة البرتغالية في موسم 2018-2019.
مشوار مميز مع بورتو قبل الانتقال إلى الدوري القطري
شارك ياسين مع النادي البرتغالي في 215 مباراة رسمية في كل المسابقات المحلية والقارية، سجل خلالها 54 هدفاً، منها 9 أهداف في دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.
وخلال المواسم الثلاثة الأولى التي قضاها براهيمي في بورتو كان اسمه متداولاً بحدةٍ للانضمام لأحد الأندية الأوروبية العملاقة، على غرار بايرن ميونيخ الألماني ويوفنتوس الإيطالي وباريس سان جيرمان الفرنسي، لكن قيمة الشرط الجزائي الكبيرة لعقده حالت دون تغييره للأجواء.
وبعد نهاية عقده مع بورتو في صيف 2019، وتحرّره من أي التزام، وعلى الرغم من تلقيه عدة اتصالات من أندية أوروبية محترمة إلّا أنّ براهيمي فضل وهو في سن الـ30 تلبية عرض نادي الريان القطري، الذي منحه بحسب بعض المصادر المطّلعة راتباً ضخماً يقدر بـ7.2 مليون يورو سنوياً، ما جعله أغلى لاعب مُشارك في مسابقة كأس العرب- فيفا الأخيرة بقطر.
بداية مشواره الدولي كانت مع منتخبات فرنسا
أعود الآن للحديث عن قصة ياسين براهيمي مع المنتخب الجزائري، لأشير أنّ ابن الصحراء قد بدأ مشواره الدولي مع منتخبات الفئات الشابة لبلد مولده فرنسا، وذلك منذ موسم 2005-2006 مع منتخب أقل من 16 عاماً، وقد برز أكثر مع منتخب أقل من 19 سنة، الذي سجل له 12 هدفاً في 19 مباراة خلال موسم 2008-2009، كما شارك في 9 مباريات مع منتخب الآمال (أقل من 23 عاماً) من 2010 إلى 2012، وذلك قبل أن يغير جنسيته الرياضية نحو بلده الأصلي الجزائر، في فبراير/شباط 2013.
وشارك براهيمي في أول مباراة له بقميص منتخب الجزائر، يوم 26 مارس/آذار 2013 بملعب "مصطفى تشاكر" بمدينة البليدة، أمام منتخب بنين (3-1) لحساب تصفيات مونديال 2014، وكان ذلك الموعد بمثابة بداية لمشوار دولي حافل مع تشكيلة محاربي الصحراء، امتد إلى يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عندما خاض ياسين آخر لقاء إفريقي له أمام منتخب زيمبابوي بهراري (2-2) في تصفيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2021.
مونديال تاريخي مع منتخب الجزائر
وما بين هذين التاريخين شارك براهيمي في 56 مباراة دولية مع منتخب الجزائر، سجل خلالها 11 هدفاً، أشهرها الهدف الذي سجله في مرمى منتخب كوريا الجنوبية (4-2) في دور المجموعات لنهائيات كأس العالم لكرة القدم لعام 2014 بالبرازيل، وهي المسابقة التي بلغت خلالها الجزائر الدور ثمن النهائي لأول مرة في تاريخ مشاركاتها في نهائيات كاس العالم.
وشهدت المسابقة أيضاً تألق براهيمي بشكلٍ لافتٍ، سمح له بنيل جائزة أفضل لاعب إفريقي لعام 2014، التي تمنحها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إضافة لجائزة أفضل لاعب إفريقي واعد لنفس العام من طرف الاتحاد الإفريقي لكرة القدم.
ومن أبرز إنجازات ياسين براهيمي مع منتخب الجزائر تتويجه بلقب كأس أمم إفريقيا في صيف 2019 بمصر، وهي المسابقة التي لم يشارك فيها كلاعب أساسي، بحيث اكتفى بخوض مباراتين فقط كلاعب بديل، 19 دقيقة أمام كينيا (2-0) في دور المجموعات، و6 دقائق أمام السنغال (1-0) في اللقاء النهائي.
ثورة بلماضي أبعدته عن التشكيلة الأساسية
فقد براهيمي مركزه الأساسي في منتخب "محاربي الصحراء" بعد الثورة التي أحدثها المدرب جمال بلماضي على التشكيلة، بتخليه عن دور قائد العمليات الهجومية الكلاسيكي الذي كان يقوم به براهيمي، وإسناد هذه المهمة إلى الثنائي سفيان فيغولي وإسماعيل بن ناصر، اللذين كانا يؤديان أيضاً مهام دفاعية في استرجاع الكرات في وسط الميدان، بالإضافة للجناحين رياض محرز على الجهة اليمنى، ويوسف بلايلي على الجهة اليسرى.
وحتى مركز الجناح الأيسر الذي كان يشغله براهيمي في حال تغيير الخطة والأدوار فإنّه فقده لصالح بلايلي، الذي وضع فيه بلماضي ثقته الكاملة، خاصة في ظل التفاهم والتجانس المميز لهذا الأخير مع المهاجم الصريح بغداد بونجاح.
وعقب نهاية دورة "كان مصر 2019" بدأ براهيمي في الخروج تدريجياً من الحسابات الفنية للمدرب بلماضي، حيث شارك في 3 مباريات كأساسي و4 كاحتياطي، آخرها يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بديار منتخب زيمبابوي.
وطيلة فترة غيابه عن منتخب الجزائر الأول لم نسمع أو نقرأ أي احتجاج أو انتقاد من براهيمي تجاه خيارات المدير الفني بلماضي، حتى إنّه لما سُئل خلال مؤتمر صحفي يوم 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، عشية مباراة الجزائر مع لبنان، في كأس العرب، عن شعوره بالتواجد مع المنتخب الوطني الرديف بدل الثاني، أجاب بكل عفوية ودون ضغينة.
وقال في هذا الشأن: "الفرق بالنسبة لي غير موجود، وفي كلتا الحالتين أنا أمثل بلدي الجزائر، ونحن نلعب بنفس الرغبة والإصرار، وما يهمني هو الأجواء الحالية في كأس العرب، وفخور بوجودي في هذا المكان مع منتخب بلادي، وأتمنى أن أكون عند حسن الظن".
بقية القصة معروفة، وهي قيادة ياسين براهيمي منتخب الجزائر للمحليين لنيل لقب كأس العرب، وتسجيله الهدف الثاني في مرمى منتخب تونس (2-0) خلال المباراة النهائية، يوم 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وتتويجه شخصياً بجائزة أفضل لاعب في البطولة أمام زميله يوسف بلايلي.
وقد برز براهيمي في البطولة العربية بلقطاته الفنية ومراوغاته الجميلة وتمريراته السحرية، حيث استعمله مدرب منتخب الجزائر للمحليين، مجيد بوقرة، في مركزه المفضل كقائد للعمليات الهجومية، في حين لعب يوسف بلايلي كجناح أيسر، وهي معطيات يكون بلماضي، من دون شك، قد لاحظها، وقد يلجأ إليها في بعض المباريات القادمة لمنتخب الجزائر الأول، بداية من نهائيات كأس أمم افريقيا لكرة القدم، المقررة بالكاميرون من 9 يناير/كانون الثاني إلى 6 فبراير/شباط من العام المقبل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.