ويبقى أمل الشعبين الجزائري والمغربي أن يلتقيا يوماً ما، لكن ليس وسط مدرجات كرة القدم، بل على الحدود، إلى ذلك الحين لا أحد يعرف ما يخبئه لهما التاريخ.
من شاهد مباراة السبت بين المنتخبين المغربي والجزائري، أعتقد أنه لن يخاله شك في إدراك مدى التوتر والضغط اللذين كانا باديين بشكل لافت على المنتخبين المغربي والجزائري، كان ذلك واضحاً في بداية المباراة ثم ما لبت أن اختفى، غير أنه سيعود بسرعة للواجهة من جديد، هذا التوتر صحيح أنه كان يزيد من حماس المباراة، غير أنه ربما هو الذي أثر سلباً على مجموعة من اللاعبين المغاربة، فلم يكن بالأمر الهين أن يخوض المغاربة هذه المباراة، خاصة إذا ما استحضرنا الوضعية السياسية المضطربة بين البلدين.
صحيح أنه ليس هناك حرب على الجبهات، غير أن هناك حرباً أخرى إعلامية.
فقبل المباراة كان هناك عدة حملات، على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي حاولت تأجيج الصراع المفتعل، غير أن ما أنبأ عنه سلوك اللاعبين أثناء المباراة والجماهير أيضاً، كان أمراً آخر، ليعاد السؤال من جديد: هل تصلح الرياضة ما تفسده السياسة؟
يعتبر علماء الأنثروبولوجيا أن الإنسان اختار اللغة، وجعلها بمثابة رموز تساعده على التواصل والتفاهم، غير أنه مع بداية تطور الإنسان ظهرت طرق أخرى تؤدي نفس الوظيفة، مثل الأدب والفنون بشتى أنواعها، ولعل الرياضة باتت أهم وسيلة تحقق هذا المفهوم في عصرنا الحاضر، حيث نرى أن ما تفعله الرياضة اليوم لم تفعله أي وسيلة قبلها، وخاصة كرة القدم، فما تحققه هذه الرياضة من سبل للتوافق والتآلف بين الناس يبدو في غاية الغرابة، كما أن مباريات كرة القدم اليوم أصبحت تمرر عبرها رسائل، ومن ضمنها رسائل التضامن، وهذا الأمر غدا اليوم في غاية الجلاء بحيث لم يعد يخفى على أحد ممن يتابع هذا المجال.
ولعل هذا الأمر بدا أوضح في المباراة التي جمعت بين المغرب والجزائر بملعب الثمامة بقطر يوم السبت، حيث إنه رغم ما تشهده بلد كل من المنتخبين من صراع سياسي بينهما، إلا أن المباراة عكست حجم الود والتضامن الذي بين الشعبين، وهذا ليس حكراً على مباراة السبت فقط، بل له جذور تاريخية، وما ذلك إلا لما بين البلدين من تلاحم، حيث أنهما كانا شعباً واحداً، قبل ان يفرق بينهما الاستعمار ويفتعل صراعاً بينهما، غدا يتزايد حجمه مع مرور التاريخ.
فالجماهير المغربية كانت دائماً تشجع المنتخب الجزائري وكأنه مغربي، وكذلك تفعل الجماهير الجزائرية أيضاً، بل في بعض الأحيان هناك الكثيرون يقتنون تذاكر، بغية تشجيع الجمهور الجزائري خصوصاً حينما تأهل لكأس العالم، فعلى هذا الأساس نتأكد أن قيم التضامن والتلاحم بين الشعبين هي فوق كل اعتبار سياسي، فما يجمع بين الشعبين أكثر ما يفرق بينهما.
غير أني أعتقد أن هذا الأمر لا ينبغي أن يأخذنا بعيداً عن الأمر الواقع، حيث إنه مهما كانت الروح الرياضية حاضرة بين اللاعبين، أو بين الجماهير إلا أن ذلك لا يخفي تأثير الأزمة عليهم، حيث كان ذلك بادياً في المباراة، فالأسلوب الاندفاعي كان طاغياً وبقوة على جو المباراة العام، وإن كان اللاعبون من الجانبين حاولوا أن يتغلبوا على كل ما من شأنه أن يفقد المباراة الروح الرياضية المبتغاة، فقد كانوا يسارعون إلى الاعتذار في كل خطأ ارتكبه أحدهم، وحاولوا أن يجعلوا من المباراة مثالاً للروح الانضباطية العالية التي ينبغي أن يتحلى بها اللاعبون، مهما كان من صراع بينهما.
وما يؤكد قضية إلصاق البعد السياسي بالمباراة، ما يفعله بعض من رواد التواصل الاجتماعي، الذين حاولوا أن يجعلوا من الفوز الرياضي انتصاراً سياسياً، وهذا ربما قد يطرح سؤالاً يبدو وجيهاً، هل فعلاً تلك الروح الرياضية التي كانت تسود المباراة هي فعلاً روح ود ومؤاخاة، أم أنها فقط مجاملة لعدسات الكاميرا التي كانت تحيط بالملعب وتلتقط همسات اللاعبين قبل كلامهم، هذا ما لا يستطيع الجزم به أحد، فالمؤكد أن الأزمة السياسية ترخي بظلالها على باقي المجالات الأخرى، وإن كان ذلك يبقى نسبياً.
صحيح أن الرياضة هي لعبة فقط، غير أن للرياضة كلاماً ورسائل مشفرة قد ترسلها كما أسلفت، ولذلك قد لا يبالغ من يقول، الحياد لا مجال له هناك.
إن الأزمة السياسية بين الجارتين لم تصل إلى ذروتها إلا في السنوات الأخيرة، غير أنه ومع ذلك هناك تعاون بين الأكاديميين والباحثين من كل البلدين، وخصوصاً على مستوى الجامعات.
إن كل من شاهد مباراة السبت تيقن من أن الروابط التي تجمع الشعبين هي أقوى من أي خصومات سياسية، مهما اختلفت التحليلات والتأويلات، ويبقى أمل الشعبين الجزائري والمغربي أن يلتقيا يوماً ما، لكن ليس وسط مدرجات كرة القدم، بل على الحدود، إلى ذلك الحين لا أحد يعرف ما يخبئه لهما التاريخ.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.