ظلت الملاعب الرياضية في المغرب، الفضاء العمومي الوحيد المغلق في وجه مرتاديه من جماهير كرة القدم على الخصوص، بعدما قررت الحكومة المغربية، في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، رفع حظر التجوال الليلي، والسماح بإقامة الجنائز والأفراح ورفع قرارات الإغلاق عن الأماكن التي تعرف التجمعات البشرية، كالمسارح ودور السينما والحمامات الشعبية.
الاحتقان يقف وراء "لغز" استمرار الإغلاق
استثناء الملاعب الرياضية من قرارات إنهاء الإغلاق أصابت جماهير كرة القدم المغربية بالإحباط، وعبرت عن استيائها الكبير من منعها مما تعتبره "حقاً" في العودة إلى الفضاء الذي يعد متنفساً بالنسبة إليها، ومكاناً طبيعياً لقضاء نهايات الأسبوع لتشجيع فرقها المفضلة، بعد ما يقارب أكثر من عام ونصف العام من منعها.
واعتُبر استمرار غلق المدرجات في وجه مرتاديها لغزاً غامضاً، لاسيما أن الكثير من الدول المجاورة كالجزائر وتونس ومصر شرعت في رفع المنع عن ملاعبها الرياضية، وسمحت للجمهور بالحضور بالمدرجات في مباريات منتخباتها الوطنية لحساب الجولة الأخيرة من التصفيات المؤهلة إلى نهائيات كأس العالم، علماً أن المسؤولين المغاربة ما فتئوا يتحدثون عن "ريادة المغرب" في مكافحة الوباء على المستوى القاري والإقليمي وتقدمه في تحسن الحالة الوبائية على غيره من بعض الدول المجاورة، فما الأسباب التي أخرت إعادة الحياة لمدرجات الملاعب المغربية؟
كشفت معطيات توصل إليها "عربي بوست" من مصادر متطابقة، أن السبب الحقيقي الذي أخّر فتح ملاعب الكرة على الخصوص في وجه الجمهور، هو حالة الاحتقان التي يعيشها الشارع المغربي، الرافض لبعض القرارات التي خرجت بها الحكومة الجديدة، في مقدمتها فرض جواز التلقيح على المواطنين المغاربة لدخول الأماكن العمومية وللتحرك بحرية بين المدن والعمالات والأقاليم.
كما زاد قرار وزارة التربية والتعليم الأولي باشتراط عدم تجاوز ثلاثين سنة أمام كل من يرغب في الترشح للعمل في التدريس من حدة الاحتجاجات وغضب الشارع المغربي، ما أخرج المواطنين في معظم المدن للتظاهر ضدها، معبرين عن رفضهم لمثل هذه القرارات، بينهم شريحة واسعة من الجمهور المغربي.
وتخشى السلطات أن تنتقل موجة الاحتجاجات الأخيرة من الشوارع إلى مدرجات الملاعب، التي كانت دوماً نافذة، يرسل من خلالها الشباب المغربي رسائله السياسية، عبر هتافات ولافتات وشعارات موجهة ضد الحكومة، تلقى صدى كبيراً وطنياً ودولياً، بالنظر إلى التغطية الإعلامية الواسعة التي تحظى بها مباريات كرة القدم.
وما زاد في تعزيز تخوف السلطات المغربية، هي الدعوات التي أطلقها الناشطون الرافضون للقرارات الحكومية الاخيرة، عبر منصات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، الموجهة إلى روابط فصائل "الألتراس" المشجعة للأندية المغربية، بالنزول معهم للشارع باعتبارهم يشكلون قوة احتجاجية مؤثرة بالنظر إلى أعداد أعضائها الكبيرة، وقدرتها على التأثير في بقية الجماهير غير المنتمية، فضلاً عن قدرتها أيضاً على الخلق والابتكار في طرق الاحتجاج، نتيجة تجربتها الكبيرة في "الصراع" مع السلطات الأمنية.
اتهام رجال أمن بالتسبب في مقتل مشجع
حادث آخر "فرض" استمرار إغلاق الملاعب على السلطات المغربية، مرتبط بوفاة المشجع يوسف، المنتمي إلى فصيل "غرين بويز" المناصر للرجاء الرياضي، ذي الشعبية الكبيرة، سيما أن والدته تتهم رجال الأمن بالتسبب في موته، عبر دفعه والاعتداء عليه بالضرب المبرح.
وغزا وسم "العدالة ليوسف" مختلف منصات التواصل الاجتماعي، سيما "فيسبوك" الأكثر انتشاراً في المغرب، و"تويتر".
وحسب بلاغ لفصيل "الغرين بويز"، ورواية والدته، فإن وفاة المشجع يوسف كانت بسبب رجال الأمن، الذين اعتدوا عليه بالضرب في مختلف أنحاء جسده، بعدما دفعه أحد الدراجين الملاحقين له، قبل أن يتأثر بجروحه ويلقى حتفه، مشيرة إلى أن الكاميرات المتبثة بمحطات "الترامواي" وثقت تفاصيل الواقعة.
فيما أكدت والدة يوسف، عبر مقطع فيديو، نشر في الصفحة الرسمية للفصيل الرجاوي، أن ابنها لم يمت جراء حادثة سير، بل قُتل، ما اضطر المديرية العامة للأمن الوطني المغربي للخروج ببلاغ تعلن خلاله أنها "تتعاطى بالجدية اللازمة مع التسجيلات والمحتويات الرقمية المنشورة في شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تتناول ظروف وملابسات الحادثة".
هذه الحادثة، وحّدت مختلف فصائل "الألتراس" المغربية، وشارك أعضاؤها بكثافة في وسم "العدالة ليوسف"، بل خرجت العديد منها إلى الشارع مطالبة بكشف حقيقة وفاة زميلهم، الأمر الذي يعدُ بغليان في مدرجات الملاعب المغربية في حال فتحت في الوقت الراهن أمام الجمهور الغاضب من السلطات الأمنية، ومن الحكومة المغربية.
وازدادت الأوضاع الاجتماعية في المغرب تفاقماً منذ العام الماضي، بسبب الكساد الذي خلفته قرارات الحظر والإغلاق، علماً أن الشريحة الأوسع من الشعب المغربي تنتمي إلى قطاعات غير مهيكلة، والتي لم تتلق أي تعويضات حكومية جراء تضررها الكبير من الحجر الصحي، ما يجعل ملاعب الكرة "قنبلة" قد تنفجر، إذ يبقى استمرار غلقها "قراراً حكيماً في الوقت الراهن"، بحسب ما أفادت به مصادر "عربي بوست".
الجمهور المغربي يتوحد ضد "الغلق"
حادثة وفاة المشجع يوسف لم تكن الوحيدة التي وحدت جمهور كرة القدم في المغرب، بل وحدها أيضاً مطلب إعادة فتح الملاعب في وجهها، وعدم استثنائها من قرارات إنهاء الإغلاق بالنسبة للفضاءات العامة.
واختلفت طرق المطالبة بفتح الملاعب، من جمهور إلى آخر، ففي الوقت الذي اختارت فيه معظم الجماهير التعبير عن استيائها من استمرار إغلاق الملاعب منذ ما يقارب العشرين شهراً، من خلال تدوينات وتغريدات على منصات التواصل الاجتماعي، نزل فصيل "بلاك آرمي" المناصر لنادي الجيش الملكي إلى أرض الواقع.
ودخل أعضاء الفصيل ملعب مولاي عبد الله بالرباط في غفلة من حراس الأمن ورفع لافتة ضد الإغلاق، وأخرى تربط بين ما تعتبره "ارتفاع نسبة الوعي في الملاعب وبين استمرار الغلق"، فيما عبرت لافتة أخرى عن استيائها بعد السماح لبعض "نجوم منصات التواصل الاجتماعي"، ومعهم مقربون وأفراد من أسر المسؤولين عن الكرة المغربية سواء في الاتحاد المغربي للكرة أو في الأندية، بحضور مباراتي المنتخب المغربي أمام منتخبي السودان وغينيا فيما منعت الجماهير المغربية الحقيقية من دخول الملعب.
تبخّر الوعود وصمت المسؤولين
ما يؤكد المعطيات التي كشفتها مصادر "عربي بوست" بخصوص الأسباب الحقيقية في عدم فتح الملاعب حتى الآن، هي التقارير التي تحدثت قبل ما يزيد عن الشهر عن اقتراب فتح المدرجات في وجه الجماهير، سيما مع الإعلان عن تنزيل بروتوكول خاص لجمهور الكرة المغربية، يضم مجموعة من الشروط.
وتم تحديد الشروط في التدرج في ملء المدرجات بداية بنسبة 50%، في مرحلة أولية، على أن يتم الرفع منها تدريجياً، وضرورة التوفر على جواز التلقيح، للإدلاء به مع تذاكر المباريات عند نقاط المراقبة الأمنية في جنبات الملعب ومداخلها، كما سبق لفوزي لقجع، رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم، أن "بشر" قبل أسابيع باقتراب فتح الملاعب مع تحسن الحالة الوبائية، فيما أشارت العديد من التقارير الإعلامية، أن الجولتين اللتين خاضهما المنتخب المغربي في تصفيات المونديال ستعرفان حضور الجمهور دون أن يتحقق ذلك.
وتواصل "عربي بوست" مع مسؤول بارز في الاتحاد المغربي، واستفسر عن أسباب التأخر في إعادة الدفء لمدرجات الملاعب، في الوقت الذي عادت فيه الحياة إلى مختلف ملاعب الدوريات الكروية في العالم، إذ أكد المصدر ذاته أن الاتحاد المغربي في تواصل مستمر مع المصالح الصحية، من أجل إيجاد صيغة لإعادة فتح الملاعب لأنها هي الجهة المخولة بمثل هذه القرارات.
من جهته لم يقدم خالد أيت الطالب، وزير الصحة، أي توضيحات بخصوص موعد عودة الجماهير، خلال جلسة بالبرلمان، الجمعة الماضي، حيث قال للصحافة إن الوزارة المعنية مازالت تتابع الوضع الوبائي قبل اتخاذ القرارات النهائية في هذا الصدد.
في حين تجنب شكيب بن موسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضية، الحديث عن موضوع عودة الجماهير الرياضية للملاعب الوطنية، خلال جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية، المنعقدة الإثنين الماضي، بمجلس النواب، بعدما استغل محمد بودريقة، النائب البرلماني عن فريق التجمع الوطني للأحرار، أخذه الكلمة في إطار تعقيب، لإعادة طرح القضية، سيما أنه وجه بخصوصها سؤالاً كتابياً إلى وزير الرياضة في وقت سابق.
ولم يتطرق بن موسى لموضوع عودة الجماهير خلال إجابته عن الأسئلة الشفوية المبرمجة في الجلسة، بالرغم من أن بودريقة، الذي سبق له رئاسة المكتب المديري للرجاء الرياضي لكرة القدم، عزز سؤاله بالحديث عن مخلفات غلق المدرجة على ميزانية الأندية الوطنية التي باتت تعيش أزمة حقيقية بعد حرمانها من مداخيل بيع التذاكر.
واقترح النائب البرلماني إعادة فتح الملاعب في وجه الجمهور المغربي، بشكل تدريجي، وإعادة الشباب الرياضي إلى أماكنهم الطبيعية التي يرغبون في ارتيادها بالمدرجات، وتفريج أزمة الأندية بفضل مداخيل بيع التذاكر، غير أن الوزير فضل تجنب الحديث عن الموضوع بشكل نهائي.