في اليومين الماضيين، تصدرت رسالة من رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم، كان قد نشرها على حسابه الشخصي على موقع توتير عناوين الصحف، خارج إيران، كانت رسالته التي تتضمن صورة "زهرة كودائي"، حارسة مرمى الفريق الوطني الإيراني لكرة القدم النسائية، ويطالب الاتحاد الآسيوي لكرة القدم بأن يحقق في جنس السيدة كودائي، بعد الشكوك من الجانب الأردني أن اللاعبة رجل وليست سيدة.
أقيمت المباراة بين المنتخبين الإيراني والأردني في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واستطاع المنتخب الإيراني انتزاع الفوز وهزيمة نظيره الأردني في تصفيات كأس آسيا، التي وصل إليها المنتخب الإيراني لكرة القدم النسائية لأول مرة، لكن فجأة قرر رئيس الاتحاد الأردني نشر شكوكه المزعومة حول جنس حارسة مرمى الفريق الإيراني بعد شهرين من المباراة.
بالطبع، كانت ردود الفعل الإيرانية غاضبة، وتم تفسير الأمر على أنها مكيدة من الاتحاد الأردني بسبب خسارته، وفي نفس الوقت، أعلن المنتخب الإيراني على لسان مدربيه أنه على أتم الاستعداد لتقديم الشهادات الطبية التي تم الحصول عليها بواسطة مركز طبي تابع للاتحاد الآسيوي لكرة القدم النسائية، تؤكد أن جميع لاعبات المنتخب الإيراني نساء ولا وجود لتعاطي المنشطات والهرمونات الذكورية.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يفعل فيها الأردنيون ذلك الأمر، ويثيرون نفس المسألة، ففي بطولة غرب آسيا عام 2011 تم تتويج المنتخب الإيراني لكرة القدم النسائية كوصيف للفريق الفائز، كما فازت اللاعبة الإيرانية "مريم رحيمي"، بجائزة أفضل لاعبة في البطولة، بسبب أدائها الرائع في مباراة فريقها مع المنتخب الأردني.
حينها تصدرت "مريم رحيمي"، عناوين الصحف الأردنية، لكن ليس لمهاراتها وقدراتها الفنية العالية، ولكن للتشكيك في جنسها كما حدث مؤخرا مع زهرة كودائي، فكانت العنوان الأبرز للصحافة الأردنية آنذاك "زهرة آسيا رجل"، في إشارة إلى السيدة رحيمي.
لكن بعيداً عما حدث للمنتخب الإيراني لكرة القدم النسائية في الأردن، وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي تشنها الصحافة الإيرانية ضد الاتحاد الوطني الأردني لكرة القدم النسائية، بسبب مزاعم رئيس الاتحاد الأردني، فإن مسألة وجود لاعبات متحولات جنسياً في الفرق الرياضية الإيرانية لكرة القدم النسائية، مسألة معقدة وتم تناولها في كثير من الأحيان.
ملف شائك
قصة لاعبي كرة القدم والعابرين جنسياً من الرياضيين في إيران، ملف رمادي شائك في أرشيف ذكريات كرة القدم الإيرانية النسائية، يتم تجنب الحديث عنها في كثير من الأحيان، بحجة أن إثبات الأمر سيكون وصمة عار في تاريخ الرياضة النسائية الإيرانية.
بدأت كرة القدم النسائية في إيران في عام 1996، كانت هذه الرياضة الجديدة التي تحاول الخروج للنور بالنسبة للنساء، مازالت غير منتشرة ولا تجذب أنظار الكثير من النساء، لكنها فتحت الباب أمام الرجال العابرين جنسياً، أي الذين صنفوا ذكوراً عند الولادة، ولكنهم عاشوا بهوية جنسية مغايرة.
التحول الجنسي مباشرة، أمر شائع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وغير محرم، فقد تمت إجازته بفتوى من مؤسس الجمهورية، آية الله روح الله الخميني، في الثمانينات، ففي السنوات الأولى لنجاح الثورة الإيرانية، جاء رجل يدعي "فريدون"، محاولاً مقابلة زعيم الجمهورية الجديد، الخميني، ليعرض عليه مشكلته التي كانت تتعلق بهويته الجنسية، فهو ذكر لكنه يشعر أنه امرأة ويرغب في التحول ويبحث عن فتوى شرعية من رجال الدين للقيام بعملية التحول الجنسي.
بعد الكثير من المناقشات، أصدر الخميني فتوى بإيجاز التحول الجنسي، في بداية الأمر، لم تكن عمليات التحول الجنسي متاحة في إيران، لكن بمرور الوقت أصبح التحول/العبور الجنسي مألوفا للغاية في الجمهورية الإسلامية.
في التسعينات، وقت إنشاء الاتحاد النسائي لكرة القدم في إيران، لم تكن حالات التحول الجنسي، منتشرة كما هو الحال الآن، لذلك تم قبول عدد من اللاعبات اللاتي خضعن لهذه العملية، وعند تشكيل المنتخب الوطني لكرة القدم النسائية دخل عدد كبير من اللاعبات المتحولات جنسياً إلى اللعبة.
في مقابلة صحفية، قديمة نسبياً، تقول إحدى المدربات المخضرمات لفريق كرة القدم النسائي الإيراني، "لم نكن على علم ودراية جيدة بمسألة التحول الجنسي، كنا فقط سعداء بوجود لاعبات يتمتعن بقوة بدنية عالية مثل الرجال ويؤدين بشكل جيد في التدريبات على أرض الملعب"، حينها لم تكن تعلم المدربات والمدربين بأن اللاعبات عابرات جنسياً بالفعل.
محاولات التكتم على الأمر
بعد سنوات قليلة من انتشار كرة القدم النسائية في إيران، بدأت الهمسات تكثر حول وجود لاعبات متحولات جنسياً داخل فرق كرة القدم النسائية، لكن حينها حاولت "خديجة سبنجي"، النائب الأول للقسم النسائي في اتحاد كرة القدم الإيراني، التكتم على الأمر، خاصة أنها كانت تحاول الحصول على الموافقة الدينية من رجال الدين في الحوزة العلمية في مدينة قم، بالسماح للنساء بتأسيس منتخب وطني لكرة القدم والمشاركة في المسابقات الدولية.
خشيت السيدة سبنجي وقتها من وصول هذه الهمسات والشكوك حول جنس اللاعبات لرجال الدين فيقوموا بمنع لعب كرة القدم للنساء، أو اتهام الاتحاد النسائي لكرة القدم بالمثلية الجنسية. وإبطال جميع الفتاوى الدينية المؤيدة للعب كرة القدم للنساء.
علاقة حب تكشف الأمر
لكن انتشر الموضوع على نطاق واسع بحلول عام 2009، خاصة بعد أن وقع محمد مرتضوي نجاد، مدير فريق شنسا لكرة القدم النسائية، في غرام "زمرد"، إحدى لاعبات الفريق، التي يقال إنها رفضت طلب الارتباط به، فقاد حملة ضد وجود لاعبات متحولات جنسياً في الفرق الإيرانية لكرة القدم النسائية.
أقدم مرتضوي نجاد على تقديم شكوى إلى الاتحاد الإيراني لكرة القدم، طالباً التحقيق في الأمر، وذكر أسماء عدد من اللاعبات من بينهن حارسة مرمى فريقه "زمرد". وكتب في رسالته أنه يريد من رئيس الاتحاد الإيراني لكرة القدم أن يأتي بنفسه ويشاهد صوت اللاعبات الخشن، وقدراتهن البدنية في الملعب، ليتأكد بنفسه من أنهن لسن فتيات بل هن رجال.
الجدير بالذكر هنا أن من ضمن اللاعبات اللاتي تم التحقيق معهن وعرضهن على الكشف الطبي زهرة كودائي، التي أعلن الاتحاد الأردني لكرة القدم شكوكه حول جنسها.
حاولت حينها فريدة شجاعي، نائبة رئيسة الاتحاد الوطني لكرة القدم النسائية، نفي هذه المزاعم، بحجة أن هرمونات الذكورة قد تكون عالية لدى بعض اللاعبات، ومنخفضة عند بعضهن، وهذا ليس دليلاً على أنهن تحولات جنسياً.
اختار الاتحاد الإيراني لكرة القدم أن يتكتم على هذه المسالة، نظراً لحساسية الموضوع، وكونه يعرّض سمعة الجمهورية الإسلامية للخطر، ويمكن أن يتطور الأمر إلى اتهامات بإشاعة الفساد، والترويج للمثلية الجنسية داخل الفرق النسائية الرياضية، وهذا أمر خطير في بلد إسلامي محافظ، يمكن أن يطيح بالرياضات النسائية بأكملها.
لكن هذا لا يعني انتهاء الجدل حول جنس اللاعبات في فرق كرة القدم النسائية، ولا يعني نفياً تاماً لوجود لاعبات متحولات جنسياً، من حين لآخر تتم إثارة هذا الموضوع، الذي اختار أغلب المسؤولين الرياضيين في إيران التهرب منه، وتجنب الحديث عنه، خشية إنهاء مستقبل الرياضة النسائية في إيران.
وفي نفس الوقت تجنب الحديث في هذا الأمر لا يعني التسامح معه، ففي الكثير من الأحيان يتم التفتيش والفحص الدقيق للاعبات كرة القدم بإيران، وإخضاعهن لاختبارات تحديد الجنس، كما أنه لا يُسمح لهن في كثير من الأوقات بقص شعرهن، أو ارتداء ملابس تشبه ملابس الذكور، داخل معسكرات التدريب.
مراقبة سلوك اللاعبات وإرسالهن للفحص الطبي من حين لآخر، بالإضافة إلى حوادث مشابهة لما حدث مع المنتخب الوطني الإيراني لكرة القدم النسائية في الأردن مؤخراً، تزيد من الضغوط على اللاعبات الإيرانيات، فبدلاً من إظهار قوتهن البدنية في الملاعب يحاولن التحلي بمظهر أنثوي وصوت رقيق أكثر وأكثر، لإثبات أنهن لَسن رجالاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.