تغيرت ملامحه وكبرت سِنُّه وما زال وجهه يتزيّن بالشغف وقلبه -كما قدميه- عامرٌ بالعطاء الكروي الغزير، ديدنه مغلّفٌ بالثقة ومزدانٌ بقوة الشخصية والقيادة وكذا الإرادة. والأهم من هذا كله أن كريستيانو رونالدو هو خير مثال "للصبر" في تاريخ كرة القدم قاطبة.
ليس مجرد لاعب وليس اسماً عابراً في ثنايا الساحرة المستديرة، لاعب قال عنه المدرب المحنك "كارلو أنشيلوتي" وجوده ضمن أي فريق يمنحك قبل بداية اللقاء؛ التقدم في النتيجة بـ1/0.
رونالدو خلّف وراءه الدهشة والاحترام، بمسيرة عطاء إلهامية تخطت عشرين عاماً، ولا زال البرتغالي يركض كالمراهق ويكأنه في بدايات المشوار، وكأنه لاعب شاب يريد إثبات نفسه، رغبة في التسجيل وشبع بلا نهاية. يلعب رونالدو كمن يبحث عن ذاته، راغباً في أن يكتشف اسمه وأن يصعد سلم الكرة العالمية، لا كمن تربع على عرشها وفاز بالكرة الذهبية 5 مرات.
في يوفنتوس ظن الجميع أنه انتهى، لكنه رد على المنتقدين وأسكتهم مرات ومرات فحطم أرقاماً ودوَّن أهدافاً لا يبصم عليها إلا من ترسخت عنده جينات التحدي والطموح المتنامي؛ فقط لأنه رونالدو.
وهنا تكمن جودة ابن جزيرة ماديرا الذي لم يصل بعد لمرحلة الاكتفاء الكروي، ولا يبدو أنه سيصلها يوماً ما.
كريستيانو رونالدو، ابن السادسة والثلاثين ربيعاً، عاش طفولة بائسة وصعبة، مات والده بسبب مضاعفات صحية سببها إدمانه للكحول، وكما قالت في مذكراتها، فكرت أمه جدياً في إجهاضه لعدم مقدرتها على تسديد تكاليف الإنجاب ومصاريف أشهر الحمل وسنوات الصبى بسبب الفقر المدقع التي كانت تعيش فيه الأسرة.
لم تجهض الأم رونالدو، ومات الأب، وتوالت السنوات وتبدلت الظروف وتغيرت الأحوال، كبرت سن رونالدو ووقع أول عقد احترافي في بلاده البرتغال، لفريق "سبورتنغ لشبونة"، ثم حملقت نحوه عينا الأسطورة التدريبية "السير أليكس فيرغسون"، فجلبه إلى العملاق الإنجليزي مانشستر يونايتد قبل بلوغه سن العشرين، ليقضي مع الشياطين الحمر مواسم ظلت مترسخةً في ذاكرة رواد "مسرح الأحلام" ومتابعي الكرة أجمعين. وبعدها تحول "الدون" نحو كبير أوروبا نادي ريال مدريد فغدا هناك رمزاً وأيقونةً كرويةً استعصى تعويضها أو نسيانها، بل ومثل رياضي تجسدت فيه معاني النجاح الكروي أرقاماً وألقاباً وألقاً وتألقاً وحسماً وتأثيراً.
في يوفنتوس ظن الجميع أنه انتهى، لكنه رد على المنتقدين وأسكتهم مرات ومرات فحطم أرقاماً ودوَّن أهدافاً لا يبصم عليها إلا من ترسخت عنده جينات التحدي والطموح المتنامي؛ فقط لأنه رونالدو.
حتى عندما وطئت قدماه "الأولد ترافورد" مرة أخرى في 2021، ظهر بثوب المنقذ لمدربه "أولي غونار سولشاير" من مقصلة الإقالة في مناسبات عدة وآخرها ثنائيته في شباك أتلانتا بيرغامو الإيطالي وقبلها أمام السبيرز توتنهام في الدوري.
رونالدو رواية ملهمة وقصة كفاح وتحدٍّ يمكن لأي إنسان في أي مهنة ترجمتها والسير على نهجها واتخاذها أسلوب حياة حتى يحقق مبتغاه.
اليوم كريستيانو رونالدو على أعتاب الـ37 سنة وما زال يبرهن على أنه أحد عظماء اللعبة وكبارها بل وأساطيرها الذين سيخلدهم التاريخ ويتناولهم ويتناقلهم جيلاً بعد آخر.
رونالدو رواية ملهمة وقصة كفاح وتحدٍّ يمكن لأي إنسان في أي مهنة ترجمتها والسير على نهجها واتخاذها أسلوب حياة حتى يحقق مبتغاه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.