لما انضم الفتى بيدرو غونزاليس لوبيز أو (بيدري) لنادي برشلونة الإسباني، في صيف العام الماضي، لم يكن أي من المتابعين والنقاد الرياضيين، ولا هو شخصياً، يتوقع أن يكون موسمه الأول في المستوى العالي بمثل ذلك النجاح والتألق الكبيرين سواء من ناحية الإضافة النوعية التي قدمها للفريق أو الكم الهائل من المباريات التي شارك بها، والتي سمحت له أن يُنهي الموسم كأكثر لاعب في العالم مشاركة في المباريات، كما لم يكن ينتظر أنّ هذا التطور المذهل قد يتحول من نعمة إلى نقمة.
التحق بيدري ببرشلونة قادماً من نادي لاس بالماس الإسباني على أساس أن يبدأ مشواره مع النادي الكتالوني، باللعب ضمن الفريق الرديف، لكن المدير الفني الجديد للبرسا آنذاك، رونالد كومان، لاحظ فيه قدرات مميزة تسمح له بالانضمام للفريق الأول مباشرة، دون المرور بالفريق الرديف.
كانت تلك نظرة استشرافية صائبة من المدرب الهولندي. وسرعان ما نجح الواعد بيدري في الظفر بمركز أساسي في خط وسط "البلوغرانا"، ثم لفت انتباه المدير الفني لمنتخب إسبانيا الأول، لويس إنريكي.
قبل أن يصل إلى المستوى العالي، بدأ بيدري، المولود في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2002 ببلدة "تيغيستي" بجزر الكناري، ممارسة رياضة كرة القدم في سن مبكرة ضمن فريق مسقط رأسه، لينضم بعد ذلك، في عام 2015، لنادي "جوفنتود لاغونا"، ثم يرحل في سنة 2018 لنادي لاس بالماس، الفريق الأبرز في جزر الكناري الواقعة بالمحيط الأطلسي.
ريال مدريد رفض بيدري!
وقبل الانضمام لفريق لاس بالماس، أي لما كان يبلغ من العمر 16 عاماً، أجرى بيدري فترة تجريبية مع نادي ريال مدريد لمدة أسبوع واحد، لم يتم على إثرها قبوله للالتحاق بمدرسة النادي الملكي الكروية، بحجة ضعف المستوى، مثلما كشف بيدري لإذاعة "كادينا سير" الإسبانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وقد كان رفضه من طرف ريال مدريد بمثابة دافع كبير له لتكثيف العمل والمجهودات ضمن فريق لاس بالماس للشباب الذي ظهر رفقته بمستوى رفيع، أبهر من خلاله كشافة العديد من الأندية الإسبانية الكبيرة، فخطفه نادي برشلونة، في آخر أيام الميركاتو الصيفي لعام 2019، مقابل 6 ملايين يورو بالإضافة إلى متغيرات قد تصل قيمتها الإجمالية إلى 30 مليون يورو.
وقد اتفق برشلونة مع لاس بالماس على تأجيل الضم النهائي لبيدري إلى غاية صيف السنة الماضية، وتركه مع نادي بالماس، على شكل إعارة لموسمٍ واحدٍ ( 2019- 2020)، لمواصلة تكوينه وتطوره التدريجي.
وفي موسمه الأخير مع لاس بالماس، لم يشأ الفتى بيدري الاكتفاء بالتعلم وقد أجبر، بفضل قدراته الفنية العالية، مدرب الفريق الأول، بيبي ميل، على ضمه لتشكيلته الأساسية، حيث شارك في 36 مباراة في دوري الدرجة الثانية الإسبانية، سجل خلالها 4 أهداف وقدم 7 تمريرات حاسمة، كما دخل تاريخ النادي بأن أصبح أصغر لاعب يسجل هدفاً لفائدة لاس بالماس، وذلك في سن الـ16 عاماً و9 أشهر و25 يوماً.
كومان تفاجأ بمستواه في أول مران
وكما أشرت في بداية المقال، فقد كان مُقرراً أن يباشر بيدري مشواره الرياضي مع نادي برشلونة من بوابة فريق الرديف، لكن مدرب الفريق الأول، رونالد كومان، الذي لم يكن يعرف الفتى سوى من خلال مقاطع الفيديو، تفاجأ بشكلٍ كبيرٍ بمستوى اللاعب في أول حصة تدريبية تحضيرية للموسم الجديد (2020- 2021) ورأى فيه النجم المستقبلي لخط وسط ميدان "البرسا"، ولم يصبر كثيراً للاعتماد عليه في مسابقة "الليغا"، فأقحمه بديلاً للبرازيلي كوتينيو في الدقيقة الـ70 من مباراة فياريال (4-0) لحساب الجولة الثالثة من المسابقة يوم 27 سبتمبر/أيلول 2020.
وسجل بيدري هدفه الأول بقميص برشلونة يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2020 في مرمى نادي فيرن فاروس المجري (5-1) بعدما دخل بديلاً لزميله أنسو فاتي في الدقيقة الـ62 من المباراة التي جرت لحساب الجولة الأولى من دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا لكرة القدم.
تدريجياً، فرض بيدري نفسه في التشكيل الأساسي لفريق برشلونة، وأنهى الموسم الماضي (2020-2021) كأكثر لاعب مشاركة مع النادي الكاتالوني بمجموع 52 مباراة رسمية في كل المسابقات، متقدماً على كل من الإسباني جوردي ألبا ( 49 مباراة) والأرجنتيني ليونيل ميسي (47 مباراة) و الهولندي فرينكي دي يونغ (44 مباراة).
وخاض بيدري مباراته الـ50 مع برشلونة يوم 8 مايو/أيار 2020 أمام نادي أتلتيكو مدريد (0-0) في إطار الدوري الإسباني، وهو في سن الـ18 عاماً و5 أشهر، أي ثاني أصغر لاعب يصل إلى هذا الرقم في تاريخ النادي الكتالوني بعد الإسباني بويان كركيتش الذي حققه لما كان يبلغ من العمر 18 عاماً و3 أيام.
بيدري على خُطى بويان
بداية كيركيتش مع برشلونة تكاد تشبه تلك التي يعيشها حالياً بيدري، ونتمنى أن لا يكون مصير ابن جزر الكناري مُشابهاً اللاعب ذا الأصول الكرواتية، كيف ذلك؟
فلقد اكتفى بيدري بخوض 4 مباريات فقط مع برشلونة منذ بداية الموسم الحالي (2021- 2022) كما لم يشارك مع منتخب إسبانيا في مسابقة دوري الأمم الأوروبية، وذلك بسبب تعرضه لإصابتين عضليتين في ظرف شهر واحد، أبعدته الأولى عن الميادين لمدة أسبوعين، بعد مشاركته أمام بايرن ميونيخ الألماني (0-3) يوم 14 سبتمبر/أيلول الماضي في إطار دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا.. فيما يرتقب أن تُبعده الثانية لمدة 3 أسابيع كاملة، والتي تلقاها يوم 29 سبتمبر/أيلول، في مباراة بنفيكا البرتغالي (0-3) برسم نفس المسابقة الأوروبية.
وجاءت الإصابة على مستوى أوتار الركبة، وما كان بيدري ليتعرض لهذا النوع من الإصابة لو لم يتعرض للإجهاد الكبير طيلة الموسم الماضي بخوضه 73 مباراة رسمية، ما جعل منه اللاعب الأكثر مشاركة في المباريات في العالم خلال الموسم الماضي، إضافة لنشاطه مع فريق برشلونة، خاض بيدري 11 مباراة مع المنتخب الإسباني الأول الذي بلغ رفقته الدور النهائي لبطولة أمم أوروبا لكرة القدم "يورو 2020″، كما شارك في 6 لقاءات مع المنتخب الإسباني الأولمبي ( أقل من 23 سنة) في أولمبياد "طوكيو 2020″، ونال معه الميدالية الفضية، بعد هزيمته في النهائي أمام منتخب البرازيل (1-2).
أولمبياد طوكيو زادته إرهاقاً
وقد جرت كلتا المسابقتين في الصيف الماضي دون أن ينال بيدري الراحة الضرورية لأي لاعب محترف بعد نهاية كل موسم رياضيٍ، وإذا كان من المنطقي والعادي مشاركته في نهائيات البطولة الأوروبية التي جرت من 11 يونيو/حزيران إلى 11 يوليو/تموز، فإنّ تواجده في أولمبياد طوكيو من 22 يوليو/تموز إلى 7 آب/أغسطس، يكون قد ساهم في تعرضه لإجهادٍ كبيرٍ كان قد حذر منه المدير الفني لبرشلونة، رونالد كومان، لما طلب من مدرب منتخب إسبانيا الأولمبي، لويس دي لا فوينتي، إعفاء لاعبيه من حضور دورة الألعاب الأولمبية، قصد استفادته من الراحة والعطلة ثم مباشرة التحضيرات للموسم الجديد بشكلٍ عاديٍ رفقة باقي زملائه في "البرسا".
وبحكم هذا المعطى يمكن تبرئة كومان من مسؤولية "تحطيم" محتمل للنجم الواعد بيدري، خاصة أنّه منحه عطلة وراحة تامة لمدة أسبوعين بداية من يوم 22 أغسطس/آب الماضي، وذلك بعدما كان اللاعب قد شارك في مباراتين اثنتين مع برشلونة، في إطار الموسم الجديد (2021- 2022) مباشرة بعد عودته من طوكيو.
وبالمقابل فإنّ المسؤولية تقع على عاتق الجهازين الطبي لنادي برشلونة، ولمنتخب إسبانيا الأولمبي، إضافة للجنة الطبية للاتحاد الإسباني لكرة القدم، إذ لا يعقل أن نُحمّل الفتى ما لا يطيقه جسمه "النحيل"، مهما بلغت قوة إرادته ودرجة طموحه، فالبشر يبقى بشراً وليس "إنساناً آلياً"، ولا داعي للتفلسف بمنح اللاعب راحة على فترات متقطعة، فالعارفون بالطب الرياضي يدركون جيداً أنّ الإجهاد يتسبب في إصابات عضلية ودواؤه الوحيد هو الراحة التامة لمدة محددة دون زيادة أو نقصان.
المسؤولية يتحملها أيضاً وكيل اللاعب، الذي وإن كان على دراية بالمشاكل المحتملة للإجهاد الجسدي، فإنه مشارك في "الجريمة"، وإن لم يكن على علم بذلك فإنه غير كفء لإدارة أعمال ومشوار رياضي للاعب مميز مرشح ليكون في المستقبل القريب واحداً من أفضل اللاعبين في العالم.
برشلونة لم يتعظ من درس كيركيتش
وما يُحير في القضية أنّ نادي برشلونة لم يتعظ من الدرس والتجربة اللذين عاشهما من قبل مع اللاعب بويان كيركيتش الذي تخرج في المركز التكويني للنادي الكاتالوني وأمضى معه على أول عقد احترافي في سن الـ17 وشارك رفقته في أول مباراة رسمية يوم 16 سبتمبر/أيلول 2007 أمام أوساسونا في الدوري الإسباني، وهو يبلغ من العمر 17 سنة و19 يوماً فقط، ثم أصبح، بعد ثلاثة أيام بعد ذلك، أصغر لاعب في تاريخ نادي برشلونة يشارك في دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، عن عمر 17 عاماً و22 يوماً، لما دخل بديلاً للنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، في الدقيقة الـ88 من مواجهة نادي ليون الفرنسي.
وحقق كيركيتش عدة أرقام قياسية أخرى، كأصغر لاعب في تاريخ نادي برشلونة يسجل هدفاً في مسابقة "الليغا" وكان ذلك يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2007 في مرمى فياريال، عن عمر 17 سنة و53 يوماً، محطماً الرقم الذي كان بحوزة ميسي (17 عاماً و10 أشهر و7 أيام)، كما يعتبر أصغر لاعب يشارك في 100 مباراة رسمية مع برشلونة، بعمر 19 عاماً و85 يوماً، وهو الرقم الذي حطمه يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2009، والذي كان يملكه ميسي بـ20 عاماً و8 أشهر.
وبخلاف بيدري، فإنّ بويان كيركيتش أجهد كثيراً مع برشلونة وليس مع منتخب إسبانيا، وقد تشجع ليطلب من المدير الفني للمنتخب الأول، الراحل لويس أراغونيس، إعفاءه من المشاركة في نهائيات "يورو 2008" بحجة 'الإرهاق"… وهو الإرهاق الشديد الذي نال منه في موسم 2007- 2008 ، عندما شارك في 48 مباراة رسمية مع الفريق الكاتالوني، سجل خلالها 18 هدفاً وقدم 5 تمريرات حاسمة.
وواصل برشلونة "حرق" اللاعب الشاب بويان، في الموسمين المواليين، قبل أن يتخلى عنه ويسرحه لنادي روما الإيطالي في صيف 2011 مقابل 12 مليون يورو على الرغم من أن قيمة الشرط الجزائي لعقده كانت تقدر بـ100 مليون يورو.
وكان رحيل كيركيش عن برشلونة بمثابة تأكيد على بداية أفول النجم الصاعد بسبب إجهاد اللاعب الشاب الذي تراجع مستواه مع مرور المواسم ضمن مختلف الأندية التي حمل ألوانها على غرار روما وميلان الإيطاليين وأياكس أمستردام الهولندي وستوك سيتي الإنجليزي وماينز الألماني وديبورتيفو ألافيس الإسباني وأمباكت مونريال الكندي.. وأخيراً فيسال كوبي الياباني.
نجاة ميسي وراؤول من "الحرق"
ولعلك لاحظت، أيها القارئ العزيز، أنّ معظم الأرقام القياسية لبويان كيركيش كانت بحوزة زميله السابق في برشلونة، ليونيل ميسي، بمعنى أنّ النجم الأرجنتيني لم يتعرض في صغره للحرق وللإجهاد الجسدي، ما ساهم فيما بعد في "نجاته" من لعنة الإصابات القوية وفي الحفاظ على مستواه وأدائه الخرافي، ولكي أوضح أكثر فإنّ ميسي خاض أول مباراة رسمية مع الفريق الأول برشلونة يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2004، أمام نادٍ لحساب الدوري الإسباني، أي لما كان عمره 17 عاماً و114 يوماً… ولم يشارك معه سوى في 9 مباريات رسمية في موسم 2004- 2005، ثم 25 مباراة في موسم 2005- 2006، و36 لقاء في موسم 2006- 2007، و40 مباراة في 2007- 2008.
كما لم يشارك ميسي مع المنتخب الأرجنتيني الأول إلّا في مباراتين اثنين في سنة 2005، وفي 7 لقاءات في عام 2006 وفي 14 مباراة في سنة 2007 وفي 8 مباريات في سنة 2008، إضافة لـ5 لقاءات أخرى مع المنتخب الأولمبي في أولمبياد بكين لنفس العام، ولم يخُض مونديال ألمانيا 2006، كلاعب أساسي بل كاحتياطي بحيث لم يكن المدرب بيكرمان يريد المغامرة به كثيراً حفاظاً على صحته وعلى ضرورة تطوره التدريجي، ونفس الأمر حدث أيضاً مع المدرب الذي جاء بعد المونديال، ألفيو بازيل، الذي انتظر دورة "كوبا أمريكا" لسنة 2007 ليمنح الثقة الكاملة للنجم العالمي.
ما يُقال عن ميسي ينطبق تقريباً على النجم السابق وأسطورة لنادي ريال مدريد، راؤول غونزاليس، الذي شارك لأول مرة مع الفريق الأول للريال يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 1994، عن عمر 17 سنة و4 أشهر، في مباراة لحساب الدوري الإسباني، أمام ريال سرقسطة (2-3)، لكنه خاض 28 لقاء في الليغا في موسم 1994- 1995 و40 مباراة في موسم 1995- 1996 و42 مباراة في 1996- 1997، كما تأخرت مشاركته مع منتخب إسبانيا الأول إلى غاية بلوغه 19 سنة و3 أشهر، بمناسبة لقاء جمهورية التشيك في أكتوبر/تشرين الأول 1996، برسم تصفيات مونديال 1998، في عهد المدرب خافيير كليمانتي.
أعيد وأكرر أني أتمنى أن يتجاوز بيدري مرحلة تعدد الإصابات بسلام وألا يتسرع نادي برشلونة في إعادته إلى المنافسة الرسمية لتفادي سيناريو آخر حدث في الموسم الماضي مع النجم الواعد الآخر للفريق، أنسو فاتي.. وتلك قصة أخرى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.