حلّ اللاعب الدولي الجزائري السابق كريم زياني مساء الخميس 23 سبتمبر/أيلول الجاري ببلد أجداده، قادماً من بلد مولده ونشأته فرنسا، بعدما تم تعيينه مديراً رياضياً جديداً لنادي شبيبة القبائل، وهو نفس المنصب الذي شغله صديقه وصهره وزميله السابق في منتخب "محاربي الصحراء" عنتر يحيى في نادي اتحاد الجزائر لمدة عامٍ واحدٍ، قبل أن تتم إقالته ويخرج من الباب الضيق في شهر آب/أغسطس الماضي.
وصرح زياني عند وصوله إلى مطار "هواري بومدين" الدولي بالجزائر العاصمة: "سعادة كبيرة تغمرني بعودتي إلى أرض الوطن خاصة أنني سأعمل ضمن أكبر ناد جزائري وهو شبيبة القبائل".
وأضاف قائلاً: "مشروعي الرياضي هو الفوز بالألقاب وليس هنالك مشاريع أخرى غير ذلك".
ويظهر جلياً أن هذا التصريح قد اتسم بنبرة تفاؤلية تشبه تلك التي تحدث بها عنتر يحيى عندما تسلم مهام الإدارة الرياضية لنادي اتحاد العاصمة الجزائري، في صيف العام الماضي، عندما قال إن "فريقاً مثل اتحاد الجزائر يجب أن يلعب دائماً من أجل نيل الألقاب".
اللحظات الأولى لبداية عمل زياني بالجزائر تشبه، إذاً، تلك التي عاشها مواطنه عنتر يحيى، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل ستكون الظروف وبيئة العمل هي نفسها، وهل ستكون نهاية كريم مثل صهره عنتر؟
قبل محاولة الإجابة عن هذين التساؤلين، أستسمحك عزيزي القارئ للتطرق باختصار للمشوار الرياضي لكريم زياني، والذي قد يمكنك من خلاله التعرف ولو نسبياً على شخصية الرجل، المُقبل على خوض تجربة جديدة في مساره المهني.
البداية مع فرق صغيرة بفرنسا
ولد كريم زياني يوم 17 آب/أغسطس 1982 ببلدة "سيرفرس" بالضاحية الغربية للعاصمة الفرنسية باريس من أب جزائري وأم فرنسية، وبدأ ممارسة رياضة كرة القدم في عام 1995 ضمن فريق "راسينغ كلوب فرانس" الصغير، قبل أن ينضم في سنة 1998 للمركز التكويني لنادي تروا الذي منحه أول عقد احترافي في عام 2001.
خاض زياني أول مباراة له في الدوري الفرنسي في شهر ديسمبر/كانون الأول من سنة 2001، وكان ذلك أمام نادي باستيا، ثم أصبح لاعباً أساسياً في فريق تروا في موسم 2002-2003، ما جعله يجلب اهتمام مسؤولي المنتخب الجزائري الأول، فدشن مباراته الدولية الأولى يوم 12 فبراير/شباط 2003 بمناسبة ودية منتخب بلجيكا التي جرت بمدينة عنابة وانتهت بفوز الضيوف بنتيجة 3-1.
وسأعود للحديث عن مشوار زياني مع منتخب الجزائر بعد الحديث عن مساره الاحترافي الطويل مع الأندية.
لعب زياني 3 مواسم ونصف الموسم في الفريق الأول لتروا ثم انتقل في يناير/كانون الثاني 2005 لنادي لوريون على شكل إعارة لمدة ستة أشهر ثم تعاقد معه في صيف نفس العام وقاده للصعود إلى دوري الدرجة الأولى الفرنسية في موسم 2005- 2006 ونال خلالها كريم جائزة أفضل لاعب لدوري الدرجة الثانية.
وبعدما كان ضمن اهتمامات العديد من الأندية، كمارسيليا ونانت وسانت ايتيان، فضل زياني قبول عرض نادي سوشو في صيف 2006 للعب تحت إمرة مدربه السابق في نادي تروا، ألان بيران، فتعاقد معه لمدة 3 سنوات في صفقة استفاد منها نادي لوريون من 2 مليون يورو.
وقد كان اختياراً صائباً بحيث تألق النجم الجزائري بشكل لافت مع فريقه الجديد وسجل 8 أهداف في موسم 2006- 2007 من بينها ثنائية تاريخية في مرمى باريس سان جيرمان (3-2)، كما تُوّج بكأس فرنسا بعد الفوز في اللقاء النهائي على نادي مارسيليا.
اكتشاف المستوى العالي مع مرسيليا
بقي لاعب وسط الميدان زياني موسماً واحداً فقط مع سوشو حيث لم يستطع هو ومسؤولو فريقه الصمود أمام إغراءات نادي مرسيليا الذي صرف 8 ملايين يورو في يونيو/حزيران 2007 للظفر بتوقيع اللاعب الجزائري لمدة 4 سنوات.
واكتشف زياني مع مرسيليا المستوى العالي من خلال خوضه مسابقتي دوري أبطال أوروبا وكأس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لكن موسمه الأول مع فريق عاصمة الجنوب الفرنسي كان متذبذباً بسبب كثرة الإصابات وتوتر علاقته مع مدربه البلجيكي إيريك غريتس قبل أن تتحسن الأمور في الموسم الثاني ( 2008- 2009) ويصبح ركيزة أساسية وينال جائزة أفضل لاعب في الفريق في أربعة أشهر متتالي، من نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 إلى فبراير/ شباط 2009، قبل أن يتوقف تألقه المميز بسبب إجراء عملية جراحية مستوى العضلات المقربة التي أبعدته عن الميادين لقرابة شهرٍ واحدٍ ونصف.
وقبل بداية موسم 2009 – 2010، علم زياني أنه لا يدخل ضمن استراتيجية لعب المدرب الجديد لفريق مرسيليا، ديدييه ديشامب، وقد تزامن ذلك مع تلقيه عرض نادي فولفسبورغ، فلم يتأخر كريم في التعاقد مع حامل لقب الدوري الألماني، مقابل 10 ملايين يورو، ما كان يشكل في ذلك الوقت احدى أغلى صفقات "البوندسليغا".
تجربة قصيرة مع بطل ألمانيا
لم يتأقلم زياني مع ناديه ومحيطه الجديدين، فاكتفى بالمشاركة في 23 مباراة فقط في موسمٍ واحدٍ ونصف، فرحل في يناير/كانون الثاني 2011 إلى نادي قيصري سبور التركي الذي حمل ألوانه في نصف موسم على شكل إعارة، لينتقل بعدها إلى الدوري القطري للعب في صفوف نادي الجيش في موسمي (2011 – 2012) و(2012- 2013) ثم نادي العربي في موسم 2013 -2014.
وجدّد زياني إقامته في الخليج العربي باللعب في الدوري الإماراتي في موسم 2014- 2015) ضمن نادي عجمان ثم الفجيرة، ثم بقي بدون فريق من يوليو/تموز 2015 إلى غاية فبراير/شباط 2016، انضم بعدها لنادي "بترولول بلويشتي" الروماني لمدة 4 أشهر فقط، ليعود إلى بلد مولده ونشأته فرنسا من بوابة نادي أورليون في صيف نفس السنة.
لعب زياني في صفوف نادي أورليون لمدة 3 مواسم كاملة في الدوري الفرنسي للدرجة الثانية قبل أن يعتزل اللعب رسمياً عقب نهاية موسم 2018- 2019، وهو في الـ37 من عمره.
أنا جزائري ولست فرنسياً
أعود الآن للحديث عن مشوار زياني مع منتخب الجزائر، لأشير بداية وبخلاف معظم اللاعبين المزدوجي الجنسية، والمولودين بفرنسا، أنّ كريم لم يحمل ألوان منتخبات فرنسا للفئات الصغرى، وقد كان له موقف واضح لما تلقى، في عام 2001، لما رفض دعوة المشاركة في معسكر مع منتخب فرنسا للشباب (أقل من 20 عاماً) وبرر قراره في تصريح للصحافة الفرنسية:" أنا جزائري ولست فرنسياً".
ولم يكن زياني حينها قد بلغ 19 سنة من عمره عندما أدلى بذلك التصريح الواضح، وقد انتظر قرابة السنتين ليتلقى استدعاءه الأول للانضمام لمنتخب بلده الأصلي الجزائر، في عهد المدرب البلجيكي جورج ليكننس ورئيس اتحاد الكرة محمد روراوة، الذي نشط كثيراً لضم المواهب الكروية الجزائرية الناشطة في أوروبا.
وكانت بداية كريم زياني، إذاً، مع منتخب الجزائر الأول في مباراة ودية أمام المنتخب البلجيكي في فبراير/شباط 2003، وخاض مباراته الرسمية الأولى يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول 2004، بميدان منتخب النيجر (0-1) لحساب تصفيات كأس العالم لكرة القدم 2006.
واستمر المشوار الدولي لمُدلّل الجماهير الجزائرية إلى غاية يوم 3 سبتمبر/أيلول 2011 لما شارك في مباراة "الخضر" مع منتخب تنزانيا (1-1) بدار السلام برسم تصفيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2012، حيث قرر بعدها مدرب المنتخب الجزائري، وحيد خاليلوزيتش الاستغناء عن خدماته، رفقة ركائز أخرى، قصد ضخ دماء جديدة في فريق "محاربي الصحراء" تحسباً لتصفيات مونديال البرازيل 2014.
وكان من بين تلك الركائز التي انسحبت من المنتخب قبل تنحيتها، عنتر يحيى ونذير بلحاج وكريم مطمور والذين شاركوا في قيادة الجزائر، رفقة المدرب القدير رابح سعدان، للتأهل إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2010 بعد 24 سنة من الغياب.
زياني على علم بمعاناة عنتر يحيى
عنتر يحيى، إذاً، كان زميلاً لكريم زياني في المنتخب الجزائري ولا يزال إلى غاية الآن صديقه كما أنه صهره (عنتر متزوج من شقيقة كريم)، وبحكم هذه العلاقة المتينة التي تربط الرجلين فمن المؤكد أنّ عنتر يحيى قد أخبر زياني بكل المشاكل التي عانى منها خلال عمله في نادي اتحاد الجزائر.
فقد جاء عنتر يحيى للعمل في اتحاد العاصمة الجزائري وكله أمل في إنجاز مشروعه الرياضي الطموح معتمداً في ذلك على خبرته الطويلة كلاعب محترف في أوروبا وعلى كفاءته الدراسية كمتخرج بشهادة "مناجير" من معهد "الحقوق والاقتصاد الرياضي" لمدينة ليموج الفرنسية ولكن كل طموحاته اصطدمت بـ"جبال" من العراقيل لم يكن يتصور يوماً أن يواجهها في حياته المهنية.
فبدل التركيز والتفرغ لعمله الفني والإداري، وجد عنتر يحيى نفسه يصارع على جبهات عدة، يواجه الأندية المنافسة ويواجه نقص الكفاءة الإدارية لمسؤولي اتحاد الكرة والرابطة المسيرة لمسابقة الدوري… ويواجه أيضاً إدارة نادي اتحاد العاصمة التي يشتغل لديها والتي استقدمته للعمل معها، بحيث استعجلت حدوث النتائج الإيجابية للفريق وسعت لإقالة "بطل ملحمة أم درمان" بعد 5 جولات فقط من بداية الدوري الجزائري، قبل أن تتراجع وتنتظر شهر أغسطس/آب الماضي لإحداث القطيعة رسمياً بعدما تأكدت من عدم نجاح الفريق في الظفر بلقب وطني أو بطاقة المشاركة في إحدى المسابقتين الإفريقيتين.
ووجد عنتر يحيى نفسه يواجه أيضاً شريحة كبيرة من جماهير نادي اتحاد العاصمة التي لم تكن ترى فيه الرجل المناسب لقيادة الفريق نحو التتويجات، بحجة عدم معرفته الجيدة بخبايا النادي و"عدم إجادته للعبة الكواليس" الضرورية لحصد الألقاب الوطنية.
نفس المشاكل والعراقيل تقريباً قد يجدها كريم زياني مع شبيبة القبائل ولو أنه صرح عند وصوله إلى الجزائر، رداً على سؤال حول إمكانية تلقيه نفس مصير عنتر يحيى: "إذا كنّا نخاف في حياتنا فإنّنا لن نتقدم، لست خائفاً.. وكل واحد له قصته، كما أنّ حالة كل واحدٍ منّا مختلفة عن الأخرى".
الأيام وحدها كفيلة بالإجابة عن تساؤلاتنا.. وأنا من جانبي أتمنى كل التوفيق لكريم زياني في مهمته الجديدة ببلده الجزائر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.