جاءت أزمة بطولة إفريقيا لكرة اليد، لتكمل طقس الصراع المتكرر بين المغرب والجزائر منذ حرب الرمال، التي جرت في عام 1963، إذ ما يلبث الوضع بين الجارين أن يهدأ إلا ويشتعل من جديد، مرخياً بظلاله على السياسة والاقتصاد حيناً، وعلى الثقافة والرياضة أحياناً أخرى.
محطة التوتر الجديدة بين الجارين جاءت هذه المرة بصبغة رياضية، بعدما رفضت الجزائر تنظيم بطولة إفريقيا لكرة اليد للكبار العام المقبل (2022) في مدينة كلميم والعيون، لاسيما أن الأخيرة تقع ضمن المناطق المتنازع عليها في الصحراء.
وشرع الإعلام الجزائري يلوح بمقاطعة البطولة، واصفاً أن الأمر هو "استفزاز مقصود من جاره المغرب".
وبالقدر الذي كانت فيه ردود الفعل الجزائرية قوية جداً، فضل المغرب وإعلامه التركيز أكثر على توتر آخر قادم من الشمال (الأزمة المغربية – الإسبانية)، والذي يحضر فيه اسم الجزائر أيضاً.
أزمة بطولة إفريقيا لكرة اليد
شرارة التوتر بين المغرب والجزائر بسبب أزمة بطولة إفريقيا لكرة اليد انطلقت مباشرة بعد استقبال وزير الخارجية والتعاون الإفريقي، المغربي ناصر بوريطة لوفد من الكونفيدرالية الإفريقية لكرة اليد يقوده منصور إريمو، رئيس المكتب التنفيذي وبعض أعضائه.
واعتبرت الجزائر أن الجهات الرسمية في المملكة المغربية "ترعى تنظيم البطولة الإفريقية في منطقة محتلة قاصدة استفزازه"، خاصة أن الوزير المغربي وضيوفه الأفارقة ورئيس الاتحاد المغربي لكرة اليد العدلي الحنفي اجتمعوا بوزير الشباب والرياضة ووقّعوا بروتوكول تنظيم مدينة العيون للبطولة الإفريقية 2022، بعد تصويت أعضاء الكونفيدرالية الأفريقية بإجماع 54 اتحاداً منضوياً تحت لواء الاتحاد الإفريقي.
هذا الإجماع، ورَّط حبيب لعبان رئيس الاتحاد الجزائري، الذي تلقى ضغوطاً كبيرة، بسبب تصويته لصالح ما اعتبرته وسائل إعلام جزائرية، "ملف المحتل المغربي" لاحتضان البطولة الإفريقية.
وبلغ حال أزمة بطولة إفريقيا لكرة اليد في الجزائر إلى استدعاء لعبان من قِبل وزارة الشباب والرياضة ومساءلته على "فضيحة تصويته على المغرب"، وهي التهمة التي نفاها حبيب نفياً قاطعاً، مكذباً بذلك ما أعلن عنه رئيس الاتحاد المغربي الذي قال لـ"عربي بوست" إن "ترشيح المغرب حظي بالإجماع بما فيه ممثل الاتحاد الجزائري لكرة اليد".
ضغوطات للتضحية بالمونديال
القناة الأولى الجزائرية قالت إن الجزائر "ظلت ثابتة على موقفها الرافض لكل أشكال الاستعمار في إفريقيا، بالمقابل يعمل المغرب على محاولة إرغامه على الاختيار بين التطبيع أو الانسحاب من البطولة الإفريقية".
وكشفت وسائل إعلام محلية أن المنتخب الجزائري لكرة اليد سيكون مضطراً إلى مقاطعة البطولة لرفضه "التنازل عن مبدأ الدولة الجزائرية في مساندة الشعوب المستعمرة، أو اللعب فقط في مدينة كلميم، التي لا تدخل ضمن مناطق الصحراء"، وهو أمر مستبعد من الناحية الفنية والتنظيمية للبطولة.
ويترقب الرأي العام الرياضي الجزائري قرار اتحاد كرة اليد واللجنة الأولمبية الجزائرية، في ظل إمكانية انسحاب المنتخب الوطني لكرة اليد من المشاركة في بطولة أمم إفريقيا، ما يعني تخلف "الخضر" عن بطولة العالم، على اعتبار أن الموعد القاري بالعيون، محطة مُؤهلة إلى بطولة العالم المقبلة، التي ستجرى، مناصفة بين بولونيا والسويد، سنة 2023.
وستدفع الجزائر فاتورة الانسحاب هذه المرة باهظة، إذ ستُحرمها هذه الخطوة من حضور كأس العالم لكرة اليد، هذه الأخيرة التي تعد الرياضة الأكثر شعبية في الجزائر بعد كرة القدم، ما سيُعتبر ضربة موجعة لهذا الصنف الرياضي.
الجهات الرسمية في الجزائر السياسية منها أو الرياضية، لم يصدر عنها أي رد فعل رسمي بشأن الموقف النهائي من المشاركة في البطولة، لكن مصادر جزائرية مطلعة قالت لـ"عربي بوست" إن "الاتحاد المحلي لكرة اليد وجد نفسه في الزاوية محشوراً بين ضغوطات السلطات العليا في البلاد لمقاطعة البطولة، وبين مسؤوليته على كرة اليد التي ستتلقى ضربة موجعة بالغياب عن بطولتين دوليتين بسبب عدم رغبة السلطات في حضور المنتخب لمدينة العيون التي تحتضن المنافسات على اعتبارها جزءاً من التراب المغربي".
وأشارت المصادر نفسها إلى أن حبيب لعبان، رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة اليد: "يُحاول الخروج بأقل الأضرار من هذه القضية، ومخاطبة الاتحاد الإفريقي للتوسط لدى المغرب قصد طلب برمجة جميع مباريات المنتخب الجزائري في مدينة كلميم الخارجة عن مناطق النزاع ورفع الحرج عنه".
ويأمل رئيس اتحاد كرة اليد الجزائرية أن "يكون المسؤولون المغاربة سيما داخل الاتحاد المغربي للعبة، متفهمين لموقفه المحرج وللضغوطات القوية التي تُمارس عليه من جهة، ورغبته في تجنيب كرة اليد الجزائرية أزمة من جهة أخرى".
"انتصار" سياسي للمغرب
العدلي الحنفي، رئيس الاتحاد المغربي لكرة اليد، قال لـ"عربي بوست" إن "الكونفيدرالية الإفريقية منحت تنظيم البطولة القارية بمدينة العيون عاصمة أقاليم المملكة الجنوبية، بعدما نجحت باقتدار في احتضان منافسات البطولة الإفريقية للأندية البطلة، ونهائي السوبر الإفريقي سيدات ورجال في العام 2016 بالمدينة نفسها".
وأضاف المتحدث أن "التصويت على منح المغرب شرف التنظيم، جاء بإجماع 54 اتحاداً منضوياً تحت لواء الاتحاد الإفريقي بما فيه الاتحاد الجزائري، بالنظر إلى الصورة الطيبة التي خلَّفها نجاح جميع التظاهرات التي نظمها الاتحاد المغربي للعبة، سواء الخاصة بالأندية أو المنتخبات".
وشدد المتحدث على أن "اتحاد كرة اليد بالمغرب كان سباقاً إلى تنظيم تظاهرات رياضية دولية في مدينة العيون، لما تتوفر عليه من بنيات تحتية رياضية وسياحية قادرة على احتضان جميع وفود المنتخبات المشاركة"، مشيراً إلى أن "الدورة تستمد أهميتها من أنها بطولة مؤهلة إلى بطولة العالم".
ووصف الحنفي زيارة الوفد الإفريقي لمدينتي العيون وكلميم بأنها "تأكيد للانتصار السياسي الذي ما فتئ المغرب يعززه فيما يخص قضيته الأولى، وهي قضية الصحراء المغربية".
وقال المتحدث إن "تأكيد 54 دولة إفريقية حضورها إلى المغرب، وبالذات إلى مدينتي العيون وكلميم، للمشاركة في البطولة القارية لكرة اليد، يؤكد أن هناك اعترافاً إفريقياً ودولياً لا غبار عليه بمغربية الصحراء، وبالثقة في قدرة المغرب على التنظيم المحكم لكبريات التظاهرات الرياضية".
من جهته، قال حميد السموني، الإعلامي المغربي المهتم بملف الصحراء، إن "الجدال الذي تعودت الجزائر على اختلاقه خرج عن السياسة وشمل مجالات أخرى ولم تسلم منه حتى الرياضة".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "التهديد بمقاطعة البطولة الإفريقية لكرة اليد بدعوى رفضه تنظيمها بمدينة العيون لا يثير الاستغراب، لأن النظام الجزائري يعتبر أن هذه المدينة المغربية هي جزء من الأراضي المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو الانفصالية التي صنعتها الجزائر وتدعمها بكل الطرق كطرف أساسي في هذا النزاع، بغرض التشويش على المسيرة التنموية للمملكة، ما سيجعل انسحابه من البطولة منسجماً مع موقفه المعادي للوحدة الترابية المغربية".
وأشار المتحدث إلى أن الجزائر "تُريد تسجيل نقاط سياسية على حساب الرياضة"، واصفاً النظام الجزائري بعدو المملكة المغربية الذي يسعى إلى عرقلة كل مساهمة دولية تحمل البصمة المغربية".