المشكلة مع المدرب رونالد كومان أكبر بكثير من خسارته لليغا؛ لأنه إذا كان المقياس هو حصد لقب الليغا، فلاعبو برشلونة كان اللقب بأيديهم لكنهم أضاعوه بسذاجة. إن لم يساهموا في إضاعة النقاط بشكل ساذج طوال الموسم، فلا محالة أن الدوري الإسباني هذا الموسم كان من نصيب برشلونة، بعيداً عن حسابات أي فرق أخرى.
طبقاً لإحصائيات Xg، أو الأهداف المتوقعة حسب الفرص المصنوعة، ففريق برشلونة صنع فرصاً أكثر من فريق بايرن ميونيخ، بل صنع فرصاً أكثر من قطبي مدريد، واستقبل فرصاً مثلهم، لكن المشكلة مع كومان أكبر من كل ذلك؛ أكبر من كونه عنيداً مع ريكي بويج، أو أنه يقوم بإشراك أشباه لاعبين مثل جيرارد بيكيه وسيرجيو روبيرتو بشكل مستمر عندما يعودون من الإصابة، أو أنه قام بإشراك بيدري صاحب الـ18 عاماً في 50 مباراة في هذا الموسم، أو حتى تغييراته المتأخرة.
كومان هو المشكلة
كل تلك المشاكل هي مشاكل كبيرة بالطبع، لكنها غير كافية لإقالة مدرب من منصبه، خصوصاً إذا كان هو المدرب ذاته الذي تدارك أزمة الفريق تكتيكياً بعد اعتماده على خطة كارثية مثل خطة 4-2-3-1 بالنسبة لعناصر الفريق الحالية، ونفسياً بعد كوارث أوروبية متتالية وتراكمات فساد إدارة على مدار سنوات ماضية.
مدارس المدربين كثيرة، تنقسم لقسم دفاعي وقسم هجومي، وأقسام أكثر من ذلك تتمثل في قسم واقعي ومتوازن، لكن كل تلك المدارس تندرج في العموم تحت تصنيفين فقط: "مدرب مرن أو مدرب براجماتي"، "مدرب لديه هيكل فني أو مدرب أيديولوجي".
المدرب الذي يملك هيكلاً فنياً هو المدرب الذي بحاول إيجاد هيكل لعب داخل الملعب بعناصر شبه مستحيل تغييرها إذا اعتمد عليها، هيكل اللعب لا يمثل خطة اللعب، بل هو عبارة عن الجمل التكتيكية التي يتدرب عليها فريق هذا المدرب يومياً وينفذها دائماً، مع جمل غير أساسية متغيرة.
لماذا بدأتُ بالمدرب صاحب الهيكل الفني وليس المدرب المَرِن؟ لأن المدرب المرن أشمل وأذكى، يملك هيكل لعب رئيسياً ينغمس فيه هياكل لعب أخرى حسب كل مباراة، ليس ذلك فقط، بل حسب كل فترة وموقف في المباراة، فائز أو خاسر أو متعادل.
رونالد كومان هو مدرب من المدرسة القديمة في كرة القدم، صاحب هيكل فني يقوم بتغييره في كل فريق يقوم بتدريبه، لكن عندما يقرر الثبات عليه لا يتعامل معه بمرونة، بل ويقوم دائماً بتنفيذ نفس أساليب هذا الهيكل مهما كان الموقف أو المباراة، حتى إذا قام بتغيير بعض الأسماء.
ولذلك نبدأ جميعنا فهم ما يدور بداخل عقله كمدرب، على سبيل المثال، هو لم يغير أسلوبه في ظل إدارة سيميوني لمباراة هجومية في ملعب الكامب نو، أو أنه لم يقم بتغيير شكل فريقه التكتيكي ضد أي فريق تأخر أمامه في النتيجة، وسبب اعتماده على بيدري صاحب الـ 18 عاماً فقط في 50 مباراة في هذا الموسم في فريق بحجم برشلونة، بسبب أنه مفيد بشكل أكبر من ريكي بويج في الدفاع الهجومي، أي أنه أول لاعب يقوم بالضغط العكسي بين الخطوط عندما يقوم برشلونة بفقد الكرة، فقط لا غير.
أو أنه لم يعتمد على بيانيتش هذا الموسم، حتى في ظل تأخر مستوى بوسكيتس في فترات خلال الموسم، أو سبب ندرة تغييراته التكتيكية في أي مباراة يقوم فيها بتغيير لاعب بلاعب، لأنه في العادة يكون تغييراً صريحاً، مركز بمركز، وحتى عندما يقوم تغيير مركز بمركز آخر، لن تجده يقوم ببناء جملة تكتيكية على أساس هذا التغيير أو يغير في هيكل أسلوبه العام.
لكنه يقوم بتبديل لاعب وسط بمهاجم، أو مدافع بمدافع، أو مدافع بلاعب وسط، أو مدافع بمهاجم، كل ذلك كي يقوم بخلق موقف أفضلية في أي خط، ليست أفضلية تكتيكية، مثلما حدث خلال الموسم في مباراة ريال مدريد ضد برشلونة في الدور الأول، على سبيل المثال.
الحكاية لها بداية
لنذهب للموضوع من بدايته، الموضوع في هذا الإطار؛ برشلونة فاز على فالنسيا في "الميستايا"، إشبيلية في "البيزخوان"، ريال بيتيس في "الفيلامارين"، فياريال في "اللاسيراميكا"، أتليتك بلباو في "السان ماميس" وريال سوسيداد في "الأنويتا -ريالي أرينا"، وخسر نقاطاً ضد غرناطة وإيبار وقادش وسيلتا فيجو في عقر داره، الكامب نو.
أضاع ديمبيلي تأهلاً واضحاً ضد باريس سان جيرمان، تسبب مدافعو الفريق في خسارات طوال الموسم، بأخطاء فردية بمختلف درجات السذاجة، للدرجة التي أظهرت المدافعين جميعاً بمظهر مثير للشفقة، لأنهم كانوا يقومون بتسجيل أهداف في أنفسهم، حرفياً، بالتالي برشلونة كان عدو نفسه في هذا الموسم، قبل أن يكون ضعيفاً أو لديه نواقص.
لنذهب للموضوع من بداية أبعد، ليس لها علاقة بالمدرب رونالد كومان، وهي أن برشلونة يلعب بدون مهاجم صريح، وعانى خلال الموسم بسبب عدم وجود عمق هجومي، في مباريات كثيرة كانت ستغير خريطة الموسم ونتائجه، مع عدم وجود خط دفاع بلا مبالغة، بل وعدم وجود خيارات متعددة في الوسط.
حسناً، لنلعب بتلك المعطيات معاً، لعبة الخير والخير، وليس الخير والشر، بمعنى أنه بافتراض أن رونالد كومان لعب بريكي بويج بدلاً من بيدري في بعض المباريات التي تحتاج لصانع لعب خلف الكرة ليتحمل بعض الأعباء عن ميسي، ومدافعي برشلونة لم يقوموا بتلك الأخطاء الطفولية التي حدثت، وتير شتيغن لم يكن مثيراً للشفقة هو الآخر، وفاز فريق برشلونة في مبارياته التي كان عدو نفسه فيها، وكان يملك مهاجماً صريحاً وأوراقاً متعددة في كل خط.
لنسأل الآن سؤالين للاستدلال على النتيجة المناسبة لكل ذلك: كانت النتائج ستتحسن؟ بالطبع، كان يجب أن يستمر رونالد كومان؟ لا.
تلك هي المشكلة الأشمل والأوقع مع رونالد كومان، أنه ليس مدرباً من الصفوة، ولا يجب أن يحصل على الثقة خصوصاً في المباريات الكبيرة مهما أصلح الكثير من الأمور، حتى إذا كان سبباً رئيسياً في وضع حجر أساس في بناء جيل برشلونة القادم.
شرودر، المشكلة الأخرى
شرودر مساعد رونالد كومان يمثل جانباً من المشكلة هو الآخر رغم إصلاحه بعض الأمور، تحديداً أنه قام بتحويل الخطة إلى 3-5-2 وقلل المساحات الدفاعية بين لاعبي برشلونة، موقع البوندسليغا الرسمي ذكر أن شرودر عندما قام بالعمل مع ناجلزمان في لايبزيج كان من رواد تحويل خطة أي لعب لثلاثي دفاعي، كررها مع إيريك تين هاج في آياكس في حقبة 2018 التاريخية للفريق الهولندي.
لمَ كان طرفاً من المشكلة؟ لأنه كان من المفترض أن يكون الشخص الذي يقوم بموازنة العملية؛ المدرب قديم الفِكر والطرح داخل الملعب، وأفكاره بسيطة، ويؤمن بالثوابت الفنية، لذلك كان يمثل شرودر الشخص العصري، المرن، الذي يساعده في ذلك، لكنه فشل في ذلك، أو على الأقل لم ينجح.
في النهاية، برشلونة كان يظل الفريق المضغوط، لا يستطيع فعل أي شيء خلف الكرة سوى التمرير العرضي في الشوط الأول، ثم ينتظر الفريق إسهامات ميسي في أي شيء، بل ويستطيع أيضاً أن يخرج الكرة خلف ضغط الخصم، ويسجل أو يصنع خطورة في الشوط الأول والثاني.
لذا كان من الواضح أن برشلونة استغل ميسي بشكل خاطيء، لأنه بدلاً من أن يستفيد منه في تكوين فريق قوي، كان يتفادى به بأي شكل حقيقة أنه فريق ضعيف.
رونالد كومان فعل الكثير لبرشلونة، يستحق التحية على موسم كان غير واضح الملامح، وباحتوائه الموقف كان سيحصل على ثنائية محلية، على الأقل هو أفضل مدرب درّب برشلونة بعد لويس إنريكي، لكن رغم ذلك، يجب ألا يستمر في منصبه الحالي.