أخيراً.. غوارديولا في إسطنبول!

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/05 الساعة 15:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/06 الساعة 09:29 بتوقيت غرينتش
بيب غوارديولا - رويترز

فرانشيسكو ماتورانا مدرب منتخب كولومبيا في التسعينات، قالوا له قبل ذلك إن أفضل مباراة لك مع المنتخب الكولومبي هي مباراة المنتخب الأرجنتيني في تصفيات كأس العالم 1994، لكنه أنكر ذلك وقال لا، أفضل مبارة لي مع منتخب كولومبيا هي مباراتنا ضد ألمانيا في كأس العالم بإيطاليا 1990، جدير بالذكر أن مباراة المنتخب الكولومبي ضد المنتخب الألماني قد انتهت بالتعادل الإيجابي 1/1، أما مباراتهم ضد الأرجنتين في تصفيات كأس العالم 1994 فقد انتهت بفوز كولومبيا على الأرجنتين بخماسية نظيفة في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيريس، في مفاجأة ضربت عالم كرة القدم كله حينها، بعد معرفتك لتلك القصة القصيرة ربما تشك في عقل فرانشيسكو ماتورانا هنا، كيف يفضل مباراة تعادل فيها، على مباراة فاز فيها بخماسية على وصيف العالم وقتها وفي عقر داره، وعلّل فرانشيسكو كلامه بأنه صنع في مباراة ألمانيا فرصاً أكثر من التي صنعها ضد الأرجنتين، لكن اللاعبين سجلوا في الأقل 5 أهداف، وفي الكثير هدف وحيد. 

كلام فرانشيسكو ماتورانا هنا يضرب بمن يقيم عمل المدربين بالنتائج النهائية عرض الحائط، المدرب ربما هو آخر العوامل التي تتحكم في نتيجة المباراة النهائية، العامل الأول هو الحظ، والعامل الثاني هو اللاعبون، فكما أخبرنا خوانما ليو سابقاً بأن الأصل في الكورة هو اللعبة واللاعب، فعلينا هنا التريس في الحكم على المدربين.

بيب غوارديولا والحظ ودوري أبطال أوروبا

لا شك أن جميع المدربين يقعون في الأخطاء أحياناً، لكن هناك من تم الحكم عليهم بالفشل لأسباب خارجة عن إرادتهم، ذلة ستيفين جيرارد ضد تشيلسي في موسم 2013/ 2014 كانت سبباً في إضاعة لقب البريميرليغ الأول لليفربول، ماذا فعل روديجيرز هنا؟ لم يفعل شيئاً، فلنفترض أن تلك الذلة لم تحدث، وفاز ليفربول باللقب، ماذا فعل روديجيرز أيضاً هنا؟ لم يفعل شيئاً، إذاً في حالة المكسب والخسارة لم يغير روديجيرز مدرب الريدز أي شيء، لأنه لا يملك شيئاً من الأساس ليغيره هنا، إذاً هل نحكم عليه بالفشل، بالطبع لا، لأنه لم يكن طرفاً في المعادلة من الأساس، دوره انتهى عند هذا الحد، حد الحظ.

لو وضع جميع متابعي اللعبة هذا المثال أمامهم أو في أذهانهم، ربما لن نسمع أحدهم يلقي أحكامه الزائفة على مدربي اللعبة، بعد خروج مانشستر سيتي ضد أولمبيك ليون الفرنسي العام الماضي في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، تم التشكيك في تكتيكات بيب غوارديولا من البعض، وبأنها كانت السبب في خروج الفريق من البطولة وابتعاده عن حلم الفريق والإدارة، خرج تورنيت مساعد بيب غوارديولا سابقاً وقال "لقد كان حظاً سيئاً، لقد أضاع رحيم سترلينج الكرة أمام المرمى المفتوح، على بعد أمتار قليلة، هل هذا عمل المدرب؟ لا، بيب يخطئ أيضاً، لكنه عبقري، والطبيعة البشرية هي أن الناس يريدون أن يروا كيف يفشل العبقري، كان الأمر نفسه مع موسيقيين مثل موزارت، كان الناس سعداء بانتقاده عندما أخطأ، لأنه نادراً ما ارتكب أخطاء، بيب أيضاً مشابه له".

دافع تورنيت هنا عن بيب غوارديولا، وحدد السبب الأكبر في فشله، وهو الحظ، في مباراة السيتي وتوتنهام منذ عامين كانت الكرة تصطدم بأجساد مدافعي السيتي وتغير اتجاهها وتدخل في مرمى إيديرسون، ضد باريس ضربت الكرة جسد روبين دياز والأوكراني زيتشينكو أكثر من مرة، وترتد بعيداً عن المرمى، ضد ليون المرمى خال وكرة عرضية أرضية لرحيم سترلينج فيضعها خارج المرمى، ضد باريس عرضية من نفس قبيلة تلك التي أضاعها سترلينج تتجه نحو رياض محرز، ليُسكنها في الشباك، ما الذي فعله بيب غوارديولا ضد ليون ولم يفعله ضد باريس، حسناً لم يغير شيئاً، هنا سجل اللاعبون وهناك لم يسجلوا، وهنا أنقذ المدافعون وهناك لم ينقذوا، خسر السيتي هناك ونسبوا الفشل لبيب، وفاز السيتي هنا وتغنوا به، وهو عبقري في الحالتين.

دعني أذكرك بمواسمهم الأربعة في برشلونة، وصل بيب مع برشلونة إلي نصف نهائي أبطال أوروبا في جميع مواسمه هناك، لم يقدم أداء في ذلك الدور يماثل ذلك الذي قدمه ضد تشيلسي في موسم بيب الأخير، سيل من الهجمات والتسديدات على مرمى بيتر تشيك، سواء في مباراة الذهاب أو أو العودة في الكامب نو، لم يحالفه الحظ وخرج من البطولة في موسم وصل فيه مع برشلونة لذروته، في حين أن أكثر مواسم بيب تتويجاً بالبطولات موسم السداسية، في مباراة نصف النهائي ضد نفس الفريق تشيلسي في الأستمفوردبريدج في لندن، لم يسدد برشلونة على مرمى تشيك سوى كرة واحدة سددها أنيستا بقلبه، وصعد بها برشلونة لملاقاة أبناء السير أليكس فيرغسون في نهائي روما 2009، ليتحقق أكبر إنجاز له في أول وأسوأ مواسمه مع الفريق من حيث الأداء، ويخرج بأفضل مواسمه من حيث الأداء موسم 2011/ 2012 بكأس الملك فقط، لأنه كان محظوظاً هناك ولم يكن محظوظاً هنا.

موسم 2010/ 2011 من أنجح مواسم بيب على مستوى الأداء والبطولات، لأنه تُوج بدوري الأبطال الثاني له فى مسيرته والأخير، بيب كان على وشك الخروج من دور الـ16 ضد أرسنال في دوري أبطال أوروبا بسبب الحظ أيضاً، كانت مباراة الذهاب في لندن قد انتهت بفوز أرسنال 2/ 1 في مباراة العودة، وبعد تقدم برشلونة بهدف ليونيل ميسي خلال الشوط الأول، تعادل أرسنال في بداية الشوط الثاني بهدف من ضربة ركنية، سجله سيرجي بوسكيتس في مرماه، لتصبح النتيجة 1/1، حتى الآن أرسنال إلى دور الثمانية، حتى سجل برشلونة هدفين آخرين لتصبح النتيجة 3/ 1، في آخر دقائق المباراة يحدث خطأ من لاعبي برشلونة في وسط الملعب، يتسبب في انفراد لأرسنال، إذا تم تسجيل هدف سيُقصى برشلونة من دور الـ16، جلس بيب على الأرض من شدة خوفه، لتنتهي الهجمة خارج الشباك بعد إنقاذ ماسكيرانو الشهير لها وتعامل مهاجم أرسنال السيئ مع الكرة، هدف بالخطأ من بوسكيتس وكرة من خطأ فردي كادا أن يطيحا ببيب غوارديولا من دور الـ16، في أحد أقرب المواسم إلى قلبه، هل لو حدث ذلك بالفعل ستلوم بيب أم لا؟ رغم أنه لم يفعل أي شيء في كلتا الحالتين، هذا المثال كافٍ لشرح حكاية بيب غوارديولا مع الحظ في اللعبة، ويجعلنا نكفّ عن محاولة وجود أي سبب في إثبات أن بيب هو السبب غير أنه لم يكن محظوظاً فقط، بيب يخطئ كباقي المدربين، وهناك مواسم خرج من البطولة فيها ولم يستحقها حقاً، لكنه كان يستحق في أوقات كثيرة، وتم ذبحه بالباطل على ألسنة جماهير وصحافة كرة القدم.

كارلو أنشيلوتي هو أحد أكبر المدربين المتمرسين في دوري أبطال أوروبا، فقد فاز بدوري الأبطال ثلاث مرات، مرتين مع إي سي ميلان الإيطالي، ومرة مع ريال مدريد، عندما تم سؤاله عن أحد أهم العوامل التي يجب أن يمتلكها المدرب للفوز بتلك البطولة أجاب وقال إنه لا بد أن يكون محظوظاً، فهي تعتمد كثيراً على الحظ، في تلك النسخة من البطولة ربما لم يقدم بيب غوارديولا أكبر أداء له مع السيتي فيها، لكنه كان محظوظاً هنا، ولم يكن محظوظاً في الماضي، لذلك كان يخرج من دور الـ8، واليوم هو ذاهب إلى إسطنبول ليخوض النهائي الأول في تاريخ النادي في دوري أبطال أوروبا، والأول له منذ عقد كامل ومع فريق آخر غير برشلونة.

ثبات على المبدأ

بعد مباراة ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا هذا العام ضد باريس سان جيرمان في حديقة الأمراء بالعاصمة الفرنسية باريس، وعقب فوز مانشستر سيتي بهدفين مقابل هدف، خرج بيب غوارديولا بتصريح من أهم التصريحات التي قيلت على لسانه "هل تعرف لماذا أنا عبقري اليوم؟ لأن رياض محرز سدد كرة عبرت من بين وركين ودخلت المرمى، لهذا السبب أنا عبقري".

‏"إنها بسبب هذه التفاصيل الغبية فريقنا الآن رائع، لدينا مدرب لا يُصدق، يا لها من تكتيكات، ويا لها من براعة، حائط باريس كان مثالياً، هم قفزوا ولم يلتفّوا، ولكن الكرة دخلت من بين وركين".

"الآن يتحدثون إلى أي مدى كان الفريق جيداً، بينما كان بالإمكان أن نتعادل أو نخسر بنفس ذلك المستوى الذي قدمناه، مثل ما حدث في الماضي، أمام ليون أضعنا كمّا هائلاً من الفرص وكنا بنظرهم سيئين".

هنا بيب في عز انتصاره يذكر الجميع بالحقيقة، ولم يجعل فرحه بالفوز أن يجعله يتغاضى عن كونه كان محظوظاً، كلماته رد قاطع على كل من شوه عمله في اللحظات التي لم يحالفه الحظ فيها، اليوم يريهم حقيقتهم، أو ربما يصدمهم بجهلهم، لهذا السبب نحترم بيب غوارديولا، لأنه رجل حقيقي في هذه اللعبة، كلامه في الخسارة عن موقف ما لا يتغير عند الفوز.

بعد وصوله للنهائي الأول له بعد خروجه من برشلونة نحن على أعتاب ملحمة في إسطنبول يوم التاسع والعشرين من شهر مايو/أيار الجاري، نهائي يعني الكثير لبيب وللفريق، بيب يريد أن يثبت للمشككين أنه استطاع أن يظفر بذات الأذنين خارج برشلونة ومن غير ميسي، وعشاق السيتي ينتظرون اللقب الأول لهم في دوري الأبطال، ويحققون حلماً طال انتظاره ربما لعقد كامل مع الملاك الجدد.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد رضا منصور
كاتب ومحلل رياضي
مهندس مصري، باحث رياضي، ومحلل أداء سابق بالنادي الإسماعيلي.
تحميل المزيد