ساهم الوجه الجديد للمنتخب المغربي لكرة القدم، آدم ماسينا، في مطلع الأسبوع الجاري، في ضمان فريقه واتفورد الصعود إلى الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، الذي غادره في نهاية الموسم الماضي، ما يمنحنا فرصة للتعريف بهذا اللاعب الذي تصلح قصته لتكون سيناريو لفيلم سينمائي دراماتيكي.
وُلد آدم ماسينا يوم 2 يناير/كانون الثاني 1994 بمدينة الخريبكة المغربية، لكن العائلة لم تفرح كثيراً بالمولود الجديد، حيث توفيت الوالدة أياماً قليلة بعد الحدث السعيد بسبب المرض، ما زاد من صعوبة خروج الوالد من دوامة الإدمان على الكحول الذي كان يعاني به من قبل، وذلك قبل أن تتدخل عائلة إيطالية في محاولة لإنقاذ الصبي آدم وشقيقه الأكبر زكريا.
لا يحمل أي ذكرى عن المغرب!
وسأترككم تتعرفون على بقية بداية القصة من على لسان البطل نفسه، أي آدم ماسينا، الذي تحدث لموقع "جويكو بوليتو" الإيطالي ليوم 28 ديسمبر/كانون الأول 2015: "لا أتذكر أي شيء عن المغرب، لأني غادرته في عمر الـ3 أشهر فقط، ولقد وصلت إلى إيطاليا بفضل عائلة كانت على علاقة بعائلتي الأصلية، آدم هو الاسم الذي اختاره لي والدي الأصليين، أما ماسينا فهو لقب العائلة الإيطالية التي تبنتني".
وقبل أن يتبناه والده الحالي "رافائيل"، فإنّ آدم وشقيقه زكريا عانيا كثيراً من الفقر بمدينة بولونيا الإيطالية، رفقة والده الأصلي المدمن على شرب الخمر، ما جعل الأخير يتركهم لجمعية مسيحية لرعاية الأطفال، التي قامت بدورها بوضع الشقيقين تحت كفالة عدة عائلات إلى أن وصلا إلى عائلة "ماسينا".
وتواصلت معاناة آدم ماسينا من عدم الاستقرار الأسري حيث تطلقا أبواه بالتبني وهو في سن الرابعة من عمره، فنشأ رفقة الوالد الكفيل "رافائيل" وجدته الكفيلة "تيريزا"، وذلك وفق ثقافة إيطالية محضة وديانة مسيحية كاثوليكية.
تكون بنادي بولونيا قبل التألق مع واتفورد
وعلى الرغم من ممارسته لرياضة التزحلق على الثلج التي تعلمها من والده رافائيل الذي سبق له المشاركة في عدة مسابقات دولية شتوية، فإنّ آدم كان مولعاً أكثر بكرة القدم، فانضم لفريق "با سكا غالييرا" الصغير حيث كان ينشط كمهاجم، ثم التحق بنادي بولونيا في عمر الـ11 سنة، الذي تكون عنده إلى غاية بلوغه سن الـ18 حيث وقّع على عقده الاحترافي الأول.
وقصد منحه فرصة اللعب بانتظام أعار نادي بولونيا لاعبه الشاب لنادي "جياكومونسي" الهاوي، في موسم 2012- 2013، حيث عرف المشوار الرياضي لآدم ماسينا منعرجاً حاسماً، بعدما لاحظ فيه مدرب الفريق، فابيو غاللو، قدرات هائلة للعب في خط الدفاع فحوله لمركز الظهير الأيسر، وهو المركز الذي بقي ينشط فيه حتى بعد عودته إلى بولونيا من الاعارة.
استمر ماسينا مع بولونيا إلى غاية صيف 2018، وخاض معه 131 مباراة رسمية، سجل خلالها 4 أهداف، وساهم في صعود الفريق إلى دوري الدرجة الأولى الإيطالي لكرة القدم "سيري أ" في موسم 2014-2015، ونال خلال نفس الموسم جائزة أفضل لاعب في دوري الدرجة الثانية الإيطالي "سيري ب".
وعقب ذلك الموسم المتألق منح له نادي بولونيا، في يونيو/حزيران 2015 عقداً جديداً يمتد إلى غاية سنة 2019، لكن تواصل تألق ماسينا في مسابقة "الكالتشيو"، لم يسمح لإدارة الفريق مقاومة إغراءات الأندية التي طلبت خدماته، فتم تسريحه لفائدة نادي واتفورد الإنجليزي في صيف 2018 مقابل 5 ملايين يورو.
وقد كانت بداية آدم ماسينا مع واتفورد متواضعة، حيث لم يتمكن من فرض نفسه ضمن التشكيلة الأساسية للفريق في عهد المدرب الإسباني خافيير غراسيا، فاكتفى خلال موسم 2018- 2019 بالمشاركة في 14 مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز، قبل أن يظفر بمركز أساسي في الموسم الموالي (2019- 2020) تحت قيادة المدرب سانشيز فلوريس ثم نايجل بيرسون، حيث خاض اللاعب المغربي في 26 مباراة، سجل خلالها هدفاً واحداً.
ولكن نهاية ذلك الموسم كانت جد سيئة بالنسبة لماسينا، بحيث هبط فريقه واتفورد إلى قسم دوري الدرجة الأولى (تشامبيونشيب) كما تعرض اللاعب لإصابة خطيرة على مستوى القدم في اللقاء الأخير للدوري الممتاز أمام أرسنال، جعلته يضيع تحضيرات الموسم الجديد (2020-2021) ويغيب عن الميادين لمدة 3 أشهر ونصف ويضيع 22 مباراة رسمية ولا يعود للمنافسة الرسمية إلّا في النصف الثاني من شهر ديسمبر/كانون الأول.
وقد كانت العودة التدريجية لآدم ماسينا إلى الميادين جد موفقة، بحيث شارك إلى حد الآن في 16 مباراة تحت إمرة المدرب الصربي فلاديمير إيفيتش، سجل خلالهما هدفين حاسمين في شهر مارس/آذار الماضي، منح بفضلهما الفوز لفريقه أمام نوتينغهام فوريست (1-0) وكارديف سيتي ( 2-1)، مساهماً بذلك في ضمان واتفورد تأشيرة الصعود إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، والذي تأكد رسمياً بعد فوز النادي يوم 24 من شهر أبريل/نيسان الجاري، أمام ميلوول (1-0) برسم الجولة الـ44 من دوري الدرجة الأولى الإنجليزي.
حمل قميص منتخب إيطاليا.. والإصابة أجلت التحاقه بـ"أسود الأطلس"
وشهد شهر مارس/آذار الماضي حدثاً مهماً آخر بالنسبة لآدم ماسينا حيث سمح له الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" رسمياً تغيير جنسيته الرياضية من الإيطالية إلى المغربية، بعدما اقتنع أخيراً ابن مدينة الخريبكة بأنّه مغربي الأصل وليس إيطالياً.. كيف ذلك؟
مثلما أشرت في بداية المقال، فإنّ الشاب ماسينا نشأ منذ نعومة أظافره بإيطاليا، وكسب جنسية وثقافة البلد أيضاً، ولم يكن يشعر أبداً أنّه مغربي، وقد رفض تلبية دعوة مدرب المنتخب المغربي الأول في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2015، موضحاً أنه لا يملك أي علاقة مع المغرب باستثناء أنه بلد مولده، وأنه يحس نفسه إيطالياً بنسبة مئة بالمئة.
وتزامنت دعوة بادو زاكي مع دعوة أخرى تلقاها ماسينا من مدرب المنتخب الإيطالي للآمال، في ذلك الوقت، لويجي دي باجيو، فلبى "نداء الوطن" دون تردد، حيث شارك في مباراته الدولية الأولى أمام منتخب ليتوانيا ( 2-0) لحساب تصفيات بطولة أمم أوروبا لكرة القدم للآمال 2016، يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
وشارك آدم ماسينا مع منتخب إيطاليا للآمال في 6 مباريات رسمية إلى غاية عام 2017 وظل يُمني النفس بتلقي دعوة للعب مع المنتخب الأول، دون أن يحقق حلمه، ما جعله ربما يقتنع مع مرور الوقت أنّ مكانه مع منتخب بلده الأصلي المغرب وليس مع بلد آخر، خاصة بعد سلسلة الاتصالات والجلسات التي جمعته بحسين خرجة، القائد السابق لمنتخب "أسود الأطلس" الذي يعمل حالياً رئيس خلية التنقيب عن المواهب في أوروبا لدى الاتحاد المغربي لكرة القدم، والذي نجح في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2020 في إقناع نجم نادي واتفورد بتغيير جنسيته الرياضية وحمل ألوان منتخب بلد آبائه وأجداده.
وبما أنّ اللاعب ماسينا كان في تلك الفترة لا يزال يعاني من الإصابة الخطيرة التي تعرض لها في شهر سبتمبر/أيلول 2020، فإنه أجل انضمامه الرسمي لمنتخب المغرب إلى غاية شهر مارس/آذار الماضي، حيث شارك في مباراتين متتاليتين لحساب تصفيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2022، وذلك يومي 26 أمام موريتانيا ( 0-0) و30 أمام البورندي ( 1-0).
وتغير خطاب آدم ماسينا بعد تغيير جنسيته الرياضية وعبر عن فخره بحمل ألوان منتخب "أسود الأطلس"، حيث قال في تصريح لموقع الاتحاد المغربي لكرة القدم خلال معسكر شهر مارس/آذار الماضي: "أنا سعيد جداً وفخور بتواجدي هنا.. أنا مستعد لمساعدة رفاقي في المنتخب والمدرب كذلك، من أجل تحقيق أهدافنا. طموحاتي كبيرة مع المغرب.. ديما ديما مغرب"، ويقصد بالعبارة الأخيرة "المغرب دائماً وأبداً".. كلمات جميلة حقاً.. فالعودة إلى الأصل فضيلة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.