رغم التأخر وبوادر الانهيار في الشوط الأول.. كيف أسقط “السيتي” أبناء العاصمة بعقر دارهم؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/29 الساعة 10:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/30 الساعة 15:05 بتوقيت غرينتش
الإسباني بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي (رويترز)

في مباراة تقاسما فيها الهيمنة، قدم مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان ملحمة كروية جميلة ليلة الأربعاء في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا في ملعب حديقة الأمراء في العاصمة الفرنسية باريس. ولقد تقاسما السيطرة بالتساوي، 45 دقيقة لكل فريق، ولكن لم يتقاسما النتيجة، خرج "السيتيزنز" منتصرين بهدفين لهدف خارج ملعبهم، ليصعبوا المهمة على رجال بوكيتينو في ملعب الاتحاد.
التباين بين أداء الفريقين بين الشوطين الأول والثاني جعلنا نتعامل مع المباراة وكأنها مباراتان مختلفتان، كل مباراة عبارة عن 45 دقيقة، ولنذهب للحديث عن المباراة من منظور فني بشكل أكثر عمق.

تشكيل الفريقين

بدأ السيتي المباراة برسم فني 4-3-3، إيدرسون في حراسة المرمى، أمامه رباعي دفاعي مكون من: والكر وستونز وروبين دياز وكانسيلو، أمامهم ثلاثي في الوسط مكون من: بيرناردو سيلفا ورودري وغوندوغان، أمامهم ثلاثي هجومي: رياض محرز وفودين وكيفين دي بروين كمهاجم وهمي.

بدأ باريس سان جيرمان المباراة برسم فني 4-3-3، نافاس في حراسة المرمى، أمامه رباعي دفاعي مكون من: فلورينزي وماركينيوس وكيمبمبي وباكير، ثلاثي في الوسط مكون من: أدريس جان جاي وباريديس وفيراتي، ثلاثي هجومي ناري مكون من: نيمار ودي ماريا وكيليان إمبابي.

الشوط الأول: الحالات الدفاعية

دافع بوكيتينو أغلب المباراة، وخلال الشوط الأول على وجه الخصوص، بنظام الـmiddle defence، ولم يلجأ للضغط العالى سوى فى مناسبات قليلة، Block دفاعي برسم 4-4-2 في الثلث الثاني من الملعب وتضييق للمساحات بين الخطوط، ربما كان باريس يدافع بخطوطه الثلاثة في 20 متراً فقط، مما صعب المهمة على لاعبي السيتي في ممارسة هوايتهم باللعب بين الخطوط وفي القنوات. أيضاً Block باريس الدفاعي كان يوجه اللعب على الأطراف، ثم يقوم الفريق بعمل تكثيف للجهة التي بها الكرة، مما كان يؤدي إلي تحرير الجناح الآخر للسيتي في الجهة المقابلة، ومع تحويل سريع للعب من جهة لجهة كاد باريس أن يعاني. كانت تلك الفكرة هي متنفس بيب غوارديولا الوحيد خلال الشوط الأول، يدخل بيرناردو سيلفا إلى العمق الجانبي أمام باكير الظهير الأيمن لباريس، ليجبره على الدخول للعمق وتحرير رياض محرز، ثم تحويل للعب وموقف 1 ضد 1 لرياض. لكن الكرات القطرية من دياز لم تكن دقيقة بما فيه الكفاية، بالإضافة إلى أن رياض محرز قدم مباراة سيئة في المواقف الفردية، مما صعب مهمة السيتي في اختراق منظومة باريس الدفاعية خلال شوط المباراة الأول.

أما عن نظام السيتي الدفاعي، فالفريق كان يتحول لرسم 4-4-2 بـmiddle defence أيضاً في الثلث الثاني، لكن نظام الفريق كان مهلهلاً، وليس متماسكاً، هناك الكثير من المساحات بين الخطوط، واختراق تلك الخطوط لم يكن صعباً على لاعبي باريس. لكن أي محاولة تعزو تفوق باريس بالكرة أثناء الشوط الأول إلى قدرات اللاعبين الفردية، فهي ظلم لمنظومة الفريق الجماعية وبوكيتينو، الذي جعل غوارديولا يدافع في مساحة مثل المحيط، مما جعل لاعبي مانشستر سيتي وكأن كل لاعب يلعب في مباراة مختلفة.

لاحظ هنا المساحة التي بين خطي الوسط والدفاع، يتمركز فيها نيمار بحرية، يسقط للأسفل ويسكنها دي ماريا بعده، ويستلم من نيمار الكرة ليضرب خطين من خطوط دفاع السيتي. لكن هنا علينا التنويه بدور إمبابي، تمركزه هنا على نفس الخط مع الرباعي الخلفي للسيتي يجبرهم على الوقوف في أماكنهم، ويمنعهم من عمل التغطية العمودية على نيمار ودي ماريا بين الخطوط، مما يعطي زملاءه حرية أكبر.

نفس الفكرة هنا (صورة 3)، لاعبو باريس يقومون بتوسيع الملعب ليجعلوا لاعبي السيتي يدافعون في مساحات واسعة، مما يسهل عليهم إيجاد زوايا تمرير في العمق وبين الخطوط، لاحظ هنا كم لاعباً من باريس حراً في عمق الملعب، ولاحظ أيضا دور إمبابي في حجز خط الدفاع ومنعه من عمل التغطية العمودية.

عند تضييق السيتي للمساحات التي يدافعون فيها، كان يلجأ بوكيتينو للكرات القطرية في اختراق منظومة السيتي الدفاعية، حيث يتمركز إمبابي أمام كانسيلو في العمق الجانبي الأيمن، ليجبره على التقارب من قلب الدفاع، مما يحرر فلورنزي على اليمين، وهنا قد تحقق التفوق المركزي، ثم يتم الاختراق عن طريق قطريات باريديس. (شاهد صورة 4)

من ضمن النقاط المميزة لباريس هي ترجمة فيراتي للمساحات الفارغة، هنا بيرناردو سيلفا خرج للضغط على باريديس هناك، ليفرغ مساحة كبيرة في العمق، يدركها فيراتي عن طريق المسح الضوئي للملعب، يتمركز فيها ويطلب الكرة من ماركينيوس، ليتم ضرب ضغط السيتي في الجهة اليسرى، بعدما أصبح خيار التمرير متاحاً. (صورة 5)

الضغط العالي للسيتي خلال الشوط الأول

الضغط العالي للسيتي خلال الشوط الأول كان سيئاً جداً، حيث إن الفريق كان يقوم برفع الـBlock الدفاعي بنفس الرسم الفني 4-4-2 بنفس مبادئ دفاع المنطقة من الثلث الثاني إلى الثلث الثالث، مساحات كبيرة بين الخطوط الثلاثة، مما سهل على لاعبي باريس تدوير الكرة وتكوين أشكال هندسية مربعات ومثلثات بشكل مستمر، وبالتالي الخروج من ضغط السيتي.. هنا فودين حائر بين إدريسا غان غاي وفلورينزي، إذا ضغط على أحدهما يتم تحرير الآخر، وفي الحالتين لم ينَل بلح الشام ولا عنب اليمن. (شاهد صورة 6)

التحولات

بشكل عام، نسخة مانشستر سيتي مع بيب غوارديولا فريق قوي جداً في التحولات الهجومية، سواء في قيادة التحول نفسه أو في مهاجمة المساحات بشهوة، لكن خلال الشوط الأول تحولات السيتي كانت سيئة جداً، في المقابل تحولات باريس الدفاعية بالضغط العكسي والتصدي لتحولات السيتي الهجومية كان من أبرز نقاط قوة باريس خلال الشوط الأول.

الشوط الثاني (المباراة الأخرى)

في مؤتمر ما بعد المباراة، تحدث بيب غوارديولا عما حدث بين الشوطين، وعن التغيير الكبير في أداء الفريق عن الشوط الأول، وبين الشوطين تحدث للاعبين عن هوية الفريق، وغير طريقة الضغط، ولعبوا بقتالية أكبر، نستشف من كلامه أن التغيير كان نفسياً وذهنياً بنسبة كبيرة، وتكتيكياً بنسبة أقل.

ربما غيَّر بوكيتينو استراتيجية فريقه، وقرر أن يرتدي قناع رد الفعل، ويمارس هوايته في التحولات الهجومية أقوى حالات اللعب لديه، لكن هنا علينا أن نشير لهيكل السيتي القوي، هيكل الفريق في ضبط المسافات بين اللاعبين والسيطرة على المساحات كان سبباً كبيراً في التصدي لتحولات باريس الشوط الثاني.

تحول ضغط السيتي بالشوط الثاني إلى ضغط مطلق، يبدأ الضغط بعد خروج الكرة من قدم نافاس، بعد ما تم توجيه اللعب على الأطراف، ثم ضغط عدواني بتكوين حالات 1 ضد 1 في كل مكان في الملعب، حتى استطاعوا في إحباط عمليات البناء لفريق العاصمة الفرنسية، مما جعلهم فيما بعد يلجأون للكرات الطولية. (شاهد صورة 7) 

بعض التغييرات في هيكل الفريق كانت في دخول فودين للعمق بشكل أكبر من الشوط الأول، هنا كان يتم تحرير كانسيلو على الخط، بعدما يتم إجبار فلورينزي على الاقتراب من ماركينيوس، مما يحقق التفوق المركزي للسيتي.

الهيكل القوي بضبط المسافات، يساعد الفريق في تكوين أشكال جيومترية مربعات ومثلثات تساعد على تدوير الكرة بشكل كبير وتحريك لاعبي باريس من أماكنهم من أجل إيجاد الثغرات.

هنا بيرناردو سيلفا يكون مثلثاً مع فودين ورياض محرز على 4 لاعبين من باريس، يمرر سيلفا لفودين ليخرج كيمبمبي للضغط عليه، ويترك مساحة في ظهره، ليهاجمها بيرناردو سيلفا، ويطلب الكرة فيها من محرز، بعدما لعب دور الرجل الثالث. (شاهد صورة 8)

الدفاع بالاستحواذ

الشوط الثاني كان عبارة عن فريق بالكرة وآخر بدونها، الاستحواذ حتى ولو كان سلبياً فهو أكثر وسيلة مطمئنة للدفاع، لأنه كما قال كرويف: "هناك كرة واحدة في الملعب، إذا كانت معنا لن يستطيع الخصم التسجيل علينا"، استحواذ السيتي قلل من تكرار حالات الاصطفاف الدفاعي الخاصة بهم، وهي أسوأ حالات السيتي خلال الشوط الأول، ومن هنا كان حرمان باريس من الكرة أهم نقاط قوة السيتي في الشوط الثاني.

رجال الظل

يقول سيزار مينوتي: "المدرب يحتاج إلى مساعد، مدرب ثانٍ لأنه الشخص المناسب لإزالة شكوكه، إذا لم يكن لدى المدرب أي شك فسيكون غبياً، ومع من سيتحدث؟ مع مساعده الذي هو أيضا صديقه الموثوق به".

يتضح من كلمات الأرجنتيني مدى أهمية وجود مساعد للمدرب، وعن أهمية دوره في مشاركة المدرب قراراته، خوانما ليو منذ قدومه لمانشستر سيتي وكأنما أثقل المدينة كلها وليس الفريق. بيب غوارديولا تُحدث عن مدى أهمية دوره في أنه يمنحهم الهدوء، خاصةً في المواقف الصعبة، وهذه سمة لم تتوفر في السيتي خلال الفترات السابقة، ليو هو أحد الجنود المنسيين في كتيبة بيب غوارديولا، بل بيب من ورثة علم خوانما ليو الكروي، وعندما فكر في مساعد، لم يجد أفضل من معلمه.

خاتمة

انتهت المباراة بفوز مانشستر سيتي 2/1 في ملعب حديقة الأمراء بالعاصمة الفرنسية باريس، نتيجة جيدة لبيب غوارديولا، الذي عبَّر في المؤتمر الصحفي بعد المباراة عن سروره من اللاعبين، لأنهم لم يحتفلوا في غرف الملابس بالفوز، لأن التأهل لم يحسم بعد. لكنها نتيجة تطلب من بوكيتينو أن يسجل هدفين على الأقل كي يعود للمنافسة، مما يحرمه من لعب دور رد الفعل وممارسة هوايته كـ underdog في مباراة العودة، وهي أهم نقاط قوته، في انتظار مباراة أكثر متعة وجنوناً في ملعب الاتحاد.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد رضا منصور
كاتب ومحلل رياضي
مهندس مصري، باحث رياضي، ومحلل أداء سابق بالنادي الإسماعيلي.
تحميل المزيد