صنع اللاعب الدولي الجزائري ياسين بن زية، خلال الأسبوع الماضي، الحدث في الدوري الفرنسي لكرة القدم، بعدما سجل هدفه الأول في الموسم الجاري، بعد شهرٍ واحدٍ من "عودته المستحيلة" للمنافسة الرسمية، وبعد نحو عامٍ واحدٍ من تعرضه لحادث مرور مروع كاد أن يودي بحياته وبتر إحدى يديه.
وتعتبر قصة بن زية نموذجاً لعدم فقدان الأمل في النجاح ونموذجاً أيضاً لسوء تسيير المشوار الرياضي، بحيث لا يزال اللاعب وهو في سن الـ26 من عمره يبحث عن الاستقرار ضمن ناد كبير، يؤكد "التكهنات" التي كانت ترى فيه قبل 10 سنوات أحد النجوم العالميين المستقبليين، بعدما نال "الحذاء البرونزي" خلال مونديال الناشئين لعام 2011.
ولد ياسين بن زية يوم 8 سبتمبر/أيلول 1994 بمدينة "سان أوبان لي إيلباف" الفرسية من أبوين جزائريين. وقد بدأ لعب كرة القدم في سن السادسة من عمره ضمن نادي "سان أوبان" من عام 2000 إلى 2005، قبل الانضمام لفريق " أويسيل" لموسمٍ واحدٍ (2005- 2006)، ثم لنادي "كوديبيكي" من 2006 إلى 2009، ثم لنادي "كيفيلي" في موسم 2009-2010.
وابتسم الحظ للطفل ياسين عندما اكتشفه مسؤول قطاع التوظيف لمركز التكوين لنادي ليون، جيرارد بونو، الذي ضمه، في يوليو/تموز 2010، للمدرسة الكروية الشهيرة المعروفة بمنحها الفرص للاعبين الشبان ذوي الأصول العربية والإفريقية، على غرار كريم بنزيمة وحاتم بن عرفة ونبيل فقير ورشيد عزال وحسام عوار وألكسندر لاغازيت وفريديريك كانوتيه.
الهداف التاريخي لفريق أقل من 17 عاماً لنادي ليون
وانفجرت موهبة بن زية ضمن مدرسة نادي ليون، فسجل 36 هدفاً مع فريق أقل من 17 سنة، ولا يزال إلى الآن أفضل هدّاف لهذه الفئة العمرية في تاريخ النادي.
وبالطبع لم تمر هذه الفعالية الكبيرة أمام المرمى دون أن تلفت انتباه مسؤولي منتخب فرنسا للناشئين، فشارك ياسين في نهائيات مونديال 2011 لأقل من 17 عاماً، التي جرت بالمكسيك، والتي تألق خلالها بشكل لافت بتسجيله 5 أهداف في 5 مباريات على الرغم من إقصاء فريقه (1-2) في الدور ربع النهائي أمام منتخب البلد المضيف، المكسيك، المُتوج لاحقاً بلقب البطولة (1-2)، لينال بن زية على إثر ذلك الحذاء البرونزي ويجلب إليه أنظار كشافي الأندية الأوروبية الكبيرة، على غرار ليفربول الإنجليزي، وميلان ويوفنتوس الإيطاليين، حيث كان يرى فيه الاختصاصيون خليفة لكريم بن زيمة في منتخب فرنسا الأول.
وقد كان من الممكن جداً أن يكون المشوار الرياضي لبن زية أفضل مما سار عليه لو اختار مواصلة تكوينه ضمن أحد تلك الأندية التي طلبت خدماته، لكنه فضل بنصائح من مقربيه ووكيل أعماله جبريل نيانغ التوقيع على عقده الاحترافي الأول مع نادي ليون، في أكتوبر/تشرين الأول 2011 وهو في سن الـ17.
وبالموازاة مع نشاطه ضمن فريق الشباب لنادي ليون (أقل من 18 عاماً) فإنّ الفتى ياسين شارك في 12 مباراة مع فريق الرديف في موسم 2011-2012، سجل خلالها 6 أهداف، كما خاض أول لقاء له مع الفريق الأول يوم 20 مايو/أيار 2012، عندما دخل بديلاً في الدقيقة الـ87 من مواجهة نيس (4-3)، لحساب الجولة الأخيرة من الدوري الفرنسي.
واعتمد مدرب الفريق الأول لليون، ريمي غارد، على الشاب بن زية ضمن القائمة التي حضر بها موسم 2012-2013، فمنحه فرصة المشاركة في التتويج بلقب كأس السوبر الفرنسي بدخوله بديلاً في الدقيقة الـ65 من المباراة أمام مونبيلييه، يوم 28 يوليو/تموز 2012، بمدينة نيو جيرسي الأمريكية، حيث نجح في تسجيل إحدى الركلات الترجيحية التي فاز بها فريقه (4-2).
وشارك بن زية في موسم 2012-2013 في 20 مباراة رسمية مع ليون، معظمها كلاعب بديل، وسجل خلالها هدفين اثنين، ثم في 19 مباراة رسمية في الموسم الموالي 2013-2014، وسجل خلالها أيضاً هدفين اثنين، واستمر في الاكتفاء بنفس هذا العدد من الأهداف في موسم 2014-2015، في 13 مباراة.
في صيف 2015، كان ياسين بن زية لم يتجاوز بعد سن العشرين سنة، وقد كان بإمكانه الصبر ومواصلة الكفاح من أجل الظفر بمركز أساسي دائم مع فريق ليون، لكنه فضل تغيير الأجواء للعب بانتظام، فغادر في آخر أيام الميركاتو الصيفي نحو نادي ليل الفرنسي، الذي تعاقد معه لمدة 4 سنوات في صفقة استفاد فيها ليون بمبلغ مليون يورو.
قرارات حاسمة في موسم 2015-2016
وفي نادي ليل، عرف مشوار بن زية تحولاً جديداً، حيث قام مدرب الفريق، فريديرك أنتونيتي، بتغيير مركز اللاعب الجزائري من مهاجم صريح (رأس حربة) إلى متوسط ميدان هجومي، فشارك ياسين خلال موسمه الأول مع نادي الشمال الفرنسي (2015-2016) في 25 مباراة للدوري الفرنسي، سجل خلالها 5 أهداف.
وخلال نفس الموسم اتخذ بن زية قراراً حاسماً حول مساره الدولي، حيث اختار في شهر فبراير/شباط 2016، اللعب لمنتخب بلده الأصلي الجزائر، فخاض أول مباراة له بقميص "الخضر" يوم 25 مارس/آذار من نفس العام، بمدينة البليدة، أمام منتخب إثيوبيا (7-1) في تصفيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2017، ثم سجل هدفه الأول يوم 2 يونيو/حزيران، في مواجهة منتخب سيشل بفيكتوريا (2-0)، لحساب التصفيات الإفريقية ذاتها.
وتراجع أداء بن زية في موسمه الثاني مع ليل (2016-2017)، حيث سجل 3 أهداف في 25 مباراة في الدوري الفرنسي، لكنه كان في طريقه لتحقيق وثبة كبيرة في الموسم الثالث (2017-2018)، بقدوم المدرب الأرجنتيني مارسيلو بيلسا، الذي كان معجباً كثيراً بالقدرات الفنية والبدينة للنجم الجزائري وإجادة استيعابه لخططه التكتيكية المعقدة، لكن توتر العلاقة بين المدرب وإدارة النادي التي عجلت برحيل مارسيلو "العبقري" في منتصف الموسم حال دون ظهور ياسين بالمستوى المرجو منه خلال الـ31 مباراة التي شارك فيها، واكتفى خلالها بتسجيل هدف واحد فقط.
تجربة فاشلة في تركيا.. وتضييع كأس أمم إفريقيا 2019
وعقب ذلك الموسم الصعب الذي عاشه بن زية، واقتناعه بعدم دخوله ضمن الاهتمامات الرئيسية للمدرب الجديد لفريق ليل، كريستوف غالتييه، فضل ياسين تغيير الأجواء وخوض تجربة احترافية خارج فرنسا، فانضم يوم 31 أغسطس/آب 2018، لنادي فنربخشه التركي على سبيل الإعارة لموسمٍ واحدٍ، وهي التجربة التي كانت فاشلة على طول الخط، حيث شارك في 20 مباراة خلال النصف الأول من موسم 2018-2019، معظمها كلاعب بديل، ودون تسجيل أي هدف، ثم قام النادي التركي بإبعاده عن الفريق الأول في النصف الثاني من الموسم، ما جعله يفقد شرف خوض نهائيات كأس أمم إفريقيا التي جرت في صيف 2019 بمصر رفقة منتخب بلده، وبالتالي المساهمة رفقة كتيبة المدرب جمال بلماضي في تتويج الجزائر بلقبها.
وبعد عودته لنادي ليل، قبل انطلاق موسم 2019-2020 ، قام الأخير بإعارته من جديد، وهذه المرة لنادي أولمبياكوس اليوناني، لمدة 6 أشهر، فواصل بن زية صيامه عن التهديف بعد مشاركته في 9 مباريات رسمية.
وتواصل "النحس" في مطاردة ياسين بن زية عقب عودته إلى فرنسا، في يناير/كانون الثاني 2020، وتعاقده مع نادي ديجون لمدة 3 سنوات ونصف السنة، إذ بعدما بدأ في استعادة متعة اللعب بمشاركته في 4 مباريات توقف الدوري الفرنسي عن النشاط، في شهر مارس/آذار، بسبب تفشي جائحة كورونا، ثم عاش النجم الجزائري أقسى تجربة في حياته، عندما تعرض لحادث مرور خطير يوم 28 مايو/أيار، كاد أن يودي بحياته، أو في أحسن الأحوال بتر يده اليسرى، لكن لطف الله سبحانه أولاً، ثم خضوعه لـ11 عملية جراحية كاملة أعاد له الأمل في العيش المريح واستئناف ممارسة رياضته المفضلة.
ورغم بتر أحد أصابع يده اليسرى فإنّ، بن زية استعاد وظيفة استعمال يده بعد 4 عمليات جراحية دقيقة لزرع الجلد.
وعن تلك الفترة الصعبة التي عاشها بعد الحادث الخطير، يقول بن زية في تصريحات لصحيفة "لودوفيني" الفرسية، يوم 18 أبريل/نيسان الجاري: "لقد كانت أكبر تجربة في حياتي، ومن حسن الحظ أني تلقيت الرعاية اللازمة من الأشخاص المقربين مني، الذين ساعدوني في تلك الفترة السوداء".
وتابع: "لم أفكر أبداً في وضع حد لمسيرتي الرياضية، فالأمر يتعلق باليد، فأنا لست لاعب كرة السلة أو كرة اليد لكي أتوقف عن اللعب، لقد كنت متأكداً أني سأعود إلى المنافسة. لقد قمت بمجهودٍ ضخمٍ، حيث كان يجب إعادة تكوين العضلات والعمل على تقوية اللياقة البدنية".
وقد نجح بن زية في تحديه الأول، فعاد إلى التدريبات فوق ميدان كرة القدم يوم 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ثم خاض مباراة ودية رفقة فريق الرديف لنادي ديجون يوم 13 فبراير/شباط، قبل أن يشارك في أول لقاء رسمي يوم 3 مارس/آذار، عندما دخل بديلاً في الدقيقة الـ83 من المباراة التي خسرها فريقه أمام نادي بريست (1-3) لحساب الجولة الـ28 للدوري الفرنسي، ثم كلاعب أساسي أمام نادي رامس، يوم 21 مارس/آذار، في الجولة الـ30، ثم انتظر الجولة الـ33 في يوم 18 أبريل/نيسان الجاري، ليسجل هدفه الأول في الموسم، ويقدم تمريرة حاسمة، قاد بهما ديجون للفوز على نادي نيس (2-0).
وقد اختارت مجلة "فرانس فوتبول" الشهيرة، ياسين بن زية ضمن تشكيلة الأسبوع، بفضل أدائه المميز أمام نيس. وصرح اللاعب الجزائري عقب نهاية تلك المباراة: "لقد حررني هذا الهدف من شيء ما، فعندما سجلت تذكرت كل تلك اللحظات الصعبة التي عانيت خلالها في الشهور السابقة، الحمد لله لقد نجحت، وأنا سعيد".
نعم لقد نجح ياسين بن زية، ومن حقه الشعور بالسعادة بعد الكفاح الطويل الذي قام به للعودة إلى حياته العادية ولنشاطه الرياضي، في انتظار العودة إلى منتخب الجزائر والعمل على طرد النحس إلى الأبد، من خلال الانضمام مستقبلاً لفريق أوروبي كبير يسمح له بإظهار قدراته الفنية على أعلى مستوى.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.