يشتعل صراع المغرب والجزائر وبين الاتحادين لكرة القدم بشكل خاص في السنوات الأخيرة حول استقطاب أبرز المواهب ذات الأصول المشتركة، التي تنشط في مختلف الدوريات الأوروبية، من أجل استمالتها لاختيار تمثيل منتخبي البلدين في جميع الفئات السنية للمنتخبات الوطنية للبلدين الجارين.
ويعتبر نجم متوسط ميلان الإيطالي إسماعيل بناصر، المتحدر من أم جزائرية وأب مغربي، أبرز انتصار للاتحاد الجزائري بعدما حمل ألوان "محاربي الصحراء"، بينما يعد المهدي بنعطية الذي حمل ألوان كبريات الأندية في القارة العجوز (روما واليوفي الإيطاليين وبايرين ميونيخ الألماني) أبرز فوز للاتحاد المغربي في "حرب استقطاب المواهب".
صراع المغرب والجزائر
انهالت في الأيام القليلة الماضية انتقادات لاذعة على الاتحاد الجزائري لكرة القدم من قِبَل الناقدين والإعلام الرياضي بالبلد، بعدما نجح الاتحاد المغربي في الظفر بخدمات أبرز موهبة في العام الحالي، ويتعلق الأمر بحارس مرمى تشيلسي الإنجليزي سامي التلمساني، المتحدر من أب جزائري وأم مغربية، بعد صراع امتد لأشهر مع الاتحاد الجزائري الذي حاول بدوره استمالته، لا سيما أن التلمساني أفضل المواهب الصاعدة في الدوري الإنجليزي.
حارس تشيلسي لم يكن الأول الذي فضّل المغرب على الجزائر في الأشهر الأخيرة، بل سبقه عدة لاعبين مميزين، الأمر الذي جعل صحيفة "لاغازيت دي فينيك" الجزائرية المتخصصة تُفرد مقالاً مطولاً، تنتقد فيه فشل اتحاد بلدها في مجاراة الوتيرة التي يعمل بها المغرب في استقطاب أبرز المواهب ذات الأصول المغربية – الجزائرية.
وتتساءل الصحيفة المتخصصة في الشؤون الرياضية عن جدوى إنشاء الاتحاد الجزائري لـ"خلية كشف" عن المواهب، ووصفت أسلوب عملها بـ"الغامض وغير الفعال".
الصحيفة نفسها أبدت حسرتها على اختيار الكثير من اللاعبين المغرب، عوضاً عن الجزائر، كأيمن أورير (لاعب بايرن ليفركوسن الألماني)، وحمزة بوهادي ومروان الطاهر ورضا كيرزازي ( بوردو الفرنسي)، وأمين مسوسة (مهاجم ليل الفرنسي)، وإلياس بنعلي (مهاجم ليجانيس أودي الإسباني)، وكلهم لاعبون وُلدوا في أوروبا من أبوين مشتركين من أصول مغربية وجزائرية.
وحسب المصدر ذاته، فإن الاتحاد الجزائري عمل على ملفات هؤلاء اللاعبين "بشكل سيئ للغاية"، ولم يولِ الاهتمام اللازم بهم، ويعمل وفق أسلوب كلاسيكي، عكس الاتحاد المغربي الذي له أساليبه الخاصة في كسب ثقة اللاعب وأسرته ومحيطه.
ومما يعقّد مهمة الاتحاد الجزائري أيضاً في صراعه مع الاتحاد المغربي حول أفضل المواهب، هو محدودية انتشار أعضاء "خلية الكشف"، التي يتركز عملها في فرنسا فقط، بينما تعج دوريات إسبانيا وبلجيكا وألمانيا وهولندا والدول الاسكندينافية بالعديد من اللاعبين الموهوبين، وصل إليهم المنقبون، الذين يعتمدهم الاتحاد المغربي في جل جهات ودول القارة العجوز.
انتصار جزائري
لم يكن الحال هكذا دائماً، فأبرز المواهب في أوروبا وفي فرنسا على الخصوص، كانت تختار قميص المنتخب الجزائري، خاصة في عهد رئيس الاتحاد السابق محمد روراوة، الذي كانت تربطه اتصالات وعلاقات مباشرة مع أسر ومحيط اللاعبين.
وكان الاتحاد الجزائري متفوقاً على نظيره المغربي في استمالة أفضل المواهب المتحدرة من زواج مختلط مغربي- جزائري بأوروبا، لعل رياض محرز (من أم مغربية وأب جزائري) أبرزهم.
لكن الحال لم يستمر طويلاً، فمباشرة بعد نجاح الاتحاد الجزائري في إقناع إسماعيل بناصر في حمل قميص "ثعالب الصحراء"، ورصد أخطاء في التواصل معه من قبل مبعوثي الاتحاد المغربي، انتفض الأخير ووضع مخططاً شاملاً، وتعاقد مع منقبّين في مختلف الدول الأوروبية، ورصد منحاً مالية مهمة لكل من ينجح في ضم مواهب للمنتخبات المغربية.
أيضاً ساعد السخاء والبنيات التحتية الحديثة التي شيدها الاتحاد المغربي، والنتيجة أن 15 لاعباً من أصل مغربي-جزائري حملوا قميص "أسود الأطلس" في الفترة الأخيرة، مثل حمزة بوهادي وأيمن أورير وأمين مسوسة، علماً أن الأخير وكيل أعماله جزائري الذي اقتنع بدوره أن مستقبل اللاعب الرياضي سيكون أفضل مع المغرب.
في المقابل، فمنذ ضم بناصر، لم ينجح الاتحاد الجزائري سوى مع ثلاثة لاعبين من أبوين مختلطين، وهم: مهدي زركان، وسامي فرج، لاعبا سوشو الفرنسي، وحسين تواتي لاعب باريس سان جيرمان، فضلاً عن عدد من اللاعبين حضروا للتجمعات الإعدادية للمنتخبات المغربية، لكنهم لم يستطيعوا ضمان مكان لهم داخلها، ليغيروا الوجهة صوب الجزائر كخيار ثانٍ.
يرى سفيان الراشيدي، الإعلامي المغربي المتخصص في شؤون لاعبي المهجر في أوروبا، أن "أهم عمل قام به الاتحاد المغربي في هذا الاتجاه هو تعيين منقّبين وكشافين بعقود رسمية بأهداف محددة، كربيع تاكسا في إسبانيا ويونس شاهين في ايطاليا، مراد يبقى في بلجيكا وهولندا وعادل بوجعيدة في ألمانيا وغيرهم.
وأضاف المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست" أن "هؤلاء المنقبين ردموا الهوة التي كانت بين الاتحاد المغربي وأسر وعائلات اللاعبين وقربت المسافة بينهم، لا سيما أنهم يزورون اللاعبين في التدريبات وفي منازل عائلاتهم، ويقدمون تقارير دورية إلى الإدارة الفنية التابعة للاتحاد المغربي التي يقودها الويلزي روبرت أوشن".
الاتحاد المغربي يستعين بالأصول
رغم الاهتمام الذي بات الاتحاد المغربي لكرة القدم يوليه لمراكز التكوين في المغرب، فإن المدير الرياضي الويلزي لا يرغب في التنازل عن الكم الكبير من اللاعبين المغاربة في أوروبا، بمن فيهم اللاعبون ذوو أصول مغربية-جزائرية، وهو ما أكده منقب يعمل لصالح الاتحاد المغربي تحفَّظ على الكشف عن اسمه.
وقال المتحدث لـ"عربي بوست" إن "الاتحاد المغربي يعمل عبرهم على رصد تحركات كل اللاعبين في ظل تكتم شديد على الأسماء التي يجتمعون بها لإقناعها باللعب لصالح المغرب".
وأضاف المتحدث أنه "حينما يتعلق الأمر بموهبة مميزة بأصول مشتركة (مغربية جزائرية)، فإن انتزاع قبولها للعب للمغرب يعد نجاحاً كبيراً بالنسبة للمنقب، خاصة إذا ما كان الطرف الجزائري دخل على الخط أيضاً، وبالتالي ستكون المنحة المالية أكبر".
وأشار المتحدث إلى أن الجدّين المغربيين يلعبان دوراً كبيراً في إقناع الحفيد الموهوب لللعب مع الفريق المغربي، إذ يضع ممثلو الاتحاد مشروعهم الرياضي أمامهما ويبرزون لهما المميزات التي سيستفيد منها، إذا اختار المغرب، ويكون عليهما بالمقابل إقناع والدي اللاعب باختيار القميص المغربي.
ويخصص الاتحاد المغربي تذاكر سفر للاعب ولأبويه مع حجز غرف بأفخم الفنادق في زيارته الأولى للمغرب طيلة فترة التجمع التدريبي، رغبة في إطلاع أولياء الأمور على الأجواء التي سيعيش فيها ابنهم في المغرب.
وحسب المصدر ذاته، فإنه "حينما يولي الاتحاد المغربي عنايته بوالدي اللاعب ويوجه لهما دعوة للسفر إلى المغرب على نفقته، وينظمون لهما زيارة إلى مركز التدريبي محمد السادس الدولي الذي يعد الأفضل في القارة الإفريقية، ويقفان عن كثب على الاهتمام الكبير باللاعبين، فإنهما يوافقان على الفور على اختيار المغرب".
وأكد المتحدث أن "الاتحاد المغربي بعد ذلك يسمح لمرافق واحد بمصاحبة اللاعبين المنتمين لدوري أوروبي معين، في تجمعاتهم بالمغرب أو خارجه في المشاركات القارية والدولية، علماً أن هذا المرافق تجمعه علاقة وطيدة بأسر اللاعبين بعدما عقد معهم اجتماعات كثيرة وكسب ثقتهم، وغالباً يرافق المنقبون من كل دولة لاعبيهم ويكونون مسؤولين عنهم منذ مغادرتهم وحتى عودتهم سالمين لمنازلهم".
لاعب ينظم للفريق المغربي بسبب قبر جدته!
يعتقد سفيان الراشيدي، الإعلامي المغربي المتخصص في شؤون لاعبي المهجر في أوروبا، أن "الاتحاد المغربي فهم جيداً دور الأسرة في التأثير على اللاعب لحسم اختياره للمنتخب المغربي، وبات المنقبون والكشافون يتجنبون في بادئ الأمر اللقاء باللاعب مباشرة، ويسعون نحو ربط علاقات مع أسرته أولاً، والاستعانة في الوقت ذاته بأصوله في المغرب".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "اللاعب المختلط الجنسية، لديه جدان في المغرب وآخران في الجزائر، الاتحاد المغربي بات اليوم يستعين بهما ويضع أمامهما المشروع الرياضي الذي ينتظر حفيدهما، بينما يتكلف الكشاف بلقاء والديه في أوروبا ويضع أمامهما المميزات ذاتها، ليأتي لقاء اللاعب في مرحلة ثانية".
وأوضح الراشيدي أن "دور الكشافين والمنقبين يتجاوز البعد الرياضي، ضارباً المثل باللاعب آدم ماسينا لاعب واتفورد الإنجليزي، الذي تخلى عنه والداه في إيطاليا بسبب ظروف معينة، لصالح دور الأطفال ولم تكن تربطه أي علاقة المغرب باستثناء جدته المتوفاة، التي كانت تسأل عنه من حين إلى آخر".
وأشار المتحدث إلى أنه "حينما التقى ممثل الاتحاد المغربي بماسينا أول الأمر، رفض الأخير اللعب للمغرب، لأنه بكل بساطة لم تكن تربطه به أي علاقة، غير أن الاتحاد المغربي دعاه إلى زيارة قبر جدته التي يحب، ونظم له رحلة التقى فيها ماسينا مع بعض أقاربه، ليحيي فيه من جديد انتماءه للوطن، ليقبل في آخر المطاف بالدفاع عن ألوان أسود الأطلس، وسيكون حاضراً في التجمع الإعدادي المقبل تحسباً لتصفيات كأس إفريقيا للأمم".