لم يسبق أن أولى الوسط الرياضي الجزائري اهتماماً كبيراً لإقالة مسؤول في نادي لكرة القدم، مثل ذلك الذي أبداه تجاه قرار إدارة فريق اتحاد العاصمة بالاستغناء عن خدمات المدير الرياضي للنادي، عنتر يحيى ، قبل أن تتراجع عن خطوتها بعد التمسك الشديد لبطل "ملحمة أم درمان" بمنصبه ورفضه الخروج من الباب الضيق لنادي العاصمة الجزائرية، الذي كان قد دخله من أوسع الأبواب على أمل إنجاز مشروع طموح ينتهي بحصد الألقاب الوطنية والقارية.
أفضل أن أبدأ القصة من آخر حلقاتها.. ولا أقصد من نهايتها، لأنّ المسلسل لا يزال متواصلاً وقد يتوقف بشكل مفاجئ مثلما قد يستمر لسنوات عديدة ويسدل عليه الستار بنهاية سعيدة أو حزينة، حسب الظروف المحيطة بها وحسب أهواء أبطالها.
وتروي آخر حلقة من المسلسل أنّ نادي اتحاد العاصمة حقق فوزاً كبيراً، الأحد الماضي، على جاره نصر حسين داي بثلاثية نظيفة، برسم الجولة السادسة من دوري المحترفين الجزائري لكرة القدم، ليكون بذلك فريق " سوسطارة" قد حقق أول انتصار له في بطولة الموسم الجاري ( 2020-2021) بعد 3 هزائم وتعادلين.
وقد جاء هذا الفوز بعد 3 أيام فقط من تراجع إدارة اتحاد العاصمة عن قرار إقالة المدير الرياضي للفريق، عنتر يحيى، الذي كانت قد اتخذته يوم 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري في ظل البداية السيئة للفريق في الموسم الجديد.
ويبدو أنّ إدارة الاتحاد، بقيادة الرئيس جلول عشور، قد سعت من خلال إقالة عنتر يحي لامتصاص غضب جماهير الفريق، محملة بذلك القائد السابق لمنتخب الجزائر لكرة القدم مسؤولية ضعف نتائج النادي في بداية الموسم الحالي بصفته المسؤول الأول على انتداب اللاعبين وأعضاء الجهاز الفني.
وفعلاً فإن شركة سيروسبور" مالكة نادي اتحاد العاصمة الجزائري كانت منحت عنتر يحيى كامل الصلاحيات الفنية عند تعيينه مديراً رياضياً للنادي في يوليو/تموز الماضي، بعقد يمتد لمدة 3 سنوات.
لا يعترف بمصلح "لاعباً مغترباً"
وإضافة للمدرب الفرنسي فرانسوا تشيكوليني، فإنّ عنتر يحيى قام بتغيير جذري على تعداد الفريق بتسريح العديد من اللاعبين المنتهية عقودهم وأصحاب الرواتب المرتفعة، ولجأ بالمقابل، لضم لاعبين جدد، منهم 5 لاعبين مغتربين قادمين من أندية فرنسية صغيرة، وهم كل من حارس المرمى أليكسيس قندوز (24 عاماً)، و الظهير الأيسر مهدي بن دين (24عاماً) ومتوسط الميدان سليم عقال (20 عاماً) والمهاجمين مازير صاولة (22 عاماً) وأسامة عبد الجليل (27 عاماً).
وقد لاقت خيارات عنتر يحيى في تحديد قائمة لاعبي اتحاد العاصمة للموسم الجديد (2020-2021) انتقادات عديدة من طرف شريحة واسعة من جماهير الفريق و اللاعبين القدامى للنادي، خاصة فيما يخص انتدابه لاعبين مغمورين من فرنسا.
ورد عنتر على تلك الانتقادات في تصريح لموقع النادي يوم 17 أغسطس/آب الماضي، قائلاً: "فيما يخص التشكيلة يجب أن يكون هناك تعاون بين الشباب والقدامى وحتى العناصر الناشطة خارج الوطن، من أجل أن تكون لدينا تشكيلة متجانسة وقوية. لا يجب الحديث عن لاعب محلي ولاعب مغترب. اللاعبون المغتربون سيقدمون إضافة للتشكيلة، على غرار أسامة عبدالجليل، الذي أعرفه جيداً ولديه إمكانيات بدنية وفنية جيدة، وأنا واثق من أنه سيقدم الإضافة المرجوة منه، كما أريد أن أوضح أنني لم آت لاتحاد العاصمة لبيع وتسريح اللاعبين بل من أجل تكوين تشكيلة قوية".
ويظهر جلياً أنّ عنتر يحيى قد انزعج من انتقاد عملية انتدابه للاعبين مغتربين من فرنسا،. وأعتقد أنّ له الحق في الانزعاج من هذا الأمر، فاللاعب المغترب هو جزائري أيضاً رغم مولده ونشأته بفرنسا، كما أنّ المعيار الوحيد للمقارنة بينه وبين اللاعب المحلي المولود بالجزائر هو مستواه وأداؤه الفني فوق الميدان.
ومن حق عنتر يحيى أيضاً أن ينزعج من كلمتي "محلي" و"مغترب" لأنه هو شخصياً كان قد عانى من تلك المقارنة لما كان لاعباً دولياً في صفوف المنتخب الجزائري، على الرغم من أنه قضى جزءاً من طفولته بالجزائر وكان يُظهر في الكثير من المناسبات تعلقه الشديد بوطنه الأم، وتشبته بهويته الأصيلة، والدليل على ذلك تحدثه لوسائل الإعلام باللغة العربية أو باللهجة الجزائرية، عكس لاعبين أو مسؤولين رياضيين آخرين مولودين بالجزائر الذين يقومون بتعذيب أنفسهم لإيجاد كلمات فرنسية تصلح لتشكيل جمل مفهومة عند مختلف تصريحاتهم.
وقبل العودة لقضية عنتر يحيى مع نادي اتحاد العاصمة، أستسمحك عزيزي القارئ بالتعريف بأحد صانعي تاريخ الكرة الجزائرية.
مسيرة عنتر يحيى
ولد عنتر يحيى يوم 21 مارس/آذار 1982 بمدينة ميلوز الفرنسية، من أبوين جزائريين، حيث كان الوالد يعمل في مهنة الحدادة، و الوالدة ماكثة بالبيت للاعتناء بالأبناء، وهم 4 ذكور و3 إناث.
وبسبب معاناته من صعوبات مالية للعيش بفرنسا، قرر الوالد "بوساحة" العودة رفقة عائلته إلى الجزائر، وبالضبط إلى مسقط رأسه بمدينة سدراتة، وذلك في سنة 1985، أي عندما كان عتر يبلغ من العمر 3 سنوات.
وبقيت العائلة بالبلد الأم لمدة 5 سنوات، قبل أن تهاجر مجدداً إلى فرنسا، وتستقر بمدينة سوشو، حيث برزت موهبة عنتر يحيى في لعب رياضة كرة القدم، فانضم إلى نادي "بلفور" الصغير في عام 1993، ثم واصل تكوينه بمدرسة نادي سوشو من 1996 إلى 2000.
وأمضى عنتر يحيى على أول عقد احترافي له في صيف 2000 مع نادي إنتر ميلان الإيطالي، وهو في سن الـ18 فقط من عمره، وكان حينها لاعباً دولياً ضمن منتخب فرنسا للشباب (أقل من 19 عاماً).
لن أتطرق بالتفصيل للمشوار الاحترافي لعنتر يحيى، لأنه ليس جوهر موضوعنا الحالي، وقد فضلت التوقف عند نقطة لعبه لمنتخب فرنسا، لأشير إلى أنّ والده قد غضب منه بسبب ذلك الاختيار ولم ينطفئ غضبه إلّا بعدما أخذ وعداً منه (أي من الابن عنتر) بأّن يلبي دعوة المنتخب الجزائري الأول فور تلقيه اتصالاً من مسؤولي اتحاد الكرة لبلده الأصلي.
ويبدو أنّ عنتر يحيى ووالده كانا ساذجين، في ذلك الوقت، ولم يكونا يعلمان أنّه لا يمكن لأي لاعب تغيير جنسيته الرياضية، مهما كان عمره، ولذلك فقد تأخر انضمام عنتر لصفوف منتخب الجزائر إلى غاية سنة 2004، عندما قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) سن قانون جديد يسمح للاعب المزدوج الجنسية بتغيير منتخب بلده بشرط أن يكون في عمره أقل من 23 عاماً وألا يكون قد سبق له اللعب مع المنتخب الأول، وذلك قبل أن يتم إصدار قانون آخر في عام 2009 (قانون الباهاماس)، ألغي من خلاله شرط تحديد السن.
أول لاعب في العالم يغير جنسيته بعد قانون الفيفا لعام 2004
وكان عنتر يحيى أول لاعب في العالم يغير جنسيته الرياضية بعد قانون الفيفا لعام 2004، فكان أول ظهور له مع منتخب الجزائر يوم 15 يناير/كانون الثاني من نفس العام بمناسبة المباراة الودية أمام منتخب مالي، في عهد المدرب رابح سعدان ورئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم السابق، محمد روراوة.
ثم شارك عنتر مع "محاربي الصحراء" في نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم بتونس في مطلع عام 2004، والتي كانت بمثابة بدايته الرسمية لمشواره مع منتخب الجزائر، الذي امتد لمدة 8 سنوات، خاض خلاله 53 مباراة، وسجل 6 أهداف، أبرزها وأشهرها هدفه التاريخي في مرمى حارس منتخب مصر، عصام الحضري، يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني، بمدينة أم درمان السودانية، الذي تأهل بفضله "الخضر" إلى نهائيات مونديال 2010.
وأعلن عنتر يحيى اعتزاله دولياً في مايو/أيار 2012، ثم اعتزل اللعب نهائياً بعد رحلة طويلة مع الأندية، ضمت كل من إنتر ميلان الإيطالي وباسيتا ونيس الفرنسيين وبوخوم الألماني والنصر السعودي وكايزسلاوثن الألماني والترجي التونسي وبلاتانياس اليوناني وأنجي الفرنسي وأخيراً أورليون الفرنسي في ديسمبر/كانون الأول 2016.
بدأ العمل كمدير رياضي لنادٍ فرنسي في عام 2016
ومن حيث أنهى مسيرته كلاعب، بدأ عنتر يحيى مهنته الجديدة كمدير رياضي، أي بنادي أورليون الفرنسي، وذلك بالموازاة مع مواصلة تعليمه حيث التحق، في بداية سنة 2017، بمعهد "الحقوق والاقتصاد الرياضي" بمدينة ليموج الرياضية، للحصول على شهادة "مناجير" وهو نفس المعهد الذي درس فيه نجوم الكرة الفرنسية، زين الدين زيدان ولوران بلان وإيمانويل بوتي.
واستمر عنتر يحيى في منصبه كمدير رياضي لنادي ليموج لمدة 3 سنوات قبل أن تتم إقالته من طرف إدارة النادي في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بسبب سوء النتائج.
ولعلك قد لاحظت عزيزي القارئ أنّ إدارة نادي لوريون قد تخلت عن خدمات عنتر يحيى بعد 3 سنوات من العمل وبحجة "سوء نتائج الفريق"، وهي نفس الحجة التي أرادت إدارة نادي اتحاد العاصمة الجزائري الاعتماد عليها عند إقالتها لعنتر.
من الواضح أنّ قرار رئيس نادي اتحاد العاصمة بإقالة عنتر يحيى لم يكن منطقياً ، بحكم أنّ الطرفين قد وقعا على عقد لمدة 3 سنوات، من أجل إنجاز مشروع رياضي تظهر نتائجه على المديين المتوسط أو الطويل وليس بعد 4 أو 5 مباريات فقط من الدوري المحلي.
وما زاد من غرابة القصة هي حملة التشويه التي لاحقت عنتر يحيى التي قام بها بعض الأشخاص من محيط النادي وجزء من الصحافة المحلية، حيث تم نشر إشاعات أنّ المدير الرياضي قد جلب لاعبين من فرنسا بمبالغ كبيرة وبرواتب شهرية ضخمة، وأنه يأخذ نسبة من تلك الرواتب، في حين أنّ الواقع يكذب ذلك بحيث يوجد لاعبون "محليون" لا يزالون ينشطون بالفريق يتقاضون رواتب أكبر بكثير من تلك المخصصة للاعبين "المغتربين".
والأغرب ما في القصة أيضاً أنّ إدارة اتحاد العاصمة والكثير من جماهير الفريق قد انزعجوا عند علمهم أنّ عنتر يحيى سيلجأ إلى المحكمة الرياضية أو الاتحاد الدولي لكرة القدم لأخذ كامل مستحقاته المالية في حال ترسيم إقالته، وكأنهم لا يدركون أنّ المحترف السابق في ألمانيا قد تعاقد مع النادي لمدة 3 سنوات وببنود واضحة ولم يرتكب أي حد الآن أي خطأ مهني فادح يستحق فسخ العقد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.