قبل الاسترسال في الموضوع، يجب التوضيح أنّ مدرب المنتخب الجزائري لكرة القدم، جمال بلماضي، لم يسبق له الإعلان بشكلٍ صريحٍ عن أنه يستهدف التتويج بكأس العالم خلال نهائيات مونديال قطر 2022، وأنّ المرة الوحيدة التي صرّح خلالها بهذا الكلام قد كانت قبل نحو 10 أشهر، على شكل مزاح مرفق بتعليق جدي، يؤكد من خلاله بضرورة التأهل أولاً الى الدورة النهائية، ثم العمل على الذهاب إلى أبعد حد في البطولة.
هذا التصريح المثير الذي أدلى به بلماضي يوم 13 يناير/كانون الثاني 2020 لقناة "كنال بلوس سبور" الفرنسية، أحدث ضجة كبيرة على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وبالخصوص لدى الجماهير الرياضية الجزائرية التي بدأت حينها الحلم بإمكانية تتويج منتخب "محاربي الصحراء" باللقب العالمي.
وقد بدأ هذا الحلم يكبر مع مرور الوقت ومع توالي النتائج والأداء المُبهر لرياض محرز وزملائه في المباريات الرسمية والودية الأخيرة.
هل صرّح بلماضي حقاً بأنه يستهدف التتويج بكأس العالم؟
بداية، دعونا نعرف ماذا قال بلماضي بالضبط في تصريحه للقناة الفرنسية الرياضية: "عدم الذهاب إلى المونديال سيكون فشلاً كبيراً.. لما ننجز العمل ونتأهل فإن الهدف سيكون الفوز بها".
وأرفق المدرب الجزائري كلمته الأخيرة بابتسامة عريضة، ثم توقف عن الكلام قائلاً: "لا أنا.."، أمام تصفيقات حارة من الضيوف الحاضرين في الحصة الرياضية"، وبدا كأنه أراد أن يقول: "لا أنا أمزح فقط".
وتعددت، بعد ذلك تصريحات بلماضي المتفائلة والحالمة والمنطقية أيضاً، التي يُلمح من خلالها لطموحه الكبير في تحقيق إنجاز تاريخي مع منتخب الجزائر في مونديال قطر القادم، دون الحديث عن السعي للتتويج بكأس العالم.
فقد قال مدرب "الخضر" مثلاً في حوار لصحيفة "ليكيب" الفرنسية يوم 29 يوليو/تموز الماضي: "تبدو القصة خيالية، فإذا توقع أحدهم، من قبل، أنّ بلداً مثل قطر سينظم نهائيات كأس العالم لكرة القدم وأنه بإمكاني التواجد هناك كمدرب لمنتخب الجزائر، فإني أقول إنّ نسبة إمكانية حدوث ذلك هي 0.1 %، المهم يجب أولاً التفكير في التأهل حيث لن تكون المهمة سهلة، ثم إذا حالفنا الحظ في التواجد هناك، فإننا لن نذهب من أجل المشاركة فقط، بل يجب الإيمان بالمستحيل وامتلاك الطموح، أرى أن خوض دورة نهائية لكأس العالم في البلد الذي شهد ميلادي كمدرب هو بمثابة إشارة على القدر".
أتوقف هنا قليلاً لأشير إلى أن بلماضي بدأ مساره المهني، في صيف 2010 كمدرب لنادي لخويا القطري، ثم مديراً فنياً لمنتخب قطر الرديف في موسم 2013- 2014، وبعدها لمنتخب قطر الأول في موسم 2014- 2015، قبل أن يعود إلى لخويا، في مطلع عام 2015 الذي غيّر اسمه إلى نادي الدحيل، واستمر معه حتى 2018.
شخصية المدرب ونوعية اللاعبين تسمح بتحقيق المستحيل
لن أطيل عليك عزيزي القارئ وأجعلك تملّ من التصريحات المتشابهة حول نفس الموضوع، وسأحاول إظهار بعض المعطيات التي قد تجعل الحلم الخفي لبلماضي قادراً على التحقيق على أرض الواقع.
فالتتويج بكأس العالم لا يتطلب فقط تشكيلة متكاملة من اللاعبين الممتازين بقيادة جهاز فني ذي كفاءة عالية، بل تتطلب أموراً وجزئيات كثيرة، يمكنني استعراض البعض منها، وأبرزها شخصية المدرب.
فإذا كان المدرب طموحاً ويملك لغة الاتصال اللفظي والسيميولوجي التي تسمح له بزرع نفس درجة طموحه لدى لاعبي فريقه، فهو قادر على الذهاب بعيداً بكتيبته، مثلما كان الشأن مع بلماضي لما صرح قبل بداية نهائيات كأس أمم افريقيا لكرة القدم 2019 بمصر أنه سيذهب الى البلد الشقيق من أجل التتويج باللقب القاري، فنجح في رفع التحدي بعدما رفع من معنويات لاعبيه وجعلهم يُخرجون أفضل ما بجعبتهم لخوض المباريات بروح جماعية وقتالية لا مثيل لها.
ولا تكفي شخصية وكفاءة المدرب في إنجاز "المستحيل"، فمن الضروري توفره على نوعية جيدة من اللاعبين التي تفقه في مختلف الخطط التكتيكية، وهي الميزة التي نجدها في المنتخب الجزائري الحالي، الذي يضم في صفوفه العديد من النجوم الذين ينشطون في أندية أوروبية كبيرة.
قد أطيل في سرد أسماء هؤلاء اللاعبين، ولذلك سأكتفي بذكر أبرزهم على غرار رياض محرز، مهاجم مانشستر سيتي الإنجليزي، ورامي بن سبعيني، الظهير الأيسر لبوروسيا مونشغلادباخ الألماني، وإسماعيل بن ناصر، متوسط ميدان ميلان الإيطالي، وعيسى ماندي، مدافع ريال بيتيس الإسباني وسعيد بن رحمة، مهاجم وست هام الإنجليزي.
ويُضاف لهؤلاء النجوم المميزين، لاعبون آخرون مُحنكون ذوو تجربة دولية كبيرة كرايس وهاب مبولحي، حارس مرمى نادي الاتفاق السعودي، وسفيان فيغولي، متوسط ميدان فريق غالاتا سراي التركي، وياسين براهيمي، قائد عمليات نادي الريان القطري، وإسلام سليماني، مهاجم ليستر سيتي الإنجليزي.
التتويج بكأس العالم لا يكون من خلال الفوز بلقاء واحد أو لقاءين، بل بحُسن تسيير دورة نهائية يخوض خلالها المنتخب 7 مباريات على الأقل، أي 3 مواجهات في دور المجموعات ثم مباراة واحدة في كل من الدور ثمن النهائي وربع النهائي ونصف النهائي والنهائي.
ومع توالي المباريات في الدورات النهائية للمونديال يتعرض المنتخب لغيابات اللاعبين غير المنتظرة والاضطرارية بسبب الإصابة أو العقوبة، ما يتطلب من المدرب إيجاد البدائل دون التأثير على انسجام وتكامل التشكيلة الأساسية، وهو الأمر الذي نجده لدى المنتخب الجزائري الذي يتوفر على كرسي احتياط "ملكي"، بحيث نجد تقريباً لاعبين اثنين مميزين في كل مركز، وفي بعض الأحيان 3 لاعبين من المستوى العالي في منصب واحد، كبن سعيني وفارس وغلام في مركز الظهير الأيسر، وبونجاح وسليماني وديلور في منصب المهاجم الصريح.
وقد ظهرت هذه الميزة جلياً لدى المنتخب الجزائري خلال نهائيات كأس أمم إفريقيا 2019 بمصر، حيث أحسن بلماضي تسيير الدورة وتعويض الغيابات الاضطرارية دون أي مشكل، حتى إنه خاض المباراة الثالثة لدور المجموعات أمام تنزانيا بالفريق الثاني وفاز بها بثلاثية نظيفة.
وما يجعل الجماهير الرياضية الجزائرية تشارك بلماضي حلم التتويج بلقب مونديال قطر، هو التألق الكبير لمنتخب "الخضر" في المباريات الودية الأخيرة أمام منتخبات عالمية كالفوز على كولومبيا بثلاثة أهداف لصفر وعلى نيجيريا بهدف نظيف، والتعادل مع المكسيك بهدفين لمثلهما رغم خوض الـ40 دقيقة الأخيرة من اللقاء بـ10 لاعبين، وهو الأمر الذي يؤكد أيضاً أن المنتخب الجزائري قادر على تسيير المباريات في الأوقات الصعبة كتعرض اللاعبين للطرد مثلاً وإكمال اللقاءات بنقص عددي.
بلماضي سيخوض المونديال في بلده الثاني
ويملك بلماضي أيضاً نقطة إيجابية لا يتوفر عليها معظم مدربي المنتخبات التي ستشارك في مونديال 2022، حتى لا أقول لا يملكها أي واحد منهم، وهي معرفته الجيدة بالبلد الذي سيحتضن البطولة العالمية.
فكما أشرت من قبل، فإنّ بلماضي بدأ مسيرته كمدرب في دولة قطر، كما أنه لا يزال يملك إقامة هناك، ولذلك فهو يعرف البلد جيداً، كالملاعب والبيئة و خاصة المناخ، وقد يستفيد أيضاً من تعود بعض نجوم المنتخب على اللعب في ميادين نفس البلد، على غرار ياسين براهيمي (نادي الريان) وبغداد بونجاح (نادي السد) وعدلان قديورة (نادي الغرافة) ويوسف بلايلي (نادي قطر).
وتبقى هذه مجرد معطيات قد تسهم في إبقاء الحلم لدى عشاق المنتخب الجزائري بإمكانية التتويج بكأس العالم، ولكن قبل ذلك يجب التأهل أولاً إلى نهائيات مونديال 2022، بالمرور عبر التصفيات الإفريقية، حيث سيبدأ المشوار الطويل والشاق لبلماضي ولاعبيه في شهر يونيو/حزيران 2021، بمواجهة منتخبات كل من بوركينا فاسو وجيبوتي والنيجر، لحساب المجموعة الأولى، ثم ملاقاة أحد المنتخبات المتأهلة على رأس المجموعات التسعة الأخرى، في الدور الحاسم، ذهاباً وإياباً، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من نفس السنة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.