حلّ منير الحدادي، نجم نادي إشبيلية الإسباني لكرة القدم، يوم الإثنين، 5 أكتوبر/تشرين الأول، بمدينة سلا المغربية، ليس كزائر أو كسائح لبلده الأصلي، مثلما اعتاد على ذلك في السنوات الماضية، بل في مهمة الدفاع عن ألوان منتخب "أسود الأطلس" لأول مرة في مشواره الدولي، بعدما نجح في تغيير جنسيته الرياضية من الإسبانية إلى المغربية، محققاً بذلك أمنيته التي طالما كافح من أجلها، منذ منتصف عام 2017.
وسيشارك الحدادي بمدينة سلا، في معسكر المنتخب المغربي، تحسباً لمواجهة منتخبي السنغال والكونغو الديمقراطية ودياً يومي 9 و13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وذلك استعداداً لتصفيات كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر، حيث يطمح منير لخوض نهائيات المونديال القادم، بعدما فشل في تحقيق حلمه بالمشاركة في مونديال روسيا 2018، بسبب عوائق قانونية، سنتطرق إليها من خلال استعراض المسار الاحترافي للوجه الجديد لمنتخب المغرب.
والدته من الأراضي المحتلة
ولد منير الحدادي يوم 1 سبتمبر/أيلول 1995 ببلدة "سان لورنزو دي إيستوريال" الإسبانية التابعة لمقاطعة مدريد، ونشأ ببلدة "غالاباخار" بحي يطلق عليه الإسبان اسم "المغرب الصغير"، بسبب الجالية المغربية الكبيرة التي تعيش بها. ومن بين أبناء الجالية الضخمة تلك كان والد منير، محمد الحدادي الذي هاجر إلى إسبانيا عام 1984، لما كان عمره 18 سنة، بطريقة غير شرعية على متن قارب صيد، ثم تزوج من "زيدة " أو "سعيدة" الفتاة الإسبانية، ابنة إقليم مليلة المتواجد بالأراضي المغربية والذي لا يزال تابعاً لإسبانيا.
بدأ منير ممارسة رياضة كرة القدم بالحي الذي نشأ فيه، قبل أن ينضم في سن التاسعة من عمره لنادي غالاباخار والذي بقي معه إلى غاية سنة 2010، حيث خطفه نادي أتلتيكو مدريد وضمه إلى صفوفه لكنه أعاره لموسم واحد لفريق الشباب لنادي "رايو ماخاداوندا"، الذي تألق معه منير بشكلٍ كبير بتسجيله 32 هدفاً في 29 مباراة رسمية. لفت هذا التألق المميز لمنير انتباه كشافي بعض الأندية الأوروبية العملاقة، على غرار ريال مدريد وبرشلونة الإسبانيين ومانشستر سيتي، لكن مسؤولي برشلونة كانوا الأكثر اهتماماً وجدية ورغبة في ضم اللاعب الواعد. ليغادر منير الصغير منزله لأول مرة في يوليو/تموز 2011، ليعيش في إقليم كاتالونيا رفقة نادي برشلونة ليواصل تكوينه ضمن مدرسة "لاماسيا" الشهيرة، ومع رحيله عن مقاطعة مدريد، انفصل الحدادي عاطفياً عن النادي الذي كان يعشقه منذ الصغر ونعني به ريال مدريد، وتحوّل الحب نحو الغريم التقليدي، برشلونة.
بطل وهدّاف دوري الأبطال
بعد سنتين من التكوين والتطوير المميز في كل مراكز خط الهجوم ووسط الميدان الهجومي، منحه نادي برشلونة أول عقد احترافي في صيف 2013، للعب في فريق الرديف. وذلك، بالموازاة مع مشاركته مع فريق الشباب البرشلوني (أقل من 19 عاماً) في مسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم للشباب، حيث قاد النجم المغربي شباب النادي للتتويج بلقب البطولة الأوروبية بتسجيله لهدفين من أصل ثلاثة فاز بها برشلونة على نادي بنفيكا البرتغالي (3-0) في نهائي المسابقة في موسم 2013-2014.
وتوّج منير أيضاً بجائزة أفضل هداف للبطولة برصيد 11 هدفاً، كما نال اللقب الشرفي لأفضل مُمرّر بمجموع 5 تمريرات حاسمة.
وقد كان من الطبيعي جداً ألا يمر هذا التألق الكبير لمنير الحدادي مع فريق الشباب لنادي برشلونة دون أن يلاحظه مدرب الفريق الأول، في ذلك الوقت، الإسباني لويس إنريكي، الذي ضمه في صيف 2014 لكتيبة الكبار الكتالونية تحضيراً للموسم الجديد (2014-2015).
ولم يخيب منير ظن مدربه، حيث أنهى الفترة التحضيرية هدافاً للفريق برصيد 4 أهداف، ثم دشن مباراته الأولى كلاعب محترف في دوري الدرجة الأولى الإسبانية، بتسجيله هدفاً جميلاً يوم 24 آب/أغسطس 2014، أمام نادي إلتشي بملعب "كامب نو" لحساب الجولة الأولى من المسابقة.
وفي خضم هذا التطور المذهل في حياة والمشوار الرياضي لفتى لم يبلغ بعد التاسعة عشرة من عمره، فقد كان من المنطقي جداً أن يرفع من سقف طموحاته للعب ضمن المنتخب الأول لإسبانيا، خاصة أنه كان قد لعب من قبل ضمن منتخب أقل من 19 عاماً لبلد مولده.
وفعلاً، تسارعت الأحداث بالنسبة لمنير الحدادي لتحقيق هذا الطموح الكبير، حيث شارك يوم 3 سبتمبر/أيلول 2014 رفقة منتخب إسبانيا لأقل من 21 عاماً أمام نظيره المجري، لحساب تصفيات بطولة أمم أوروبا، ثم حدثت المفاجأة أو "المعجزة" باستدعائه لمنتخب إسبانيا الأول من طرف المدرب المخضرم فيسينتي دل بوسكي للمشاركة أمام منتخب مقدونيا يوم 8 من نفس الشهر، في مباراة لحساب تصفيات بطولة أمم أوروبا لكرة القدم 2016، وذلك لتعويض المهاجم دييغو كوستا المصاب.
15 دقيقة دمرت مسيرته الدولية
شارك منير في 15 دقيقة فقط من مواجهة مقدونيا، وقد عبر عن سعادته الكبيرة بظهوره الأول رفقة نجوم "لاروخا"، حيث صرح بعد نهاية المباراة قائلاً: "اللعب مع إسبانيا هو حلم تحقق، إنه قرار شخصي اتخذته بدون أي ضغط وأنا سعيد جداً به".
ولم يكن منير يدري أنّ تلك المباراة ستكون بمثابة نقمة عليه وأنّ ذلك التصريح سيخلق له، سنوات من بعد وإلى غاية الوقت الحالي، بعض المشاكل ويثير الجدل في بلد أصله المغرب.
وقد زاد من درجة الجدل، لما صرح في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015، لشبكة bein sports القطرية: "لما كنت ألعب ضمن فرق الفئات الشابة لبرشلونة لم يكن هناك أي اهتمام من طرف مسؤولي المنتخب المغربي ولكن لما انضممت للفريق الأول للبرسا، فإني أنا من اخترت اللعب لمنتخب إسبانيا".
وأكد والد منير الحدادي اختيار نجله المنتخب الإسباني عن قناعة تامة، حين صرح لنفس الشبكة الرياضية: "لقد قلت له (أي لمنير) أن يفكر جيداً قبل حسم خياره، وفي تلك اللحظة لم يكن بمقدوري التأثير على قراره النهائي".
وظل منير مقتنعاً باختياره وواثقاً بقدراته الفنية والبدنية التي تسمح له باللعب لمنتخب إسبانيا الأول، إلى غاية صيف 2017، لما صُدم بتجاهله من طرف مدرب منتخب أقل من 21 عاماً، ألبرت سيلاديس، عند إعداد قائمة اللاعبين المشاركين في بطولة أمم أوروبا للآمال التي جرت بهولندا.
وقد كان ذلك التجاهل بمثابة "جرس تنبيه" لمنير الحدادي، جعله يتذكر أصوله المغرية، ويتخذ الإجراءات الإدارية ليطلب من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تغيير الجنسية الرياضية، لحمل ألوان المنتخب المغربي، لكن طلبه قوبل بالرفض من طرف الهيئة الكروية العالمية مثلما تم رفض الطعن الذي تقدم به لمحكمة التحكيم الرياضي الدولية (كاس) قصد المشاركة مع منتخب "أسود الأطلس" في نهائيات مونديال 2018 بروسيا.
قانون خصوصي
وظل منير الحدادي متشبثاً بأمل اللعب مع منتخب بلده الأصلي إلى غاية تحقيق حلمه يوم 18 سبتمبر/أيلول الماضي، لما سنّ "الفيفا" قانوناً جديداً خاصاً باللاعبين المزدوجي الجنسية، يسمح لفئة منهم بتغيير جنسيتهم الرياضية واللعب رسمياً لمنتخب بلد آخر بدل المنتخب الذي حملوا ألوانه من قبل.
وكان الحدادي يبلغ من العمر 19 عاماً و8 أيام، عندما شارك في مواجهة مقدونيا، ما يجعله مؤهلاً للاستفادة من القانون الجديد الخاص بتغيير الجنسية الرياضية، والذي يتطلب 4 شروط، هي أولاً: اللعب أقل من 3 مباريات مع المنتخب الأول، وثانياً: أن يكون عمر اللاعب أقل من 21 عاماً في تاريخ آخر مباراة رسمية مع المنتخب الأول، وثالثاً: عدم مشاركته مع المنتخب الأول منذ 3 سنوات، ورابعاً: عدم خوضه أي دورة نهائية لكأس العالم أو بطولة قارية مع المنتخب الأول.
مسيرة متذبذبة
نعود للحديث عن المشوار الاحترافي لمنير الحدادي مع الأندية، لنشير إلى معاناته في ضمان مركز أساسي في خط هجوم برشلونة، المدجّج بنجوم الكرة العالمية، على غرار الأرجنتيني ليونيل ميسي والأوروغوياني لويس سواريز والبرازيلي نيمار، حيث اكتفى اللاعب المغربي، في موسمي (2014- 2015) و(2015-2016) بالمشاركة في 43 مباراة رسمية، سجل خلالها 9 أهداف وقدم 10 تمريرات حاسمة.
وأمام هذا الوضع المعقد فضل منير الرحيل نحو نادٍ آخر يمنح له حجماً أكثر ساعياً للعب وإظهار قدراته الفنية، فأعاره برشلونة في موسم 2016-2017 لنادي فالنسيا، الذي شارك معه في 36 مباراة رسمية، سجل خلالها 7 أهداف، ومنح 3 تمريرات حاسمة، ثم أعير في الموسم الموالي (2017-2018) لنادي ديبورتيفو ألافيس، الذي تألق معه كثيراً، بتسجيله لـ14 هدفاً وصناعته لـ7 أهداف أخرى في 37 مباراة رسمية.
وبعد عودته لبرشلونة في صيف 2018، تأكد منير من استحالة الظفر بمركز ضمن التشكيلة الأساسية للفريق، حيث شارك في 11 مباراة رسمية في نصف موسم 2018-2019، ما جعله يرحل نهائياً عن النادي الكتالوني في يناير/كانون الثاني 2019 نحو نادي إشبيلية، مقابل مليون يورو فقط.
ويبدو أنّ منير الحدادي قد وجد راحته في إقليم الأندلس، خاصة في الموسم الماضي (2019-2020)، الذي سجل فيه 10 أهداف وقدم 4 تمريرات حاسمة، في 32 مباراة رسمية، وهو الموسم الذي أنهاه بالتتويج بلقب الدوري الأوروبي لكرة القدم، رفقة مواطنيه المغربيين، حارس المرمى ياسين بونو، والمهاجم يوسف النصيري، وهما اللاعبان اللذان رافقاه أمس الإثنين إلى مدينة سلا واللذان سيساعدانه على الاندماج سريعاً ضمن كتيبة منتخب بلده المغرب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.