بايرن ميونيخ فاز بكأس السوبر بعد مباراة دراماتيكية مع إشبيلية، صحيح أن ليفاندوفيسكي سجل هدفاً لم يحتسبه الفار، لكن النهائي كان متكافئاً إلى حد كبير، وكان بمقدور الأندلسيين خطف الكأس في آخر لحظات الشوط الثاني قبل الاحتكام إلى الأشواط الإضافية.
فاز إشبيلية بالدوري الأوروبي بالموسم الماضي، لكنه أيضاً فاز بها من قبل أكثر من مرة مع المدرب السابق للفريق إيمري. حصل إشبيلية على المركز الرابع بالليغا، لكنه أيضاً حقق هذا المركز من قبل، أحرج إشبيلية الكبار محلياً وقارياً، لكنه أيضاً فعل ذلك مع أكثر من مدرب.
كل هذه الأمور تجعلنا لا نضخم من تأثير جولين لوبيتيغي أو نعطيه أكثر من حقه، لكنه فعلاً تعرض للظلم من الجميع سابقاً، بعد تجربته غير المكتملة مع ريال مدريد، وعدم حصوله على الفرصة رفقة الماتدور الإسباني، إلا أن ما يقدمه المدرب مؤخراً، سواء فائزاً أو خاسراً، مع إعداده الجيد للمباريات الكبيرة، وقراءته الموفقة لعديد المواجهات، يجعلنا نتوقف بعض الشيء أمام خطته المثالية ضد بايرن في السوبر الأوروبي.
الضغط على بايرن ميونيخ من دون تياغو
قدم لوبيتيغي مباراة تكتيكية مميزة أمام نظيره الألماني هانزي فليك، سواء في استغلال رحيل تياغو وتطبيق الضغط، أو في الدفاع بـ5 بدلاً من 4 لتقليل خطورة هجوم البافاري.
في البداية رحيل تياغو لا يزال مؤثراً بالنسبة لبايرن ميونيخ، خاصة أثناء البناء من الخلف؛ لأن إشبيلية ركز في ضغطه على إغلاق زوايا التمرير في العمق، واستهداف لوكاس على اليسار، من أجل محاولة قطع الكرة أو إجهاض الهجمة في البدايات.
هي استراتيجية استخدمها توماس توخيل في نهائي الشامبيونز، بعد إحكامه السيطرة على ألفونسو ديفيز يساراً، بواسطة ثنائية دي ماريا وهيريرا من دون الكرة، وحصل باريس على بعض الفرص الخطيرة، لولا رعونة مبابي، وتألق تياغو في العودة إلى مناطقه، ولعبه همزة الوصل بين الدفاع والهجوم، مثل هدف الفوز، عندما بدأ الإسباني الهجمة وأوصلها طويلة إلى كيميتش، من أسفل اليسار إلى أقصى اليمين.
في السوبر، لم يكن هناك تياغو، ما جعل غوريتسكا وكيميتش في ورطة بعض الشيء، عندما ضغط إشبيلية بشكل سليم على العمق، بواسطة راكيتيتش وجوردان على ثنائي وسط بايرن ميونيخ، وإغلاق سوسو العمق جيداً أمام الدفاع، مع السماح فقط بالتمرير تجاه لوكاس، الذي يقترب منه نافاس باستمرار.
إشبيلية من دون الكرة مع 4-1-4-1 منع الفريق البافاري من الخروج المنظم بالهجمة خاصة في الشوط الأول، عندما كانت اللياقة البدنية في قمتها للطرفين.
إشبيلية يدافع بـ4 أم بـ5؟
بايرن ميونيخ من أقوى فرق العالم، إذا لم يكن الأقوى، في الهجوم بأكبر عدد ممكن من اللاعبين، خاصة في ظل حالة اللا مركزية التي يستخدمها فليك، بتواجد مولر، ليفاندوفيسكي، غنابري، وساني في الثلث الأخير من الملعب، سواء بالعمق أو الأطراف، ما يجعل الدفاع أمامهم صعب.
هنا لوبيتيغي لعب بطريقة قريبة من 4-2-3-1 بتواجد فرناندو وجوردان في الارتكاز، ومعهما راكيتيتش، لكن كلما يبدأ بايرن هجومه بالقرب من نصف ملعب إشبيلية، تجد فرناندو يترك موقعه في الارتكاز للدخول بين قلبي الدفاع في العمق، على مقربة من كارلوس وكوندي، لماذا؟
– لخلق موقف 3 ضد 2 أمام مولر وليفا.
– ليخرج نافاس لليمين أكثر من أجل مواجهة أجنحة بايرن ميونيخ.
– فيصبح اسكوديرو أقرب للمدافع الخامس منه إلى الظهير الأيسر.
– ويتحول راكيتيتش إلى الوسط كارتكاز مساند بدلاً من صانع لعب.
ومع دخول غويدي في الشوط الثاني، أصبح هذا الرسم أكثر وضوحاً بالتحول من رباعي الخلف إلى خماسي الدفاع أو في آخر نصف ساعة حتى الأشواط الإضافية.
نجم المباراة؟
منذ حوالي شهرين، كتبت تحليلاً مفصلاً عن لوكاس أوكامبوس، وفصلت دوره مع إشبيلية بالتفصيل، سواء في التسجيل أو الصناعة، لعبه كجناح حقيقي على اليمين، وجناح مقلوب يساراً، مع قدرته على القيام بالشق الدفاعي، والضغط على حامل الكرة في نصف ملعب المنافس.
وصفته حينها بالجناح المتكامل في 2020، ورغم معارضة بعض الأصدقاء لكن أعتقد أن أداءه أمام بايرن ميونيخ يستحق أن يكون كذلك وأكثر؛ لأن الأرجنتيني بالنسبة لي فعل كل شيء ممكن.
– اللعب على اليسار، وفتح الملعب بالعرض في بداية المباراة خلال رسم 4-2-3-1، مع إجبار جنابري على العودة إلى مناطقه لمساندة بافارد.
– تحوله إلى اليمين في الشوط الثاني بعد دخول أوليفر توريس ثم خروج سوسو، ليصبح أقرب إلى الجناح الصريح الذي يلعب على الخط، يدافع ويهاجم، ويستغله لوبيتيغي في التحولات السريعة مع يوسف النصيري.
– لاعب مميز جداً في المراوغة، الإنتاج، التسجيل، وفي نفس الوقت يدافع ويركض ويلعب بحدة كبيرة جداً.
أوكامبوس مع لوبيتيغي حقق المعادلة الصعبة، أن يكون لاعباً يعرف كيف يحتفظ بالكرة تحت الضغط، ولديه ميزة اتخاذ القرارات السريعة، فيما يعرف بـ"الجودة"، وفي نفس الوقت لا يتوقف عن الركض، يضغط، يهتم بلياقته، ويمتاز بالجانب البدني، فيما يعرف بـ"الحدة"، وفي النهاية، الجودة + الحدة = التألق في الكرة الحديثة.
الخلاصة
في النهاية، كل ما سبق يعني عدم التقليل من بايرن ميونيخ، الذي استحق الفوز باللقب، ويعتبر الفريق الأفضل أوروبياً بالوقت الراهن، لكن إشبيلية في المقابل قدم عرضاً كبيراً. والأهم من كل ذلك، أن جولين لوبيتيغي يقدم نفسه من جديد، ويعيد اكتشاف ذاته خططياً وتكتيكياً، بعد فترة سابقة من التخبط وسوء الاختيارات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.